( باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال والفطر لرؤية الهلال )
 
( وأنه اذا غم في أوله أو آخره أكملت عدة الشهر ثلاثين يوما ) [ 1080 ] قوله صلى الله عليه و سلم ( لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فان أغمى عليكم
(7/188)

فاقدروا له ) وفي رواية فاقدروا له ثلاثين وفي رواية اذا رأيتم الهلال فصوموا واذا رأيتموه فافطروا فان غم عليكم فاقدروا له وفي رواية فان غم عليكم فصوموا ثلاثين يوما وفي رواية فان غمى عليكم فأكملوا العدد وفي رواية فان عمى عليكم الشهر فعدوا ثلاثين وفي رواية فان أغمى عليكم فعدوا ثلاثين هذه الروايات كلها في الكتاب على هذا الترتيب وفي رواية للبخارى فان غبى عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين واختلف العلماء في معنى فاقدروا له فقالت طائفة من العلماء معناه ضيقوا له وقدروه تحت السحاب وممن قال بهذا أحمد بن حنبل وغيره ممن يجوز صوم يوم ليلة الغيم من رمضان كما سنذكره ان شاء الله تعالى وقال بن سريج وجماعة منهم مطرف بن عبد الله وبن قتيبة وآخرون معناه قدروه بحساب المنازل وذهب مالك والشافعي وأبو حنيفة وجمهور السلف والخلف إلى أن معناه قدروا له تمام العدد ثلاثين يوما قال أهل اللغة يقال قدرت الشيء أقدره وأقدره وقدرته وأقدرته بمعنى واحد وهو من التقدير قال الخطابي ومنه قول الله تعالى فقدرنا فنعم القادرون واحتج الجمهور بالروايات المذكورة فأكملوا العدة ثلاثين وهو تفسير لاقدروا له لهذا لم يجتمعا في رواية بل تارة يذكر هذا وتارة يذكر هذا ويؤكده الرواية السابقة فاقدروا له ثلاثين قال المازري حمل جمهور الفقهاء قوله صلى الله عليه و سلم فاقدروا له على أن المراد اكمال العدة ثلاثين كما فسره في حديث آخر قالوا ولا يجوز أن يكون المراد حساب المنجمين لأن الناس لو كلفوا به ضاق عليهم لأنه لا يعرفه الا أفراد والشرع انما يعرف الناس بما يعرفه جماهيرهم والله أعلم وأما قوله صلى الله عليه و سلم ( فان غم عليكم ) فمعناه حال بينكم وبينه غيم يقال غم وأغمى وغمى وغمى بتشديد الميم وتخفيفها والغين مضمومة فيهما ويقال غبى بفتح الغين وكسر الباء وكلها صحيحة وقد غامت السماء وغيمت وأغامت وتغيمت وأغمت وفي هذه الأحاديث دلالة لمذهب مالك والشافعي والجمهور أنه لا يجوز صوم يوم الشك ولا يوم الثلاثين
(7/189)

من شعبان عن رمضان اذا كانت ليلة الثلاثين ليلة غيم قوله صلى الله عليه و سلم ( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ) المراد رؤية بعض المسلمين ولا يشترط رؤية كل انسان بل يكفي جميع الناس رؤية عدلين وكذا عدل على الأصح هذا في الصوم وأما الفطر فلا يجوز بشهادة عدل واحد على هلال شوال عند جميع العلماء الا أبا ثور فجوزه بعدل قوله صلى الله عليه و سلم ( الشهر هكذا وهكذا ) وفي رواية الشهر تسع وعشرون معناه أن الشهر قد يكون تسعا وعشرين وحاصله أن الاعتبار بالهلال فقد يكون تاما ثلاثين وقد يكون ناقصا تسعا وعشرين وقد لا يرى الهلال فيجب اكمال العدد ثلاثين قالوا وقد يقع النقص متواليا
(7/190)

في شهرين وثلاثة وأربعة ولا يقع في أكثر من أربعة وفي هذا الحديث جواز اعتماد الاشارة المفهمة في مثل هذا قوله ( حدثنا زياد بن عبد الله البكائي ) هو بفتح الباء وتشديد الكاف
(7/191)

قوله صلى الله عليه و سلم ( انا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا وهكذا ) قال العلماء أمية باقون على ما ولدتنا عليه الامهات لا نكتب ولا نحسب ومنه النبي الأمي وقيل هو نسبة
(7/192)

إلى الأم وصفتها لأن هذه صفة النساء غالبا قوله ( سمع بن عمر رجلا يقول الليلة النصف فقال له وما يدريك أن الليلة النصف ) وذكر الحديث معناه أنك لا تدري أن الليلة النصف أم لا لأن الشهر قد يكون تسعا وعشرين وأنت أردت أن الليلة ليلة اليوم الذي بتمامه يتم النصف وهذا انما يصح على تقدير تمامه ولا تدرى أنه تام أم لا قوله صلى الله عليه و سلم ( فان غمى عليكم الشهر ) هو بضم الغين وكسر الميم مشددة ومخففة [ 1082 ] قوله صلى الله عليه و سلم
(7/193)

( لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين الا رجل كان يصوم صوما فليصمه ) فيه التصريح بالنهى عن استقبال رمضان بصوم يوم ويومين لمن لم يصادف عادة له أو يصله بما قبله فان لم يصله ولا صادف عادة فهو حرام هذا هو الصحيح في مذهبنا لهذا الحديث وللحديث الآخر في سنن أبي داود وغيره اذا انتصف شعبان فلا صيام حتى يكون رمضان فان وصله بما قبله أو صادف عادة له فان كانت عادته صوم يوم الأثنين ونحوه فصادفه فصامه تطوعا بنية ذلك جاز لهذا الحديث وسواء في النهى عندنا لمن لم يصادف عادته ولا وصله يوم الشك وغيره فيوم الشك داخل في النهي وفيه مذاهب للسلف فيمن صامه تطوعا وأوجب صومه عن رمضان أحمد وجماعة بشرط
(7/194)

أن يكون هناك غيم والله أعلم [ 1083 ] قوله في حلفه صلى الله عليه و سلم ( لا يدخل على أزواجه شهرا ثم دخل لما مضت تسع وعشرون ليلة ثم قال الشهر تسع وعشرون ) وفي رواية فخرج الينا في تسعة وعشرين فقلنا له انما اليوم تسعة وعشرون وفي رواية فخرج الينا صباح تسع وعشرين فقال
(7/195)

ان الشهر يكون تسعا وعشرين وفي رواية فلما مضى تسع وعشرون يوما غدا عليهم أو راح قال القاضي رحمه الله تعالى معناه كله بعد تمام تسعة وعشرين يوما يدل عليه رواية فلما مضى تسع وعشرون يوما وقوله صباح تسع وعشرين أي صباح الليلة التي بعد تسعة وعشرين يوما وهي صبيحة ثلاثين ومعنى الشهر تسعة وعشرون أنه قد يكون تسعة وعشرين كما صرح به في بعض هذا الروايات والله أعلم
(7/196)