( باب النهى عن الوصال في الصوم )
 
اتفق أصحابنا على النهى عن الوصال وهو صوم يومين فصاعدا من غير أكل أو شرب بينهما ونص الشافعي وأصحابنا على كراهته ولهم في هذه الكراهة وجهان أصحهما أنها كراهة تحريم والثاني كراهة تنزيه وبالنهي عنه قال جمهور العلماء وقال القاضي عياض اختلف العلماء في
(7/211)

أحاديث الوصال فقيل النهى عنه رحمة وتخفيف فمن قدر فلا حرج وقد واصل جماعة من السلف الأيام قال وأجازه بن وهب وأحمد واسحاق إلى السحر ثم حكى عن الأكثرين كراهته وقال الخطابي وغيره من أصحابنا الوصال من الخصائص التي أبيحت لرسول الله صلى الله عليه و سلم وحرمت على الأمة واحتج لمن اباحه بقوله في بعض طرق مسلم نهاهم عن الوصال رحمة لهم وفي بعضها لما أبوا أن ينتهوا واصل بهم يوما ثم يوما ثم رأوا الهلال فقال لو تأخر الهلال لزدتكم وفي بعضها لو مد لنا الشهر لواصلنا وصالا يدع المتعمقون تعمقهم واحتج الجمهور بعموم النهى وقوله صلى الله عليه و سلم لا تواصلوا وأجابوا على قوله رحمة بأنه لا يمنع ذلك كونه منهيا عنه للتحريم وسبب تحريمه الشفقة عليهم لئلا يتكلفوا ما يشق عليهم وأما الوصال بهم يوما ثم يوما فاحتمل للمصلحة في تأكيد زجرهم وبيان الحكمة في نهيهم والمفسدة المترتبة على الوصال وهي الملل من العبادة والتعرض للتقصير في بعض وظائف الدين من اتمام الصلاة بخشوعها وأذكارها وآدابها وملازمة الأذكار وسائر الوظائف المشروعة في نهاره وليله والله أعلم [ 1103 ] قوله صلى الله عليه و سلم ( أني أبيت يطعمني ربي ويسقيني ) معناه يجعل الله تعالى في قوة الطاعم الشارب وقيل هو على ظاهره وأنه يطعم من طعام الجنة كرامة له والصحيح الأول لأنه
(7/212)

لو أكل حقيقة لم يكن مواصلا ومما يوضح هذا التأويل ويقطع كل نزاع قوله صلى الله عليه و سلم في الرواية التي بعد هذا أني أظل يطعمني ربي ويسقيني ولفظة ظل لا يكون الا في النهار كما سنوضحه قريبا ان شاء الله تعالى ولا يجوز الاكل الحقيقي في النهار بلا شك والله أعلم قوله صلى الله عليه و سلم ( فاكلفوا من الأعمال ما تطيقون ) هو بفتح اللام ومعناه خذوا وتحملوا [ 1104 ] قوله ( فلما حس النبي صلى الله عليه و سلم أنا خلفه جعل يتجوز في الصلاة ثم دخل رحله ) هكذا هو في جميع النسخ حس بغير ألف ويقع في طرق بعض النسخ أحس بالألف وهذا هو الفصيح الذي جاء به القرآن وأما حس بحذف الألف فلغة قليلة وهذه الرواية تصح على هذه اللغة وقوله يتجوز أي يخفف ويقتصر على الجائز المجزى مع بعض المندوبات والتجوز هنا للمصلحة وقوله دخل رحله اي منزله قال الأزهرى رحل الرجل عند العرب هو منزله سواء كان من حجر أو مدر أو وبر أو شعر وغيرها
(7/213)

قوله صلى الله عليه و سلم ( أما والله لو تماد لي الشهر ) هكذا هو في معظم الأصول وفي بعضها تمادى وكلاهما صحيح وهو بمعنى مد في الرواية الأخرى قوله صلى الله عليه و سلم ( يدع المتعمقون تعمقهم ) هم المشددون في الأمور المجاوزون الحدود في قول أو فعل قوله في حديث عاصم بن النضر ( واصل رسول الله صلى الله عليه و سلم في أول شهر رمضان ) كذا هو في كل النسخ ببلادنا وكذا نقله القاضي عن أكثر النسخ قال وهو وهم من الراوي وصوابه آخر شهر رمضان وكذا رواه بعض رواة صحيح مسلم وهو الموافق للحديث الذي قبله ولباقي الأحاديث [ 1105 ] قوله صلى الله عليه و سلم ( أني أظل يطعمنى ربي ويسقيني ) قال أهل اللغة يقال ظل يفعل كذا اذا عمله في النهار دون الليل وبات يفعل كذا اذا عمله في الليل ومنه قول عنترة ... ولقد أبيت على الطوى وأظله ...
( أي أظل عليه فيستفاد من هذه الرواية دلالة للمذهب الصحيح الذي قدمناه في تأويل أبيت يطعمنى ربي لأن ظل لا يكون الا في النهار )
(7/214)

ولا يجوز أن يكون أكلا حقيقيا في النهار والله أعلم