( باب تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان على الصائم )
 
( ووجوب الكفارة الكبرى فيه وبيانها وأنها تجب على الموسر والمعسر ) ( وتثبت في ذمة المعسر حتى يستطيع ) في الباب حديث أبي هريرة في المجامع امرأته في نهار رمضان ومذهبنا ومذهب العلماء كافة وجوب الكفارة عليه اذا جامع عامدا جماعا أفسد به صوم يوم من رمضان والكفارة عتق رقبة مؤمنة سليمة من العيوب التي تضر بالعمل اضرارا بينا فان عجز عنها فصوم شهرين متتابعين فان عجز فاطعام ستين مسكينا كل مسكين مد من طعام وهو رطل وثلث بالبغدادي فان عجز عن الخصال الثلاث فللشافعي قولان أحدهما لا شيء عليه وان استطاع بعد ذلك فلا شيء عليه واحتج لهذا القول بأن حديث هذا المجامع ظاهر بأنه لم يستقر في ذمته شيء لأنه أخبر بعجزه ولم يقل له رسول الله صلى الله عليه و سلم
(7/224)

أن الكفارة ثابتة في ذمته بل أذن له في اطعام عياله والقول الثاني وهو الصحيح عند أصحابنا وهو المختار أن الكفارة لا تسقط بل تستقر في ذمته حتى يمكن قياسا على سائر الديون والحقوق والمؤاخذات كجزاء الصيد وغيره وأما الحديث فليس فيه نفي استقرار الكفارة بل فيه دليل لاستقرارها لأنه أخبر النبي صلى الله عليه و سلم في الكفارة بأنه عاجز عن الخصال الثلاث ثم أتى النبي صلى الله عليه و سلم بعرق التمر فأمره باخراجه فلو كانت تسقط بالعجز لم يكن عليه شيء ولم يأمره باخراجه فدل على ثبوتها في ذمته وانما أذن له في اطعام عياله لأنه كان محتاجا ومضطرا إلى الانفاق على عياله في الحال والكفارة على التراخى فأذن له في أكله واطعام عياله وبقيت الكفارة في ذمته وانما لم يبين له بقاءها في ذمته لأن تأخير البيان إلى وقت الحاجة جائز عند جماهير الأصوليين وهذا هو الصواب في معنى الحديث وحكم المسألة وفيها أقوال وتأويلات أخر ضعيفة وأما المجامع ناسيا فلا يفطر ولا كفارة عليه هذا هو الصحيح من مذهبنا وبه قال جمهور العلماء ولأصحاب مالك خلاف في وجوبها عليه وقال أحمد يفطر وتجب به الكفارة وقال عطاء وربيعة والأوزاعى والليث والثورى يجب القضاء ولا كفارة دليلنا أن الحديث صح أن أكل الناسي لا يفطر والجماع في معناه وأما الأحاديث الواردة في الكفارة في الجماع فإنما هي في جماع العامد ولهذا قال في بعضها هلكت وفي بعضها احترقت احترقت وهذا لايكون الا في عامد فان الناسى لا اثم عليه بالاجماع [ 1111 ] قوله صلى الله عليه و سلم ( هل تجد ما تعتق رقبة ) رقبة منصوب بدل من ما قوله ( فأتى النبي صلى الله عليه و سلم بعرق ) هو بفتح العين والراء هذا هو الصواب المشهور في الرواية واللغة وكذا حكاه القاضي عن رواية الجمهور ثم قال ورواه كثير من شيوخنا وغيرهم باسكان الراء قال والصواب الفتح ويقال للعرق الزبيل بفتح الزاي من غير نون والزنبيل بكسر الزاي وزيادة نون ويقال له القفة والمكتل بكسر الميم وفتح التاء المثناة فوق والسفيفة بفتح
(7/225)

السين المهملة وبالفائين قال القاضي قال بن دريد سمى زبيلا لأنه يحمل فيه الزبل والعرق عند الفقهاء ما يسع خمسة عشر صاعا وهي ستون مدا لستين مسكينا لكل مسكين مد قوله ( قال أفقر منا ) كذا ضبطناه أفقر بالنصب وكذا نقل القاضي أن الرواية فيه بالنصب على إضمار فعل تقديره أتجد أفقر منا أو أتعطى قال ويصح رفعه على تقدير هل أحد أفقر منا كما قال في الحديث الآخر بعده أغيرنا كذا ضبطناه بالرفع ويصح النصب على ما سبق هذا كلام القاضي وقد ضبطنا الثاني بالنصب أيضا فهما جائزان كما سبق توجيههما قوله ( فما بين لابتيها ) هما الحرتان والمدينة بين حرتين والحرة الأرض الملبسة حجارة سودا ويقال لابة ولوبه ونوبة بالنون حكاهن أبو عبيد والجوهري ومن لا يحصى من أهل اللغة قالوا ومنه قيل للأسود لوبى ونوبى باللام والنون قالوا وجمع اللابة لوب ولاب ولابات وهي غير مهموزة قوله ( وهو الزنبيل ) هكذا ضبطناه بكسر الزاي وبعدها نون وقد سبق بيانه قريبا قوله ( إن رجلا وقع بامرأته ) كذا هو في معظم النسخ وفي
(7/226)

بعضها واقع امرأته وكلاهما صحيح قوله ( أمر رجلا أفطر في رمضان أن يعتق رقبة أو يصوم شهرين أو يطعم ستين مسكينا ) لفظة او هنا للتقسيم لا للتخيير تقديره يعتق أو يصوم ان عجز عن العتق أو يطعم ان عجز عنهما وتبينه الروايات الباقية وفي هذه الروايات دلالة لأبي حنيفة ومن يقول يجزئ عتق كافر عن كفارة الجماع والظهار وانما يشترطون الرقبة المؤمنة في كفارة القتل لأنها منصوص على وصفها بالايمان في القرآن وقال الشافعي والجمهور يشترط الايمان في جميع الكفارات تنزيلا للمطلق على المقيد والمسألة مبنية على ذلك فالشافعي يحمل المطلق على المقيد وابو حنيفة يخالفه [ 1112 ] قوله ( احترقت ) فيه استعمال المجاز وأنه لا انكار على مستعمله قوله صلى الله عليه و سلم ( تصدق تصدق ) هذا التصدق مطلق وجاء مقيدا في الروايات السابقة بإطعام ستين مسكينا وذلك ستون مدا وهي خمسة عشر صاعا
(7/227)

قوله ( فجاءه عرقان فيهما طعام فأمره أن يتصدق به ) هذا أيضا مطلق محمول على المقيد كما سبق قوله صلى الله عليه و سلم ( هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ) فيه حجة لمذهبنا ومذهب الجمهور وأجمع عليه في الاعصار المتأخرة وهو اشتراط التتابع في صيام هذين الشهرين حكى عن بن أبي ليلى أنه لا يشترطه قوله صلى الله عليه و سلم ( تطعم ستين مسكينا ) فيه حجة لنا وللجمهور وأجمع عليه
(7/228)

العلماء في الاعصار المتأخرة وهو اشتراط طعام ستين مسكينا وحكى عن الحسن البصرى أنه اطعام أربعين مسكينا عشرين صاعا ثم جمهور المشترطين ستين قالوا لكل مسكين مد وهو ربع صاع وقال أبو حنيفة والثورى لكل مسكين نصف صاع