( باب قضاء الصوم عن الميت )
 
[ 1147 ] قوله صلى الله عليه و سلم ( من مات وعليه صيام صام عنه وليه ) [ 1148 ] وفي رواية بن عباس ( أن أمرأة
(8/23)

أتت رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت ان أمي ماتت وعليها صوم شهر فقال أرأيت لو كان عليها دين أكنت تقضينه قالت نعم قال فدين الله أحق بالقضاء ) وفي رواية عن بن عباس جاء رجل وذكر نحوه وفي رواية أنها قالت ( ان أمي ماتت وعليها صوم نذر أفأصوم عنها قال أرأيت لو كان على أمك دين فقضيتيه أكان يؤدي ذلك عنها قالت نعم قال
(8/24)

فصومى عن أمك ) [ 1149 ] وفي حديث بريدة ( قال بينا أنا جالس عند رسول الله صلى الله عليه و سلم إذ أتته أمرأة فقالت أني تصدقت على أمي بجارية وانها ماتت فقال وجب أجرك وردها عليك الميراث قالت يا رسول الله إنه كان عليها صوم شهر أفأصوم عنها قال صومي عنها قالت إنها لم تحج قط أفأحج عنها قال حجي عنها ) وفي رواية صوم شهرين اختلف العلماء فيمن مات وعليه صوم واجب من رمضان أو قضاء أو نذر أو غيره هل يقضى عنه وللشافعي في المسألة قولان مشهوران أشهرهما لا يصام عنه ولا يصح عن ميت صوم أصلا والثاني يستحب لوليه أن يصوم عنه ويصح صومه عنه ويبرأ به الميت ولا يحتاج إلى اطعام عنه وهذا القول هو الصحيح المختار الذي نعتقده وهو الذي صححه محققو أصحابنا الجامعون بين الفقه والحديث لهذه الأحاديث الصحيحة الصريحة وأما الحديث الوارد من مات وعليه صيام أطعم عنه فليس بثابت ولو ثبت أمكن الجمع بينه وبين هذه الأحاديث بأن يحمل على
(8/25)

جواز الأمرين فان من يقول بالصيام يجوز عنده الاطعام فثبت أن الصواب المتعين تجويز الصيام وتجويز الاطعام والولى مخير بينهما والمراد بالولى القريب سواء كان عصبة أو وارثا أو غيرهما وقيل المراد الوارث وقيل العصبة والصحيح الأول ولو صام عنه أجنبي أن كان باذن الولى صح والا فلا في الأصح ولا يجب على الولى الصوم عنه لكن يستحب هذا تلخيص مذهبنا في المسألة وممن قال به من السلف طاوس والحسن البصرى والزهرى وقتادة وأبو ثور وبه قال الليث وأحمد واسحاق وأبو عبيد في صوم النذر دون رمضان وغيره وذهب الجمهور إلى أنه لا يصام عن ميت لا نذر ولا غيره حكاه بن المنذر عن بن عمر وبن عباس وعائشة ورواية عن الحسن والزهرى وبه قال مالك وأبو حنيفة قال القاضي عياض وغيره هو قول جمهور العلماء وتأولوا الحديث على أنه يطعم عنه وليه وهذا تأويل ضعيف بل باطل وأي ضرورة إليه وأي مانع يمنع من العمل بظاهره مع تظاهر الأحاديث مع عدم المعارض لها قال القاضي وأصحابنا وأجمعوا على أنه لا يصلى عنه صلاة فائتة وعلى أنه لا يصام عن أحد في حياته وانما الخلاف في الميت والله أعلم وأما قول بن عباس أن السائل رجل وفي رواية أمرأة وفي رواية صوم شهر وفي رواية صوم شهرين فلا تعارض بينهما فسأل تارة رجل وتارة امرأة وتارة عن شهر وتارة عن شهرين وفي هذه الأحاديث جواز صوم الولى عن الميت كما ذكرنا وجواز سماع كلام المرأة الأجنبية في الاستفتاء ونحوه من مواضع الحاجة وصحة القياس لقوله صلى الله عليه و سلم فدين الله أحق بالقضاء وفيها قضاء
(8/26)

الدين عن الميت وقد أجمعت الأمة عليه ولا فرق بين أن يقضيه عنه وارث أو غيره فيبرأ به بلا خلاف وفيه دليل لمن يقول اذا مات وعليه دين لله تعالى ودين لآدمى وضاق ماله قدم دين الله تعالى لقوله صلى الله عليه و سلم فدين الله أحق بالقضاء وفي هذه المسألة ثلاثة أقوال للشافعي أصحها تقديم دين الله تعالى لما ذكرناه والثاني تقديم دين الآدمى لأنه مبنى على الشح والمضايقة والثالث هما سواء فيقسم بينهما وفيه أنه يستحب للمفتى أن ينبه على وجه الدليل اذا كان مختصرا واضحا وبالسائل إليه حاجة أو يترتب عليه مصلحة لأنه صلى الله عليه و سلم قاس على دين الآدمى تنبيها على وجه الدليل وفيه أن من تصدق بشيء ثم ورثه لم يكره له أخذه والتصرف فيه بخلاف ما اذا أراد شراءه فانه يكره لحديث فرس عمر رضي الله عنه فيه دلالة ظاهرة لمذهب الشافعي والجمهور أن النيابة في الحج جائزة عن الميت والعاجز المأيوس من برئه واعتذر القاضي عياض عن مخالفة مذهبهم لهذه الأحاديث في الصوم عن الميت والحج عنه بأنه مضطرب وهذا عذر باطل وليس في الحديث اضطراب وانما فيه اختلاف جمعنا بينه كما سبق ويكفى في صحته احتجاج مسلم به في صحيحه والله أعلم قوله ( من مسلم البطين ) هو بفتح الباء وكسر الطاء