( باب فضل الصيام )
 
قوله صلى الله عليه و سلم ( قال الله تعالى كل عمل بن آدم له الا الصيام هو لي وأنا أجزي به ) اختلف العلماء في معناه مع كون جميع الطاعات لله تعالى فقيل سبب اضافته إلى الله تعالى أنه لم يعبد أحد غير الله تعالى به فلم يعظم الكفار في عصر من الأعصار معبودا لهم بالصيام وان كانوا يعظمونه بصورة الصلاة والسجود والصدقة والذكر وغير ذلك وقيل لأن الصوم بعيد من الرياء لخفائه بخلاف الصلاة والحج والغزو والصدقة وغيرها من العبادات الظاهرة وقيل لأنه ليس للصائم ونفسه فيه حظ قاله الخطابي قال وقيل ان الاستغناء عن الطعام من صفات الله تعالى فتقرب الصائم بما يتعلق بهذه الصفة وان كانت صفات الله تعالى لا يشبهها شيء وقيل معناه أنا المنفرد بعلم مقدار ثوابه أو تضعيف حسناته وغيره من العبادات أظهر سبحانه بعض مخلوقاته على مقدار ثوابها وقيل هي اضافة تشريف كقوله تعالى ناقة الله مع أن العالم كله لله تعالى وفي هذا الحديث بيان عظم فضل الصوم والحث إليه وقوله تعالى وأنا أجزي به بيان لعظم فضله وكثرة ثوابه لأن الكريم اذا أخبر بأنه يتولى بنفسه الجزاء اقتضى عظم قدر الجزاء وسعة العطاء قوله صلى الله عليه و سلم ( لخلفة فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك يوم القيامة ) وفي رواية لخلوف هو بضم الخاء فيهما وهو تغير رائحة الفم هذا هو الصواب فيه بضم الخاء كما ذكرناه وهو الذي ذكره الخطابى وغيره من
(8/29)

أهل الغريب وهو المعروف في كتب اللغة وقال القاضي الرواية الصحيحة بضم الخاء قال وكثير من الشيوخ يرويه بفتحها قال الخطابي وهو خطأ قال القاضي وحكى عن الفارسي فيه الفتح والضم وقال أهل المشرق يقولونه بالوجهين والصواب الضم ويقال خلف فوه بفتح الخاء واللام يخلف بضم اللام وأخلف يخلف اذا تغير وأما معنى الحديث فقال القاضي قال المازرى هذا مجاز واستعارة لأن استطابة بعض الروائح من صفات الحيوان الذي له طبائع تميل إلى شئ فتستطيبه وتنفر من شيء فتستقذره والله تعالى متقدس عن ذلك لكن جرت عادتنا بتقريب الروائح الطيبة منا فاستعير ذلك في الصوم لتقريبه من الله تعالى قال القاضي وقيل يجازيه الله تعالى به في الآخرة فتكون نكهته أطيب من ريح المسك كما أن دم الشهيد يكون ريحه ريح المسك وقيل يحصل لصاحبه من الثواب أكثر ممن يحصل لصاحب المسك وقيل رائحته عند ملائكة الله تعالى أطيب من رائحة المسك عندنا وان كانت رائحة الخلوف عندنا خلافه والأصح ما قاله الداورى من المغاربة وقاله من قال من أصحابنا أن الخلوف أكثر ثوابا من المسك حيث ندب إليه في الجمع والأعياد ومجالس الحديث والذكر وسائر مجامع الخير واحتج أصحابنا بهذا الحديث على كراهة السواك للصائم بعد الزوال لأنه يزيل الخلوف الذي هذه صفته وفضيلته وان كان السواك فيه فضل ايضا لأن فضيلة الخلوف أعظم وقالوا كما أن دم الشهداء مشهود له بالطيب ويترك له غسل الشهيد مع أن غسل الميت واجب فاذا ترك الواجب للمحافظة على بقاء الدم المشهود له بالطيب فترك السواك الذي ليس هو واجبا للمحافظة على بقاء الخلوف المشهود له بذلك أولى والله أعلم قوله صلى الله عليه و سلم ( الصيام جنة ) هو بضم الجيم ومعناه سترة ومانع
(8/30)

من الرفث والآثام ومانع أيضا من النار ومنه المجن وهو الترس ومنه الجن لاستتارهم قوله صلى الله عليه و سلم ( فلا يرفث يومئذ ولا يسخب ) هكذا هو هنا بالسين ويقال بالسين والصاد وهو الصياح وهو بمعنى الرواية الأخرى ولا يجهل ولا يرفث قال القاضي ورواه الطبرى ولا يسخر بالراء قال ومعناه صحيح لأن السخرية تكون بالقول والفعل وكله من الجهل قلت وهذه الرواية تصحيف وان كان لها معنى قوله صلى الله عليه و سلم ( وللصائم فرحتان يفرحهما اذا أفطر فرح بفطره واذا لقى ربه فرح بصومه ) قال العلماء أما فرحته عند لقاء ربه فبما يراه من جزائه وتذكر نعمة الله تعالى عليه بتوفيقه لذلك وأما عند فطره فسببها تمام عبادته
(8/31)

وسلامتها من المفسدات وما يرجوه من ثوابها [ 1152 ] قوله ( حدثنا خالد بن مخلد القطوانى ) هو بفتح القاف والطاء قال البخارى والكلاباذى معناه البقال كأنهم نسبوه إلى بيع القطنية قال القاضي وقال الباجي هي قرية على باب الكوفة قال وقاله أبو ذر ايضا وفي تاريخ البخارى أن قطوان موضع قوله صلى الله عليه و سلم ( ان في الجنة بابا يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل معهم أحد غيرهم يقال أين الصائمون فيدخلون منه فاذا دخل آخرهم أغلق فلم يدخل منه أحد ) هكذا وقع في بعض الأصول فاذا دخل آخرهم وفي بعضها فاذا دخل أولهم قال القاضي وغيره وهو وهم والصواب آخرهم وفي هذا الحديث فضيلة الصيام وكرامة الصائمين
(8/32)