( باب أمر أهل المدينة بالاحرام من عند مسجد ذي الحليفة )
 
[ 1186 ] قوله عن بن عمر ( قال بيداؤكم هذه التي تكذبون على رسول الله صلى الله عليه و سلم فيها ما أهل رسول الله صلى الله عليه و سلم الا من عند المسجد يعنى ذا الحليفة ) وفي الرواية الأخرى
(8/91)

( ما أهل رسول الله صلى الله عليه و سلم الا من عند الشجرة حين قام به بعيره ) قال العلماء هذه البيداء هي الشرف الذي قدام ذي الحليفة إلى جهة مكة وهي بقرب ذي الحليفة وسميت بيداء لأنه ليس فيها بناء ولا أثر وكل مفازة تسمى بيداء وأما هنا فالمراد بالبيداء ما ذكرناه وقوله تكذبون فيها أي تقولون انه صلى الله عليه و سلم أحرم منها ولم يحرم منها وانما أحرم قبلها من عند مسجد ذي الحليفة ومن عند الشجرة التي كانت هناك وكانت عند المسجد وسماهم بن عمر كاذبين لأنهم أخبروا بالشيء على خلاف ما هو وقد سبق في أول هذا الشرح في مقدمة صحيح مسلم أن الكذب عند أهل السنة هو الاخبار عن الشيء بخلاف ما هو سواء تعمده أم غلط فيه أو سها وقالت المعتزلة يشترط فيه العمدية وعندنا أن العمدية شرط لكونه اثما لا لكونه يسمى كذبا فقول بن عمر جار على قاعدتنا وفيه أنه لا بأس باطلاق هذه اللفظة وفيه دلالة على أن ميقات أهل المدينة من عند مسجد ذي الحليفة ولا يجوز لهم تأخير الاحرام إلى البيداء وبهذا قال جميع العلماء وفيه أن الاحرام من الميقات أفضل من دويرة أهله لأنه صلى الله عليه و سلم ترك الاحرام من مسجده مع كمال شرفه فان قيل انما أحرم من الميقات لبيان الجواز قلنا هذا غلط لوجهين أحدهما أن البيان قد حصل بالأحاديث الصحيحة في بيان المواقيت والثاني أن فعل رسول الله صلى الله عليه و سلم انما يحمل على بيان الجواز في شيء يتكرر فعله كثيرا فيفعله مرة أو مرات على الوجه الجائز لبيان الجواز ويواظب غالبا على فعله على أكمل وجوهه وذلك كالوضوء مرة ومرتين وثلاثا كله ثابت والكثير أنه صلى الله عليه و سلم توضأ ثلاثا ثلاثا وأما الاحرام بالحج فلم يتكرر وانما جرى منه صلى الله عليه و سلم مرة واحدة فلا يفعله الا على أكمل وجوهه والله أعلم قوله ( كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يركع بذي الحليفة ركعتين ثم اذا استوت به الناقة قائمة عند مسجد ذي الحليفة أهل ) فيه استحباب صلاة الركعتين عند ارادة الاحرام ويصليهما قبل الاحرام ويكونان نافلة هذا مذهبنا ومذهب العلماء كافة الا ما حكاه القاضي
(8/92)

وغيره عن الحسن البصري أنه استحب كونهما بعد صلاة فرض قال لأنه روي أن هاتين الركعتين كانتا صلاة الصبح والصواب ما قاله الجمهور وهو ظاهر الحديث قال أصحابنا وغيرهم من العلماء وهذه الصلاة سنة لو تركها فاتته الفضيلة ولا اثم عليه ولا دم قال أصحابنا فان كان احرامه في وقت من الأوقات المنهي فيها عن الصلاة لم يصلهما هذا هو المشهور وفيه وجه لبعض أصحابنا أنه يصليهما فيه لأن سببهما ارادة الاحرام وقد وجد ذلك وأما وقت الاحرام فسنذكره في الباب بعده ان شاء الله تعالى