( باب ما يفعل بالمحرم اذا مات )
 
[ 1206 ] فيه حديث بن عباس رضي الله عنه ( أن رجلا خر من بعيره وهو واقف مع النبي صلى الله عليه و سلم بعرفة فوقص فمات فقال اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تخمروا رأسه فان الله
(8/126)

يبعثه يوم القيامة ملبيا ) وفي رواية وقع من راحلته فأوقصته أو قال فأقعصته وفي رواية فوقصته وفي رواية وكفنوه في ثوبين ولا تحنطوه ولا تخمروا رأسه فانه يبعث يوم القيامة يلبي وفي رواية ولا تخمروا وجهه ولا رأسه وفي رواية فانه يبعث يوم القيامة ملبدا في هذه الروايات دلالة بينه لمذهب الشافعي وأحمد واسحاق وموافقيهم في أن المحرم اذا مات لا يجوز أن يلبس المخيط ولا تخمر رأسه ولا يمس طيبا وقال مالك والأوزاعي وأبو حنيفة وغيرهم يفعل به ما يفعل بالحي وهذا الحديث راد لقولهم وقوله صلى الله عليه و سلم ( واغسلوه بماء وسدر ) دليل على استحباب السدر في غسل الميت وأن المحرم في ذلك كغيره وهذا مذهبنا وبه قال
(8/127)

طاوس وعطاء ومجاهد وبن المنذر وآخرون ومنعه مالك وأبو حنيفة وآخرون وقوله صلى الله عليه و سلم ( ولا تخمروا وجهه ولا رأسه ) أما تخمير الرأس في حق المحرم الحي فمجمع على تحريمه وأما وجهه فقال مالك وأبو حنيفة هو كرأسه وقال الشافعي والجمهور لا احرام في وجهه بل له تغطيته وانما يجب كشف الوجه في حق المرأة هذا حكم المحرم الحي وأما الميت فمذهب الشافعي وموافقيه أنه يحرم تغطية رأسه كما سبق ولا يحرم تغطية وجهه بل يبقى كما كان في الحياة ويتأول هذا الحديث على أن النهي عن تغطية وجهه ليس لكونه وجها إنما هو صيانة للرأس فانهم لو غطوا وجهه لم يؤمن أن يغطوا رأسه ولا بد من تأويله لأن مالكا
(8/128)

وأبا حنيفة وموافقيهما يقولون لا يمنع من ستر رأس الميت ووجهه والشافعي وموافقوه يقولون يباح ستر الوجه فتعين تأويل الحديث وقوله صلى الله عليه و سلم ( وكفنوه في ثوبيه ) وفي رواية ثوبين قال القاضي أكثر الروايات ثوبيه وفيه فوائد منها الدلالة لمذهب الشافعي وموافقيه في أن حكم الاحرام باق فيه ومنها أن التكفين في الثياب الملبوسة جائز وهو مجمع عليه ومنها جواز التكفين في ثوبين والأفضل ثلاثة ومنها أن الكفن مقدم على الدين وغيره لأن النبي صلى الله عليه و سلم لم يسال هل عليه دين مستغرق أم لا ومنها أن التكفين واجب وهو اجماع في حق المسلم وكذلك غسله والصلاة عليه ودفنه وقوله خر من بعيره أي سقط وقوله وقص أي انكسر عنقه وقصته وأوقصته بمعناه قوله ( فأقعصته ) أي قتلته في الحال ومنه قعاص الغنم وهو موتها بداء يأخذها تموت فجأة قوله صلى الله عليه و سلم ( فانه يبعث يوم القيامة ملبيا وملبدا ويلبي ) معناه على هيأته التي مات عليها ومعه علامة لحجه وهي دلالة الفضيلة كما يجيء
(8/129)

الشهيد يوم القيامة وأوداجه تشخب دما وفيه دليل على استحباب دوام التلبية في الاحرام وعلى استحباب التلبيد وسبق بيان هذا قوله صلى الله عليه و سلم ( ولا تحنطوه ) هو بالحاء المهملة أي لا تمسوه حنوطا والحنوط بفتح الحاء ويقال له الحناط بكسر الحاء وهو اخلاط من طيب تجمع للميت خاصة لا تستعمل في غيره قوله في رواية على بن خشرم ( أقبل رجل حراما ) هكذا هو في معظم النسخ وفي بعضها حرام وهذا هو الوجه وللأول وجه ويكون حالا وقد جاءت الحال من النكرة على قلة قوله ( حدثنا محمد بن الصباح حدثنا هشيم حدثنا أبو بشر حدثنا سعيد بن جبير ) أبو بشر هذا هو الغبري واسمه الوليد بن مسلم بن شهاب البصري وهو تابعي روى عن جندب بن عبد الله الصحابي رضي الله عنه وانفرد مسلم بالرواية عن أبي بشر هذا واتفقوا على توثيقه قوله ( حدثنا عبد بن حميد قال حدثنا عبيد الله بن موسى حدثنا اسرائيل عن منصور عن سعيد بن جبير عن بن عباس ) قال القاضي هذا الحديث ما استدركه الدارقطني على مسلم
(8/130)

وقال انما سمعه منصور من الحكم وكذا أخرجه البخاري عن منصور عن الحكم عن سعيد وهو الصواب وقيل عن منصور عن سلمه ولايصح والله أعلم