قولها ( فدخل على وهو غضبان فقلت من أغضبك يا رسول الله أدخله الله النار قال أو ما شعرت أنى أمرت الناس بأمر فاذا هم يترددون )
 
وقولها
(8/154)

( فدخل على وهو غضبان فقلت من أغضبك يا رسول الله أدخله الله النار قال أو ما شعرت أنى أمرت الناس بأمر فاذا هم يترددون ) أما غضبه صلى الله عليه و سلم فلانتهاك حرمة الشرع وترددهم في قبول حكمه وقد قال الله تعالى فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما فغضب صلى الله عليه و سلم لما ذكرناه من انتهاك حرمة الشرع والحزن عليهم في نقص ايمانهم بتوقفهم وفيه دلالة لاستحباب الغضب عند انتهاك حرمة الدين وفيه جواز الدعاء على المخالف لحكم الشرع والله أعلم قوله صلى الله عليه و سلم ( أوما شعرت أني أمرت الناس بأمر فاذا هم يترددون قال الحكم كأنهم يترددون أحسب ) قال القاضي كذا وقع هذا اللفظ وهو صحيح وان كان فيه اشكال قال وزاد اشكاله تغيير فيه وهو قوله قال الحكم كأنهم يترددون وكذا رواه بن أبي شيبة عن الحكم ومعناه أن الحكم شك في لفظ النبي صلى الله عليه و سلم هذا مع ضبطه لمعناه فشك هل قال يترددون أو نحوه من الكلام ولهذا قال بعده أحسب أي أظن أن هذا لفظه ويؤيده قول مسلم بعده في حديث غندر ولم يذكر الشك من الحكم في قوله يترددون والله أعلم قوله صلى الله عليه و سلم ( ولو أنى استقبلت من أمرى ما استدبرت ما سقت الهدى ) هذا دليل على جواز قول لو في التأسف على فوات أمور
(8/155)

الدين ومصالح الشرع وأما الحديث الصحيح في أن لو تفتح عمل الشيطان فمحمول على التأسف على حظوظ الدنيا ونحوها وقد كثرت الأحاديث الصحيحة في استعمال لو في غير حظوظ الدنيا ونحوها فيجمع بين الأحاديث بما ذكرناه والله أعلم قوله صلى الله عليه و سلم ( يجزى عنك طوافك بالصفا والمروة عن حجك وعمرتك ) فيه دلالة ظاهرة على أنها كانت قارنة ولم ترفض العمرة رفض ابطال بل تركت الاستمرار في أعمال العمرة بانفرادها وقد سبق تقرير هذا في أول هذا الباب وسبق هناك الاستدلال أيضا بقوله صلى الله عليه و سلم هنا يسعك طوافك لحجك وعمرتك قوله في حديث صفية بنت شيبة ( عن عائشة فجعلت أرفع خمارى أحسره عن عنقي فيضرب
(8/156)

رجلى بعلة الراحلة قلت له وهل ترى من أحد قالت فأهللت بعمرة ) أما قولها أحسره فبكسر السين وضمها لغتان أي أكشفه وأزيله وأما قولها بعلة الراحلة فالمشهور في اللغة أنه بباء موحدة ثم عين مهملة مكسورتين ثم لام مشددة ثم هاء وقال القاضي عياض رحمه الله تعالى وقع في بعض الروايات نعلة يعنى بالنون وفي بعضها بالباء قال وهو كلام مختل قال قال بعضهم صوابه ثغنة الراحلة أي فخذها يريد ما خشن من مواضع مباركها قال أهل اللغة كل ما ولى الأرض من كل ذي أربع اذا برك فهو ثغنة قال القاضي ومع هذا فلا يستقيم هذا الكلام ولا جوابها لأخيها بقولها وهل ترى من أحد ولأن رجل الراكب قل ما تبلغ ثغنة الراحلة قال وكل هذا وهم قال والصواب فيضرب رجلى بنعلة السيف يعنى أنها لما حسرت خمارها ضرب أخوها رجلها بنعلة السيف فقالت وهل ترى من أحد هذا كلام القاضي قلت ويحتمل أن المراد فيضرب رجلى بسبب الراحلة أي يضرب رجلى عامدا لها في صورة من يضرب الراحلة ويكون قولها بعلة معناه بسبب والمعنى أنه يضرب رجلها بسوط أو عصا أو غير ذلك حين تكشف خمارها عن عنقها غيرة عليها فتقول له هي وهل ترى من أحد أي نحن في خلاء ليس هنا أجنبي أستتر منه وهذا التأويل متعين أو كالمتعين لأنه مطابق للفظ الذي صحت به الرواية وللمعنى ولسياق الكلام فتعين اعتماده والله أعلم قولها ( وهو بالحصبة ) هو بفتح الحاء واسكان الصاد المهملتين أي بالمحصب قولها ( فلقيني رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو مصعد من مكة وأنا منهبطة عليها أو أنا مصعدة وهو منهبط منها ) وقالت في الرواية الأخرى ( فجئنا رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو في منزله فقال هل فرغت فقلت نعم فاذن في أصحابه فخرج فمر بالبيت وطاف ) وفي الرواية الأخرى ( فأقبلنا حتى أتينا رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو بالحصبة ) وجه الجمع بين هذه الروايات أنه صلى الله عليه و سلم بعث عائشة مع أخيها بعد نزوله المحصب وواعدها أن تلحقه بعد اعتمارها ثم خرج هو صلى الله عليه و سلم بعد ذهابها فقصد البيت ليطوف طواف الوداع
(8/157)

ثم رجع بعد فراغه من طواف الوداع وكل هذا في الليل وهي الليلة التي تلى ايام التشريق فلقيها صلى الله عليه و سلم وهو صادر بعد طواف الوداع وهي داخلة لطواف عمرتها ثم فرغت من عمرتها ولحقته صلى الله عليه و سلم وهو بعد في منزله بالمحصب وأما قولها فأذن في أصحابه فخرج فمر بالبيت وطاف فيتأول على أن في الكلام تقديما وتأخيرا وأن طوافه صلى الله عليه و سلم كان بعد خروجها إلى العمرة وقبل رجوعها وأنه فرغ قبل طوافها للعمرة [ 1213 ] قوله في حديث جابر ( أن عائشة عركت ) هو بفتح العين والراء ومعناه حاضت يقال عركت تعرك عروكا كقعدت تقعد قعودا قوله ( أهللنا يوم التروية ) وهو اليوم الثامن من ذي الحجة وسبق بيانه وفيه دليل لمذهب الشافعي وموافقيه أن من كان بمكة وأراد الاحرام بالحج استحب
(8/158)

له أن يحرم يوم التروية ولا يقدمه عليه وسبقت المسألة ومذاهب العلماء فيها في أوائل كتاب الحج قوله صلى الله عليه و سلم ( هذا أمر كتبه الله على بنات آدم فاغتسلى ثم أهلي بالحج ) هذا الغسل هو الغسل للاحرام وقد سبق بيانه وأنه يستحب لكل من أراد الاحرام بحج أو عمرة سواء الحائض وغيرها قوله ( حتى اذا طهرت ) بفتح الطاء وضمها والفتح أفصح قوله ( حتى اذا طهرت طافت بالكعبة وبالصفا والمروة ثم قال قد حللت من حجك وعمرتك جميعا ) هذا صريح في أن عمرتها لم تبطل ولم تخرج منها وأن قوله صلى الله عليه و سلم ارفضى عمرتك ودعى عمرتك متأول كما سبق بيانه واضحا في أوائل هذا الباب قوله ( حتى اذا طهرت طافت بالكعبة وبالصفا والمروة ثم قال قد حللت من حجك وعمرتك جميعا ) يستنبط منه ثلاث مسائل حسنة أحداها أن عائشة رضي الله عنها كانت قارنة ولم تبطل عمرتها وأن الرفض المذكور متأول كما سبق والثانية أن القارن يكفيه طواف واحد وسعى واحد وهو مذهب الشافعي والجمهور وقال أبو حنيفة وطائفة يلزمه طوافان وسعيان والثالثة أن السعى بين الصفا والمروة يشترط وقوعه بعد طواف صحيح وموضع الدلالة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أمرها أن تصنع ما يصنع الحاج غير الطواف بالبيت ولم تسع كما لم تطف فلو لم يكن السعى متوقفا على تقدم الطواف عليه لما أخرته واعلم أن طهر عائشة
(8/159)

هذا المذكور كان يوم السبت وهو يوم النحر في حجة الوداع وكان ابتداء حيضها هذا يوم السبت أيضا لثلاث خلون من ذي الحجة سنة عشر ذكره أبو محمد بن حزم في كتاب حجة الوداع قوله ( وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم رجلا سهلا حتى اذا هويت الشيء تابعها عليه ) معناه اذا هويت شيئا لانقص فيه في الدين مثل طلبها الاعتمار وغيره أجابها إليه وقوله سهلا اي سهل الخلق كريم الشمائل لطيفا ميسرا في الخلق كما قال الله تعالى وانك لعلى خلق عظيم وفيه حسن معاشرة الأزواج قال الله تعالى وعاشروهن بالمعروف لا سيما فيما كان من باب الطاعة والله أعلم قوله ( خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم مهلين بالحج معنا النساء والولدان ) الولدان هم الصبيان ففيه صحة حج الصبى والحج به ومذهب مالك والشافعي وأحمد والعلماء كافة من الصحابة والتابعين فمن بعدهم أنه يصح حج الصبي ويثاب عليه ويترتب عليه أحكام حج البالغ الا أنه لا يجزيه عن فرض الاسلام فاذا بلغ بعد ذلك واستطاع لزمه فرض
(8/160)

الاسلام وخالف أبو حنيفة الجمهور فقال لا يصح له احرام ولا حج ولا ثواب فيه ولا يترتب عليه شيء من أحكام الحج قال وإنما يحج به ليتمرن ويتعلم ويتجنب محظوراته للتعلم قال وكذلك لا تصح صلاته وإنما يؤمر بها لما ذكرناه وكذلك عنده سائر العبادات والصواب مذهب الجمهور لحديث بن عباس رضي الله عنه أن امرأة رفعت صبيا فقالت يا رسول الله ألهذا حج قال نعم والله أعلم قوله ( ومسسنا الطيب ) هو بكسر السين الأولى هذه اللغة المشهورة وفي لغة قليلة بفتحها حكاها أبو عبيد والجوهرى قال الجوهرى يقال مسست الشيء بكسر السين أمسه بفتح الميم مسا فهذه اللغة الفصيحة قال وحكى أبو عبيدة مسست الشيء بالفتح أمسه بضم الميم قال وربما قالوا مست الشيء يحذفون منه السين الأولى ويحولون كسرتها إلى الميم قال ومنهم من لا يحول ويترك الميم على حالها مفتوحة قوله ( وكفانا الطواف الأول بين الصفا والمروة ) يعنى القارن منا وأما المتمتع فلا بد له من السعى بين الصفا والمروة في الحج بعد رجوعه من عرفات وبعد طواف الافاضة قوله فأمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم ( أن نشترك في الابل والبقر كل سبعة منا في بدنة ) البدنة تطلق على البعير والبقرة والشاة لكن غالب استعمالها في البعير والمراد بها ها هنا البعير والبقرة وهكذا قال العلماء تجزى البدنة من الابل والبقر كل واحدة منهما عن سبعة ففي هذا الحديث دلالة لاجزاء كل واحدة منهما عن سبعة أنفس وقيامها مقام سبع شياه وفيه دلالة لجواز الإشتراك في الهدى والأضحية وبه قال الشافعي وموافقوه فيجوز عند الشافعي اشتراك السبعة في بدنة سواء كانوا متفرقين أو مجتمعين وسواء كانوا مفترضين أو متطوعين وسواء كانوا متقربين كلهم أو كان بعضهم متقربا وبعضهم يريد اللحم روى هذا عن
(8/161)

بن عمر وأنس وبه قال أحمد وقال مالك يجوز أن كانوا متطوعين ولا يجوز ان كانوا مفترضين وقال أبو حنيفة ان كانوا متقربين جاز سواء اتفقت قربتهم أو اختلفت وان كان بعضهم متقربا وبعضهم يريد اللحم لم يصح للاشتراك [ 1214 ] قوله ( أمرنا النبي صلى الله عليه و سلم لما أحللنا أن نحرم اذا توجهنا إلى منى قال فأهللنا من الأبطح ) الأبطح هو بطحاء مكة وهو متصل بالمحصب وقوله اذا توجهنا إلى منى يعنى يوم التروية كما صرح به في الرواية السابقة وفيه دليل لمذهب الشافعي وموافقيه أن الأفضل للمتمتع وكل من أراد الاحرام بالحج من مكة أن لا يحرم به الا يوم التروية وقال مالك وآخرون يحرم من أول ذي الحجة وسبقت المسألة بأدلتها أما قوله فأهللنا من الابطح فقد يستدل به من يجوز للمكى والمقيم بها الاحرام بالحج من الحرم وفي المسألة وجهان لأصحابنا أصحهما لا يجوز أن يحرم بالحج الا من داخل مكة وأفضله من باب داره وقيل من المسجد الحرام والثاني يجوز من مكة ومن سائر الحرم وقد سبقت المسألة في باب المواقيت فمن قال بالثاني احتج بحديث جابر هذا لأنهم أحرموا من الابطح وهو خارج مكة لكنه من الحرم ومن قال بالأول وهو الأصح قال انما أحرموا من الأبطح لأنهم كانوا نازلين به وكل من كان دون الميقات المحدود فميقاته منزله كما سبق في باب المواقيت والله أعلم [ 1215 ] قوله ( لم يطف رسول الله صلى الله عليه و سلم ولا أصحابه بين الصفا والمروة الا طوافا واحدا وهو طوافه الأول ) يعنى النبي
(8/162)

صلى الله عليه و سلم
( ومن كان من أصحابه قارنا فهؤلاء لم يسعوا بين الصفا والمروة الا مرة واحدة وأما من كان متمتعا فانه سعى سعيين سعيا لعمرته ثم سعيا آخر لحجة يوم النحر وفي هذا الحديث دلالة ظاهرة للشافعي وموافقيه في أن القارن ليس عليه الا طواف واحد للافاضة وسعى واحد وممن قال بهذا بن عمر وجابر بن عبد الله وعائشة وطاوس وعطاء والحسن البصرى ومجاهد ومالك وبن الماجشون وأحمد وإسحاق وداود وبن المنذر وقالت طائفة يلزمه طوافان وسعيان وممن قاله الشعبي والنخعى وجابر بن زيد وعبد الرحمن بن الأسود والثورى والحسن بن صالح وأبو حنيفة وحكى ذلك عن علي وبن مسعود قال بن المنذر لا يثبت هذا عن علي رضي الله عنه [ 1216 ] قوله ( صبح رابعة ) هو بضم الصاد وكسرها قوله ( فأمرنا أن نحل قال عطاء قال حلوا وأصيبوا النساء قال عطاء ولم يعزم عليهم ولكن أحلهن لهم ) معناه لم يعزم عليهم في وطء النساء بل أباحه ولم يوجبه وأما الاحلال فعزم فيه على من لم يكن معه هدى قوله ( فنأتى عرفة تقطر مذاكيرنا المنى ) هو اشارة إلى قرب العهد بوطء النساء قوله )
(8/163)

( فقدم على من سعايته فقال بم أهللت قال بما أهل به النبي صلى الله عليه و سلم فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم فأهد وامكث حراما قال وأهدى له علي رضي الله عنه هديا ) السعاية بكسر السين قال القاضي عياض قوله من سعايته أي من عمله في السعى في الصدقات قال وقال بعض علمائنا الذي في غير هذا الحديث أنه انما بعث عليا رضي الله عنه أميرا لا عاملا على الصدقات اذ لا يجوز استعمال بني هاشم على الصدقات لقوله صلى الله عليه و سلم للفضل بن عباس وعبد المطلب بن ربيعة حين سألاه ذلك ان الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد ولم يستعملهما قال القاضي يحتمل أن عليا رضي الله عنه ولى الصدقات وغيرها احتسابا أو أعطى عمالته عليها من غير الصدقة قال وهذا أشبه لقوله من سعايته والسعاية تختص بالصدقة هذا كلام القاضي وهذا الذي قاله حسن الا قوله ان السعاية تختص بالعمل على الصدقة فليس كذلك لأنها تستعمل في مطلق الولاية وان كان أكثر استعمالها في الولاية على الصدقة ومما يدل لما ذكرته حديث حذيفة السابق في كتاب الايمان من صحيح مسلم قال في حديث رفع الأمانة ولقد أتى على زمان وما أبالي أيكم بايعت لئن كان مسلما ليردنه على دينه ولئن كان نصرانيا أو يهوديا ليردنه على ساعيه يعنى الوالي عليه والله أعلم قوله ( فقدم علي رضي الله عنه من سعايته فقال بم أهللت قال بما أهل به النبي صلى الله عليه و سلم فقال له النبي صلى الله عليه و سلم فاهد وامكث حراما قال وأهدى له على هديا ) ثم ذكر مسلم بعد هذا بقليل حديث أبي موسى الأشعرى رضي الله عنه قال قدمت على رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو منيخ بالبطحاء فقال لي حججت فقلت نعم فقال بم أهللت قال قلت لبيك باهلال كاهلال النبي صلى الله عليه و سلم قال قد أحسنت طف بالبيت وبالصفا والمروة ثم حل وفي الرواية الأخرى عن أبي موسى أيضا أن النبي صلى الله عليه و سلم قال له بم أهللت قال أهللت باهلال النبي صلى الله عليه و سلم قال هل سقت من هدى قلت لا قال طف بالبيت وبالصفا والمروة ثم حل هذان الحديثان متفقان على صحة الاحرام معلقا وهو أن يحرم
(8/164)

احراما كاحرام فلان فينعقد احرامه ويصير محرما بما أحرم به فلان واختلف آخر الحديثين في التحلل فأمر عليا بالبقاء على احرامه وأمر أبا موسى بالتحلل وانما اختلف آخرهما لأنهما أحرما كاحرام النبي صلى الله عليه و سلم وكان مع النبي صلى الله عليه و سلم الهدى فشاركه على في أن معه الهدى فلهذا أمره بالبقاء على احرامه كما بقى النبي صلى الله عليه و سلم على احرامه بسبب الهدى وكان قارنا وصار علي رضي الله عنه قارنا وأما أبو موسى فلم يكن معه هدى فصار له حكم النبي صلى الله عليه و سلم لو لم يكن معه هدى وقد قال النبي صلى الله عليه و سلم أنه لولا الهدى لجعلها عمرة وتحلل فأمر أبا موسى بذلك فلذلك اختلف في أمره صلى الله عليه و سلم لهما فاعتمد ما ذكرته فهو الصواب وقد تأولهما الخطابى والقاضى عياض تأويلين غير مرضيين والله أعلم قوله ( وأهدى له على هديا ) يعنى هديا اشتراه لا أنه من السعاية على الصدقة وفي هذين الحديثين دلالة لمذهب الشافعي وموافقيه أنه يصح الاحرام معلقا بأن ينوى احراما كاحرام زيد فيصير هذا المعلق كزيد فان كان زيد محرما بحج كان هذا بالحج أيضا وان كان بعمرة فبعمرة وان كان بهما فبهما وان كان زيد أحرم مطلقا صار هذا محرما احراما مطلقا فيصرفه إلى ما شاء من حج أو عمرة ولا يلزمه موافقة زيد في الصرف ولهذه المسألة فروع كثيرة مشهورة في كتب الفقة وقد استقصيتها في شرح المهذب ولله الحمد قوله ( فقال سراقة بن مالك بن جعشم يا رسول الله ألعامنا هذا أم لأبد قال لأبد ) وفي الرواية الأخرى فقام سراقة بن جعشم فقال يا رسول الله ألعامنا هذا أم لأبد فشبك رسول الله صلى الله عليه و سلم أصابعه واحدة في الأخرى وقال
(8/165)

دخلت العمرة في الحج مرتين لا بل لأبد أبد واختلف العلماء في معناه على أقوال أصحها وبه قال جمهورهم معناه أن العمرة يجوز فعلها في أشهر الحج إلى يوم القيامة والمقصود به بيان ابطال ما كانت الجاهلية تزعمه من امتناع العمرة في اشهر الحج والثاني معناه جواز القران وتقدير الكلام دخلت أفعال العمرة في أفعال الحج إلى يوم القيامة والثالث تأويل بعض القائلين بأن العمرة ليست واجبة قالوا معناه سقوط العمرة قالوا ودخولها في الحج معناه سقوط وجوبها وهذا ضعيف أو باطل وسياق الحديث يقتضى بطلانه والرابع تأويل بعض أهل الظاهر أن معناه جواز فسخ الحج إلى العمرة وهذا ايضا ضعيف قوله ( حتى اذا كان يوم التروية وجعلنا مكة بظهر أهللنا بالحج ) فيه دليل للشافعي وموافقيه أن المتمتع وكل من كان بمكة وأراد الاحرام بالحج فالسنة له أن يحرم يوم التروية وهو الثامن من ذي الحجة وقد سبقت المسألة مرات وقوله ( جعلنا مكة بظهر ) معناه أهللنا عند ارادتنا الذهاب إلى منى قوله ( حدثنى جابر بن عبد الله الأنصارى رضي الله عنه أنه حج مع رسول الله صلى الله عليه و سلم عام ساق الهدى معه وقد أهلوا بالحج مفردا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أحلوا من احرامكم فطوفوا بالبيت وبين الصفا والمروة وقصروا وأقيموا حلالا حتى اذا كان يوم التروية فأهلوا بالحج واجعلوا الذي قدمتم بها متعة ) اعلم أن هذا الكلام فيه تقديم وتأخير وتقديره وقد أهلوا بالحج
(8/166)

مفردا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم اجعلوا احرامكم عمرة وتحللوا بعمل العمرة وهو معنى فسخ الحج إلى العمرة وقد اختلف العلماء في هذا الفسخ هل هو خاص للصحابة تلك السنة خاصة أم باق لهم ولغيرهم إلى يوم القيامة فقال أحمد وطائفة من أهل الظاهر ليس خاصا بل هو باق إلى يوم القيامة فيجوز لكل من أحرم بحج وليس معه هدى أن يقلب احرامه عمرة ويتحلل بأعمالها وقال مالك والشافعي وأبو حنيفة وجماهير العلماء من السلف والخلف هو مختص بهم في تلك السنة لا يجوز بعدها وانما أمروا به تلك السنة ليخالفوا ما كانت عليه الجاهلية من تحريم العمرة في أشهر الحج ومما يستدل به للجماهير حديث أبي ذر رضي الله عنه الذي ذكره مسلم بعده هذا بقليل كانت المتعة في الحج لأصحاب محمد صلى الله عليه و سلم خاصة يعنى فسخ الحج إلى العمرة وفي كتاب النسائي عن الحارث بن بلال عن أبيه قال قلت يا رسول الله فسخ الحج لنا خاصة أم للناس عامة فقال بل لنا خاصة وأما الذي في حديث سراقة ألعامنا هذا أم لأبد فقال لأبد أبد فمعناه جواز الاعتمار في أشهر الحج كما سبق تفسيره فالحاصل من مجموع طرق الأحاديث أن العمرة في أشهر الحج جائزة إلى يوم القيامة وكذلك القران وأن فسخ الحج إلى العمرة مختص بتلك السنة والله أعلم قوله صلى الله عليه و سلم ( حتى اذا كان يوم التروية فأهلوا بالحج واجعلوا الذي قدمتم بها متعة قالوا كيف نجعلها متعة وقد سمينا الحج فقال افعلوا ما آمركم به فلولا أنى سقت الهدى لفعلت مثل الذي أمرتكم به ) هذا دليل ظاهر لمذهب الشافعي ومالك وموافقيهما في ترجيح الافراد وان غالبهم كانوا محرمين بالحج ويتأول رواية من روى متمتعين أنه أراد في آخر الامر صاروا متمتعين كما سبق تقريره في أوائل هذا الباب
(8/167)

وفيه دليل للشافعي وموافقيه في أن من كان بمكة وأراد الحج انما يحرم به من يوم التروية وقد ذكرنا المسألة مرات [ 1217 ] قوله ( كان بن عباس يأمرنا بالمتعة وكان بن الزبير ينهى عنها قال فذكرت ذلك لجابر بن عبد الله فقال على يدى دار الحديث تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما قام عمر قال ان الله يحل لرسوله ما شاء بما شاء وان القرآن قد نزل منازله فأتموا الحج والعمرة كما أمركم الله وأبتوا نكاح هذه النساء فلن أوتى برجل نكح امرأة إلى أجل الا رجمته بالحجارة ) وفي الرواية الآخرى عن عمر رضي الله عنه فافصلوا حجكم من عمرتكم فانه أتم لحجكم وأتم لعمرتكم وذكر بعد هذا من رواية أبي موسى الأشعرى رضي الله عنه أنه كان يفتى بالمتعة ويحتج بأمر
(8/168)

النبي صلى الله عليه و سلم له بذلك وقول عمر رضي الله عنه أن نأخذ بكتاب الله فان الله تعالى أمر بالاتمام وذكر عن عثمان أنه كان ينهى عن المتعة أو العمرة وأن عليا خالفه في ذلك وأهل بهما جميعا وذكر قول أبي ذر رضي الله عنه كانت المتعة في الحج لأصحاب محمد صلى الله عليه و سلم خاصة وفي رواية رخصة وذكر قول عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه و سلم أعمر طائفة من أهله في العشر فلم تنزل آية تفسخ ذلك وفي رواية جمع بين حج وعمرة ثم لم ينزل فيها كتاب ولم ينه قال المازرى اختلف في المتعة التي نهى عنها عمر في الحج فقيل هي فسخ الحج إلى العمرة وقيل هي العمرة في أشهر الحج ثم الحج من عامه وعلى هذا انما نهى عنها ترغيبا في الافراد الذي هو أفضل لا أنه يعتقد بطلانها أو تحريمها وقال القاضي عياض ظاهر حديث جابر وعمران وأبي موسى أن المتعة التي اختلفوا فيها انما هي فسخ الحج إلى العمرة قال ولهذا كان عمر رضي الله عنه يضرب الناس عليها ولا يضربهم على مجرد التمتع في أشهر الحج وانما ضربهم على ما اعتقده هو وسائر الصحابة أن فسخ الحج إلى العمرة كان مخصوصا في تلك السنة للحكمة التي قدمنا ذكرها قال بن عبد البر لا خلاف بين العلماء أن التمتع المراد بقول الله تعالى فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى هو الاعتمار في أشهر الحج قبل الحج قال ومن التمتع أيضا القران لأنه تمتع بسقوط سفره للنسك الآخر من بلده قال ومن التمتع أيضا فسخ الحج إلى العمرة هذا كلام القاضي قلت والمختار أن عمر وعثمان وغيرهما انما نهوا عن المتعة التي هي الاعتمار في أشهر الحج ثم الحج من عامة ومرادهم نهى أولوية للترغيب في الأفراد لكونه أفضل وقد انعقد الاجماع بعد هذا على جواز الافراد والتمتع والقران من غير كراهة وانما اختلفوا في الأفضل منها وقد سبقت هذه المسألة في أوائل هذا الباب مستوفاة والله أعلم وأما قوله في متعة النكاح وهي نكاح المرأة إلى أجل فكان مباحا ثم نسخ يوم
(8/169)

خيبر ثم أبيح يوم الفتح ثم نسخ في أيام الفتح واستمر تحريمه إلى الآن والى يوم القيامة وقد كان فيه خلاف في العصر الأول ثم ارتفع وأجمعوا على تحريمه وسيأتى بسط أحكامه في كتاب النكاح ان شاء الله تعالى