( باب جواز التمتع )
 
[ 1223 ] قوله ( كان عثمان رضى الله عنه ينهى عن المتعة وكان على يأمر بها ) المختار أن المتعة التى نهى عنها عثمان هي التمتع المعروف في الحج وكان عمر وعثمان ينهيان عنها نهى تنزيه لا تحريم وانما نهيا عنها لأن الافراد أفضل فكان عمر وعثمان يأمران بالافراد لأنه أفضل وينهيان عن التمتع نهى تنزيه لأنه مأمور بصلاح رعيته وكان يرى الأمر بالافراد من جملة صلاحهم والله أعلم قوله ( ثم قال على لقد علمت أنا قد تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم قال أجل ولكن كنا خائفين ) فقوله أجل باسكان اللام أى نعم وقوله كنا خائفين لعله أراد بقوله خائفين يوم عمرة القضاء سنة سبع قبل فتح مكة لكن لم يكن تلك السنة حقيقة تمتع انما كان عمرة وحدها قوله ( فقال عثمان دعنا عنك فقال يعنى عليا انى لا أستطيع أن أدعك فلما أن رأى على ذلك أهل بهما ) ففيه اشاعة العلم واظهاره ومناظرة ولاة الامور وغيرهم في تحقيقه ووجوب مناصحة المسلم في ذلك وهذا معنى قول
(8/202)

على لا أستطيع أن أدعك وأما اهلال على بهما فقد يحتج به من يرجح القران وأجاب عنه من رجح الافراد بأنه انما أهل بهما ليبين جوازهما لئلا يظن الناس أو بعضهم أنه لا يجوز القران ولا التمتع وأنه يتعين الافراد والله أعلم قوله ( عن أبي ذر قال كانت المتعة في الحج لأصحاب محمد صلى الله عليه و سلم خاصة ) وفي الرواية الاخرى كانت لنا رخصة يعنى المتعة في الحج وفي الرواية الاخرى قال أبو ذر لا تصلح المتعتان الا لنا خاصة يعنى متعة النساء ومتعة الحج وفي الرواية الأخرى انما كانت لنا خاصة دونكم قال العلماء معنى هذه الروايات كلها أن فسخ الحج إلى العمرة كان للصحابة في تلك السنة وهي حجة الوداع ولا يجوز بعد ذلك وليس مراد أبى ذر ابطال التمتع مطلقا بل مراده فسخ الحج كما ذكرنا وحكمته ابطال ما كانت عليه الجاهلية من منع العمرة في أشهر الحج وقد سبق بيان هذا كله في الباب السابق والله أعلم قوله ( لا تصلح المتعتان الا لنا خاصة ) معناه انما صلحتا لنا خاصة في الوقت الذي فعلناهما فيه ثم صارتا حراما بعد ذلك
(8/203)

إلى يوم القيامة والله أعلم [ 1225 ] قوله ( سألت سعد بن أبي وقاص عن المتعة فقال فعلناها وهذا يومئذ كافر بالعرش يعنى بيوت مكة ) وفي الرواية الأخرى يعنى معاوية وفي الرواية الأخرى المتعة في الحج أما العرش فبضم العين والراء وهي بيوت مكة كما فسره في الرواية قال أبو عبيد سميت بيوت مكة عرشا لأنها عيدان تنصب وتظلل قال ويقال لها أيضا عروش بالراء وواحدها عرش كفلس وفلوس ومن قال عرش فواحدها عريش كقليب وقلب وفي حديث آخر أن عمر رضى الله عنه كان اذا نظر إلى عروش مكة قطع التلبية وأما قوله وهذا يومئذ كافر بالعرش فالاشارة بهذا إلى معاوية بن أبي سفيان وفي المراد بالكفر هنا وجهان احدهما ما قاله المازري وغيره المراد وهو مقيم في بيوت مكة قال ثعلب يقال اكتفر الرجل اذا لزم الكفور وهي القرى وفي الأثر عن عمر رضى الله عنه أهل الكفور هم أهل القبور يعنى القرى البعيدة عن الأمصار وعن العلماء والوجه الثاني المراد الكفر بالله تعالى والمراد أنا تمتعنا ومعاوية يومئذ كافر على دين الجاهلية مقيم بمكة وهذا اختيار القاضي عياض وغيره وهو الصحيح المختار والمراد بالمتعة العمرة التي كانت سنة سبع من
(8/204)

الهجرة وهي عمرة القضاء وكان معاوية يومئذ كافرا وانما أسلم بعد ذلك عام الفتح سنة ثمان وقيل أنه أسلم بعد عمرة القضاء سنة سبع والصحيح الاول وأما غير هذه العمرة من عمر النبى صلى الله عليه و سلم فلم يكن معاوية فيها كافرا ولا مقيما بمكة بل كان معه صلى الله عليه و سلم قال القاضي عياض وقاله بعضهم كافر بالعرش بفتح العين واسكان الراء والمراد عرش الرحمن قال القاضي هذا تصحيف وفي هذا الحديث جواز المتعة في الحج [ 1226 ] قوله ( عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أعمر طائفة من أهله في العشر فلم تنزل آية تنسخ ذلك ولم ينه عنه حتى مضى لوجهه ) وفي الرواية الأخرى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم جمع بين حج وعمرة ثم لم ينه عنه حتى مات ولم ينزل فيه قرآن يحرمه وفي الرواية الأخرى نحوه ثم قال قال رجل برأيه ما شاء يعنى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفي الرواية الاخرى تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فلم ينزل فيه القرآن قال رجل برأيه ما شاء وفي الرواية الأخرى تمتع وتمتعنا معه وفي الرواية الاخرى نزلت آيه المتعة في كتاب الله يعنى متعة الحج وأمرنا بها رسول الله صلى الله عليه
(8/205)

وسلم وهذه الروايات كلها متفقة على أن مراد عمران أن التمتع بالعمرة إلى الحج جائز وكذلك القران وفيه التصريح بانكاره على عمر بن الخطاب رضي الله عنه منع التمتع وقد سبق تأويل فعل عمر أنه لم يرد ابطال التمتع بل ترجيح الافراد عليه قوله ( وقد كان يسلم على حتى اكتويت فتركت ثم تركت الكى فعاد ) فقوله يسلم على هو بفتح اللام المشددة وقوله فتركت هو بضم التاء أى انقطع السلام على ثم تركت بفتح التاء أى تركت الكى فعاد السلام على ومعنى الحديث أن عمران بن الحصين رضى الله عنه كانت به بواسير فكان يصبر على المهمات وكانت الملائكة تسلم عليه فاكتوى فانقطع سلامهم عليه ثم ترك الكي فعاد سلامهم عليه قوله ( بعث إلى عمران بن حصين في مرضه الذي توفي فيه فقال انى كنت محدثك باحاديث لعل الله أن ينفعك بها بعدي فان عشت فاكتم عنى وان مت فحدث بها ان شئت أنه قد سلم على واعلم أن نبى الله صلى الله عليه و سلم قد جمع بين حج وعمرة أما قوله فان عشت فاكتم عنى فاراد به الاخبار بالسلام عليه لانه كره
(8/206)

أن يشاع عنه ذلك في حياته لما فيه من التعرض للفتنة بخلاف ما بعد الموت وأما قوله لعل الله أن ينفعك بها فمعناه تعمل بها وتعلمها غيرك وأما قوله أحاديث فظاهره أنها ثلاثة فصاعدا ولم يذكر منها الا حديثا واحدا وهو الجمع بين الحج والعمرة وأما اخباره بالسلام فليس حديثا فيكون باقي الاحاديث محذوفا من الرواية قوله ( حدثنا حامد بن عمر البكراوي ) هو
(8/207)

منسوب إلى جد جد أبيه أبي بكرة الصحابي رضى الله عنه فانه حامد بن عمر بن حفص بن عمر بن عبيد الله بن أبي بكرة الثقفي رضى الله عنه