( باب وجوب الدم على المتمتع وانه اذا عدمه لزمه )
 
( صوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة اذا رجع إلى أهله ) [ 1227 ] قوله ( عن بن عمر رضي الله عنه قال تمتع رسول الله صلى الله عليه و سلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج وأهدى وساق معه الهدى من ذي الحليفة وبدأ رسول الله صلى الله عليه و سلم فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج وتمتع الناس مع رسول الله صلى الله عليه و سلم بالعمرة إلى الحج ) قال القاضي قوله تمتع هو محمول على التمتع اللغوي وهو القران آخرا ومعناه أنه صلى الله عليه و سلم أحرم أولا بالحج مفردا ثم أحرم بالعمرة فصار قارنا في آخر أمره والقارن هو متمتع من حيث اللغة ومن حيث المعنى لأنه ترفه باتحاد الميقات والاحرام والفعل ويتعين هذا التأويل هنا لما قدمناه في الأبواب السابقة من الجمع بين الأحاديث في ذلك وممن روى افراد النبى صلى الله عليه و سلم بن عمر الراوي هنا وقد ذكره مسلم بعد هذا وأما قوله بدأ رسول الله صلى
(8/208)

الله عليه وسلم فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج فهو محمول على التلبية في أثناء الاحرام وليس المراد أنه أحرم في أول أمره بعمرة ثم أحرم بحج لأنه يفضى إلى مخالفة الأحاديث السابقة وقد سبق بيان الجمع بين الروايات فوجب تأويل هذا على موافقتها ويؤيد هذا التأويل قوله تمتع الناس مع رسول الله صلى الله عليه و سلم بالعمرة إلى الحج ومعلوم أن كثيرا منهم أو أكثرهم أحرموا بالحج أولا مفردا وانما فسخوه إلى العمرة آخرا فصاروا متمتعين فقوله وتمتع الناس يعنى في آخر الأمر والله أعلم قوله صلى الله عليه و سلم ( ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة وليقصر وليحلل ثم ليهل بالحج وليهد فمن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة اذا رجع إلى أهله ) أما قوله صلى الله عليه و سلم فليطف بالبيت وبالصفا والمروة وليقصر وليحلل فمعناه يفعل الطواف والسعى والتقصير وقد صار حلالا وهذا دليل على ان التقصير أو الحلق نسك من مناسك الحج وهذا هو الصحيح في مذهبنا وبه قال جماهير العلماء وقيل انه استباحة محظور وليس بنسك وهذا ضعيف وسيأتي ايضاحه في موضعه ان شاء الله تعالى وانما أمره رسول الله صلى الله عليه و سلم بالتقصير ولم يأمر بالحلق مع أن الحلق أفضل ليبقى له شعر يحلقه في الحج فان الحلق في تحلل الحج أفضل منه في تحلل العمرة وأما قوله صلى الله عليه و سلم وليحلل فمعناه وقد
(8/209)

صار حلالا فله فعل ما كان محظورا عليه في الاحرام من الطيب واللباس والنساء والصيد وغير ذلك وأما قوله صلى الله عليه و سلم ثم ليهل بالحج فمعناه يحرم به في وقت الخروج إلى عرفات لا أنه يهل به عقب تحلل العمرة ولهذا قال ثم ليهل فأتى بثم التى هي للتراخي والمهلة وأما قوله صلى الله عليه و سلم وليهد فالمراد به هدى التمتع فهو واجب بشروط اتفق أصحابنا على أربعة منها واختلفوا في ثلاثة أحد الأربعة أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج الثاني أن يحج من عامه الثالث أن يكون أفقيا لا من حاضري المسجد وحاضروه أهل الحرم ومن كان منه على مسافة لا تقصر فيها الصلاة الرابع أن لا يعود إلى الميقات لاحرام الحج وأما الثلاثة فأحدها نية التمتع والثاني كون الحج والعمرة في سنة في شهر واحد الثالث كونهما عن شخص واحد والأصح أن هذه الثلاثة لا تشترط والله أعلم وأما قوله صلى الله عليه و سلم فمن لم يجد هديا فالمراد لم يجده هناك اما لعدم الهدى واما لعدم ثمنه واما لكونه يباع باكثر من ثمن المثل واما لكونه موجودا لكنه لا يبيعه صاحبه ففي كل هذه الصور يكون عادما للهدى فينتقل إلى الصوم سواء كان واجدا لثمنه في بلده أم لا وأما قوله صلى الله عليه و سلم فمن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة اذا رجع فهو موافق لنص كتاب الله تعالى ويجب صوم هذه الثلاثة قبل يوم النحر ويجوز صوم يوم عرفة منها لكن الأولى أن يصوم الثلاثة قبله والأفضل أن لا يصومها حتى يحرم بالحج بعد فراغه من العمرة فان صامها بعد فراغه من العمرة وقبل الاحرام بالحج أجزأه على المذهب الصحيح عندنا وان صامها بعد الاحرام بالعمرة وقبل فراغها لم يجزه على الصحيح فان لم يصمها قبل يوم النحر وأراد صومها في أيام التشريق ففي صحته قولان مشهوران للشافعى أشهرهما في المذهب أنه لا يجوز وأصحهما من حيث
(8/210)

الدليل جوازه هذا تفصيل مذهبنا ووافقنا أصحاب مالك في أنه لا يجوز صوم الثلاثة قبل الفراغ من العمرة وجوزه الثورى وأبو حنيفة ولو ترك صيامها حتى مضى العيد والتشريق لزمه قضاؤها عندنا وقال أبو حنيفة يفوت صومها ويلزمه الهدى اذا استطاعه والله أعلم وأما صوم السبعة فيجب اذا رجع وفي المراد بالرجوع خلاف الصحيح في مذهبنا أنه اذا رجع إلى أهله وهذا هو الصواب لهذا الحديث الصحيح الصريح والثاني اذا فرغ من الحج ورجع إلى مكة من منى وهذان القولان للشافعي ومالك وبالثاني قال أبو حنيفة ولو لم يصم الثلاثة ولا السبعة حتى عاد إلى وطنه لزمه صوم عشرة أيام وفي اشتراط التفريق بين الثلاثة والسبعة اذا أراد صومها خلاف قيل لا يجب والصحيح أنه يجب التفريق الواقع في الاداء وهو باربعة أيام ومسافة الطريق بين مكة ووطنه والله أعلم قوله ( وطاف رسول الله صلى الله عليه و سلم حين قدم مكة واستلم الركن أول شيء ثم حسب ثلاثة أطواف ) من السبع ومشى أربعة أطواف إلى آخر الحديث فيه اثبات طواف القدوم واستحباب الرمل فيه وأن الرمل هو الخبب وأنه يصلى ركعتى الطواف وأنهما يستحبان خلف المقام وقد سبق بيان هذا كله وسنذكره أيضا حيث ذكره مسلم بعد هذا ان شاء الله تعالى