( باب بيان أن المحرم بعمرة لا يتحلل بالطواف قبل السعى )
 
( وان المحرم بحج لا يتحلل بطواف القدوم وكذلك القارن ) [ 1234 ] قوله ( سألنا بن عمر رضى الله عنه عن رجل قدم بعمرة فطاف بالبيت ولم يطف بين الصفا
(8/218)

والمروة أيأتي امرأته فقال قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم فطاف بالبيت سبعا وصلى خلف المقام ركعتين وبين الصفا والمروة سبعا وقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ) معناه لا يحل له ذلك لأن النبى صلى الله عليه و سلم لم يتحلل من عمرته حتى طاف وسعى فتجب متابعته والاقتداء به وهذا الحكم الذي قاله بن عمر هو مذهب العلماء كافة وهو أن المعتمر لا يتحلل الا بالطواف والسعى والحلق الا ما حكاه القاضي عياض عن بن عباس واسحاق بن راهويه أنه يتحلل بعد الطواف وان لم يسع وهذا ضعيف مخالف للسنة [ 1235 ] قوله ( فتصدانى الرجل ) أى تعرض لى
(8/219)

هكذا هو في جميع النسخ تصداني بالنون والأشهر في اللغة تصدى لى قوله ( أول شيء بدأ به حين قدم مكة أنه توضأ ثم طاف بالبيت ) فيه دليل لاثبات الوضوء للطواف لأن النبى صلى الله عليه و سلم فعله ثم قال صلى الله عليه و سلم لتأخذوا عنى مناسككم وقد أجمعت الأئمة على أنه يشرع الوضوء للطواف ولكن اختلفوا في أنه واجب وشرط لصحته أم لا فقال مالك والشافعي وأحمد والجمهور هو شرط لصحة الطواف وقال أبو حنيفة مستحب ليس بشرط واحتج الجمهور بهذا الحديث ووجه الدلالة أن هذا الحديث مع حديث خذوا عنى مناسككم يقتضيان أن الطواف واجب لأن كل ما فعله هو داخل في المناسك فقد أمرنا بأخذ المناسك وفي حديث بن عباس في الترمذي وغيره أن النبى صلى الله عليه و سلم قال الطواف بالبيت صلاة الا أن الله أباح فيه الكلام ولكن رفعه ضعيف والصحيح عند الحفاظ أنه موقوف على بن عباس وتحصل به الدلالة مع أنه موقوف لأنه قول لصحابي انتشر واذا انتشر قول الصحابي بلا مخالفة كان حجة على الصحيح قوله ( ثم لم يكن غيره ) وكذا قال فيما بعده ولم يكن غيره هكذا هو في جميع النسخ
(8/220)

غيره بالغين المعجمة والياء قال القاضي عياض كذا هو في جميع النسخ قال وهو تصحيف وصوابه ثم لم تكن عمرة بضم العين المهملة وبالميم وكان السائل لعروة انما سأله عن نسخ الحج إلى العمرة على مذهب من رأى ذلك واحتج بأمر النبى صلى الله عليه و سلم لهم بذلك في حجة الوداع فأعلمه عروة أن النبى صلى الله عليه و سلم لم يفعل ذلك بنفسه ولا من جاء بعده هذا كلام القاضي قلت هذا الذي قاله من أن قول غيره تصحيف ليس كما قال بل هو صحيح في الرواية وصحيح في المعنى لأن قوله غيره يتناول العمرة وغيرها ويكون تقدير الكلام ثم حج أبو بكر فكان أول شيء بدأ به الطواف بالبيت ثم لم يكن غيره أى لم يغير الحج ولم ينقله وينسخه إلى غيره لا عمرة ولا قران والله اعلم قوله ( ثم حججت مع أبي الزبير بن العوام ) أى مع والده الزبير فقوله الزبير بدل من أبي قوله ( ولا أحد ممن مضى ما كانوا يبدءون شيئا حين يضعون أقدامهم أول من الطواف بالبيت ثم لا يحلون ) فيه أن المحرم بالحج اذا قدم مكة ينبغي له أن يبدأ بطواف القدوم ولا يفعل شيئا قبله ولا يصلى تحية المسجد بل أول شيء يصنعه الطواف وهذا بطواف القدوم ولا يفعل شيئا قبله ولا يصلي تحية المسجد بل أول شئ يصنعه الطواف وهذا كله متفق عليه عندنا وقوله يضعون أقدامهم يعنى يصلون مكة وقوله ثم لا يحلون فيه التصريح بأنه لا يجوز التحلل بمجرد طواف القدوم كما سبق قوله ( وقد أخبرتني أمي أنها أقبلت هي وأختها والزبير وفلان وفلان بعمرة قط فلما مسحوا الركن حلوا ) فقولها مسحوا المراد بالماسحين من سوى عائشة والا فعائشة لم تمسح الركن قبل الوقوف بعرفات في حجة الوداع بل كانت قارنة ومنعها الحيض من الطواف قبل يوم النحر وهكذا قول أسماء بعد هذا اعتمرت أنا وأختى عائشة والزبير وفلان وفلان فلما مسحنا البيت أحللنا ثم أهللنا بالحج
(8/221)

المراد به أيضا من سوى عائشة وهكذا تأوله القاضي عياض والمراد الاخبار عن حجتهم مع النبى صلى الله عليه و سلم حجة الوداع على الصفة التى ذكرت في أول الحديث وكان المذكورون سوى عائشة محرمين بالعمرة وهي عمرة الفسخ التى فسخوا الحج اليها وانما لم تستثن عائشة لشهرة قصتها قال القاضي عياض وقيل يحتمل أن أسماء أشارت إلى عمرة عائشة التى فعلتها بعد الحج مع أخيها عبد الرحمن من التنعيم قال القاضي وأما قول من قال يحتمل أنها أرادت في غير حجة الوداع فخطأ لأن في الحديث التصريح بأن ذلك كان في حجة الوداع هذا كلام القاضي وذكر مسلم بعد هذه الرواية رواية إسحاق بن ابراهيم وفيها أن أسماء قالت خرجنا محرمين فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم من كان معه هدى فليقم على احرامه ومن لم يكن معه هدى فليحلل فلم يكن معى هدى فحللت وكان مع الزبير هدى فلم يحل فهذا تصريح بأن الزبير لم يتحلل في حجة الوداع قبل يوم النحر فيجب استثناؤه مع عائشة أو يكون احرامه بالعمرة وتحلله منها في غير حجة الوداع والله أعلم وقولها فلما مسحوا الركن حلوا هذا متأول عن ظاهره لأن الركن هو الحجر الأسود ومسحه يكون في أول الطواف ولا يحصل التحلل بمجرد مسحه باجماع المسلمين وتقديره فلما مسحوا الركن وأتموا طوافهم وسعيهم وحلقوا أو قصروا أحلوا ولا بد من تقدير هذا المحذوف وانما حذفته للعلم به وقد أجمعوا على أنه لا يتحلل قبل اتمام الطواف ومذهبنا ومذهب الجمهور أنه لا بد أيضا من السعى بعده ثم الحلق أو التقصير وشذ بعض السلف فقال السعى ليس بواجب ولا حجة
(8/222)

لهذا القائل في هذا الحديث لان ظاهره غير مراد بالاجماع فيتعين تأويله كما ذكرنا ليكون موافقا لباقي الأحاديث والله أعلم قولها ( عن الزبير فقال قومى عنى فقالت أتخشى أن أثب عليك ) انما أمرها بالقيام مخافة من عارض قد يندر منه كلمس بشهوة أو نحوه فان اللمس بشهوة حرام في الاحرام فاحتاط لنفسه بمباعدتها من حيث انها زوجة متحللة تطمع بها النفس قوله ( استرخى عنى استرخى عنى ) هكذا هو في النسخ مرتين أى تباعدى [ 1237 ] قوله ( مرت بالحجون ) هو بفتح الحاء وضم الجيم وهو من حرم مكة وهو الجبل المشرف على مسجد الحرس بأعلى مكة على يمينك وأنت مصعد عند المحصب قولها ( خفاف الحقائب ) جمع حقيبة وهو
(8/223)

كل ما حمل في مؤخر الرحل والقتب ومنه احتقب فلان كذا [ 1239 ] قوله عن مسلم القرى هو بقاف مضمومة ثم راء مشددة قال السمعاني هو منسوب إلى بني قرة حي من عبد القيس قال وقال بن ماكولا هذا ثم قال وقيل بل لأنه كان ينزل فنظره قرة
(8/224)