( باب جواز دخول مكة بغير احرام )
 
[ 1357 ] قوله ( أن النبي صلى الله عليه و سلم دخل مكة عام الفتح وعلى رأسه مغفر ) وفي رواية وعليه عمامة سوداء بغير احرام وفي رواية خطب الناس وعليه عمامة سوداء قال القاضي وجه الجمع بينهما أن أول دخوله كان على رأسه المغفر ثم بعد ذلك كان على رأسه العمامة بعد ازالة المغفر بدليل قوله خطب الناس وعليه عمامة سوداء لأن الخطبة انما كانت عند باب الكعبة بعد تمام فتح مكة وقوله دخل مكة بغير احرام هذا دليل لمن يقول بجواز دخول مكة بغير إحرام لمن لم يرد نسكا سواء كان دخوله لحاجة تكرر كالحطاب والحشاش والسقاء والصياد وغيرهم أم لم تتكرر كالتاجر والزائر وغيرهما سواء كان آمنا أو خائفا وهذا أصح القولين للشافعي وبه يفتى أصحابه والقول الثاني لا يجوز دخولها بغير إحرام ان كانت حاجته لا تكرر الا أن يكون مقاتلا او خائفا من قتال أو خائفا من ظالم لو ظهر ونقل القاضي نحو هذا عن اكثر العلماء قوله ( جاءه رجل فقال بن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال اقتلوه ) قال العلماء انما قتله لأنه كان قد ارتد عن الاسلام
(9/131)

وقتل مسلما كان يخدمه وكان يهجو النبي صلى الله عليه و سلم ويسبه وكانت له قينتان تغنيان بهجاء النبي صلى الله عليه و سلم والمسلمين فإن قيل ففي الحديث الآخر من دخل المسجد فهو آمن فكيف قتله وهو متعلق بالأستار فالجواب أنه لم يدخل في الأمان بل استثناه هو وبن أبي سرح والقينتين وأمر بقتله وإن وجد متعلقا بأستار الكعبة كما جاء مصرحا به في أحاديث اخر وقيل لأنه ممن لم يف بالشرط بل قاتل بعد ذلك وفي هذا الحديث حجة لمالك والشافعي وموافقيهما في جواز إقامة الحدود والقصاص في حرم مكة وقال أبو حنيفة لا يجوز وتأولوا هذا الحديث على أنه قتله في الساعة التي أبيحت له وأجاب أصحابنا بأنها انما أبيحت ساعة الدخول حتى استولى عليها واذعن له اهلها وإنما قتل بن خطل بعد ذلك والله أعلم واسم بن خطل عبد العزى وقال محمد بن إسحاق اسمه عبد الله وقال الكلبي اسمه غالب بن عبد الله بن عبد مناف بن أسعد بن جابر بن كثير بن تيم بن غالب وخطل بخاء معجمه وطاء مهملة مفتوحتين قال أهل السير وقيل سعد بن حريث والله أعلم قوله ( قرأت على مالك بن أنس ) وفي رواية قلت لمالك حدثك بن شهاب عن أنس ثم قال في آخر الحديث فقال نعم يعنى فقال مالك نعم ومعناه أحدثك بن شهاب عن أنس بكذا فقال مالك نعم حدثنى به وقد جاء في الصحيحين في مواضع كثيرة مثل هذه العبارة ولا يقول في آخره قال نعم واختلف العلماء في اشتراط قوله نعم في آخر مثل هذه الصورة وهي إذا قرأ على الشيخ قائلا أخبرك فلان أو نحوه والشيخ مصغ له فاهم لما يقرأ غير منكر فقال بعض الشافعيين وبعض أهل الظاهر لا يصح السماع إلا بها فإن لم ينطق بها لم يصح السماع وقال جماهير العلماء من المحدثين والفقهاء وأصحاب الأصول يستحب قوله نعم ولا يشترط نطقه بشيء بل يصح السماع مع سكوته والحالة هذه إكتفاء بظاهر الحال فإنه لا يجوز لمكلف أن يقر على الخطأ في مثل هذه الحالة قال القاضي هذا مذهب العلماء كافة ومن قال من السلف نعم إنما قاله توكيدا واحتياطا لا إشتراطا [ 1358 ] قوله ( معاوية بن عمار الدهني ) هو بضم الدال المهملة وإسكان الهاء وبالنون منسوب إلى دهن وهم
(9/132)

بطن من بجيلة وهذا الذي ذكرناه من كونه بإسكان الهاء هو المشهور ويقال بفتحها وممن حكى الفتح أبو سعيد السمعاني في الأنساب والحافظ عبد الغني المقدسي [ 1359 ] قوله ( وعليه عمامة سوداء ) فيه جواز لباس الثياب السود وفي الرواية الأخرى خطب الناس وعليه عمامة سوداء فيه جواز لباس الأسود في الخطبة وإن كان الأبيض أفضل منه كما ثبت في الحديث الصحيح خير ثيابكم البياض وأما لباس الخطباء السواد في حال الخطبة فجائز ولكن الأفضل البياض كما ذكرنا وإنما لبس العمامة السوداء في هذا الحديث بيانا للجواز والله أعلم قوله ( كأنى أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وعليه عمامة سوداء قد أرخى طرفيها بين كتفيه ) هكذا هو في جميع نسخ بلادنا وغيرها طرفيها بالتثنية وكذا هو في الجمع بين الصحيحين للحميدي وذكر القاضي عياض أن
(9/133)

الصواب المعروف طرفها بالافراد وأن بعضهم رواه طرفيها بالتثنية والله أعلم وسيأتى بسط حكم إرخاء العمامة في كتاب اللباس إن شاء الله تعالى