( باب المدينة تنفى خبثها وتسمى طابة وطيبة )
 
[ 1381 ] قوله صلى الله عليه و سلم ( في المدينة انها تنفى خبثها وشرارها كما ينفى الكير خبث الحديد
( وفي الرواية الأخرى كما تنفى النار خبث الفضة قال العلماء خبث الحديد والفضة هو وسخهما وقذرهما )
(9/153)

الذي تخرجه النار منهما قال القاضي الاظهر أن هذا مختص بزمن النبي صلى الله عليه و سلم لأنه لم يكن يصبر على الهجرة والمقام معه الا من ثبت ايمانه وأما المنافقون وجهلة الاعراب فلا يصبرون على شدة المدينة ولا يحتسبون الاجر في ذلك كما قال ذلك الاعرابي الذي أصابه الوعك أقلني بيعتي هذا كلام القاضي وهذا الذى ادعى أنه الاظهر ليس بالأظهر لأن هذا الحديث الأول في صحيح مسلم أنه صلى الله عليه و سلم قال لا تقوم الساعة حتى تنفي المدينة شرارها كما ينفي الكير خبث الحديد وهذا والله أعلم في زمن الدجال كما جاء في الحديث الصحيح الذي ذكره مسلم في أواخر الكتاب في أحاديث الدجال أنه يقصد المدينة فترجف المدينة ثلاث رجفات يخرج الله بها منها كل كافر ومنافق فيحتمل أنه مختص بزمن الدجال ويحتمل أنه في أزمان متفرقة والله أعلم [ 1382 ] قوله صلى الله عليه و سلم ( أمرت بقرية تأكل القرى ) معناه أمرت بالهجرة اليها واستيطانها وذكروا في معنى أكلها القرى وجهين أحدهما أنها مركز جيوش الاسلام في أول الأمر فمنها فتحت القرى وغنمت أموالها وسباياها والثاني معناه أن أكلها وميرتها تكون من القرى المفتتحة وإليها تساق غنائمها قوله صلى الله عليه و سلم ( يقولون يثرب وهي المدينة ) يعنى أن بعض الناس من المنافقين وغيرهم يسمونها يثرب وإنما اسمها المدينة وطابة وطيبة ففي هذا كراهة تسميتها يثرب وقد جاء في مسند أحمد بن حنبل حديث عن النبي صلى الله عليه و سلم في كراهة تسميتها يثرب وحكى عن عيسي بن دينار أنه قال من سماها يثرب كتبت عليه خطيئة قالوا وسبب كراهة تسميتها يثرب لفظ التثريب الذي هو التوبيخ والملامة وسميت طيبة وطابة لحسن لفظهما
(9/154)

وكان صلى الله عليه و سلم يحب الاسم الحسن ويكره الاسم القبيح وأما تسميتها في القرآن يثرب فإنما هو حكاية عن قول المنافقين والذين في قلوبهم مرض قال العلماء ولمدينة النبي صلى الله عليه و سلم أسماء المدينة قال الله تعالى ما كان لأهل المدينة وقال تعالى ومن أهل المدينة وطابة وطيبة والدار فأما الدار فلأمنها والاستقرار بها وأما طابة وطيبة فمن الطيب وهو الرائحة الحسنة والطاب والطيب لغتان وقيل من الطيب بفتح الطاء وتشديد الياء وهو الطاهر لخلوصها من الشرك وطهارتها وقيل من طيب العيش بها وأما المدينة ففيها قولان لأهل العربية أحدهما وبه جزم قطرب وبن فارس وغيرهما أنها مشتقة من دان إذا أطاع والدين الطاعة والثاني أنها مشتقة من مدن بالمكان إذا أقام به وجمع المدينة مدن ومدن بإسكان الدال وضمها ومدائن بالهمز وتركه والهمز أفصح وبه جاء القرآن العزيز والله أعلم [ 1383 ] قوله ( أن اعرابيا بايع النبي صلى الله عليه و سلم فأصاب الاعرابي وعك بالمدينة فأتى النبي صلى الله عليه و سلم فقال يا محمد أقلنى بيعتى فأبى رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم جاءه فقال أقلني بيعتي فأبي ثم جاءه فقال أقلني بيعتي فأبي فخرج الاعرابي فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم إنما المدينة كالكير تنفى خبثها قال العلماء إنما لم يقله النبي صلى الله عليه و سلم بيعته لأنه لا يجوز لمن أسلم أن يترك الاسلام ولا لمن هاجر إلى النبي صلى الله عليه و سلم
(9/155)

6 - للمقام عنده أن يترك الهجرة ويذهب إلى وطنه أو غيره قالوا وهذا الاعرابي كان ممن هاجر وبايع النبي صلى الله عليه و سلم على المقام معه قال القاضي ويحتمل أن بيعة هذا الاعرابي كانت بعد فتح مكة وسقوط الهجرة إليه صلى الله عليه و سلم وإنما بايع على الاسلام وطلب الاقالة منه فلم يقله والصحيح الأول والله أعلم قوله ( فأصاب الاعرابي وعك ) هو بفتح العين وهو مغث الحمى وألمها ووعك كل شيء معظمه وشدته قوله صلى الله عليه و سلم ( إنما المدينة كالكير تنفى خبثها وينصع طيبها ) هو بفتح الياء والصاد المهملة أي يصفو ويخلص ويتميز والناصع الصافي الخالص ومنه قولهم ناصع اللون أي صافية وخالصة ومعنى الحديث أنه يخرج من المدينة من لم يخلص ايمانه ويبقى فيها من خلص ايمانه قال أهل اللغة يقال نصع الشيء ينصع بفتح الصاد فيهما نصوعا إذا خلص ووضح والناصع الخالص من كل شيء [ 1385 ] قوله ( وحدثنا قتيبة بن سعيد وهناد بن السرى وأبو كريب وأبو بكر بن أبي شيبة ) هكذا وقع في بعض النسخ ووقع في أكثرها بحذف ذكر أبي كريب قوله صلى الله عليه و سلم ( ان الله سمى المدينة طابة هذا ) فيه استحباب تسميتها طابة وليس فيه أنها لا تسمى بغيره فقد سماها الله تعالى المدينة في مواضع من القرآن وسماها النبي صلى الله عليه و سلم طيبة في الحديث الذي قبل هذا من هذا الباب وقد سبق ايضاح الجميع في هذا الباب والله أعلم