( باب اخباره صلى الله عليه و سلم بترك الناس المدينة على خير ما كانت )
 
[ 1389 ] قوله صلى الله عليه و سلم للمدينة ( ليتركنها أهلها على خير ما كانت مذللة للعوافي ) يعنى السباع
(9/159)

والطيروفي الرواية الثانية يتركون المدينة على خير ما كانت لا يغشاها إلا العوافي يريد عوافي السباع والطير ثم يخرج راعيان من مزينة يريدان المدينة ينعقان بغنمها فيجدانها وحشا حتى اذا بلغا ثنية الوداع خرا على وجوههما أما العوافى فقد فسرها في الحديث بالسباع والطير وهو صحيح في اللغة مأخوذ من عفوته اذا أتيته تطلب معروفه وأما معنى الحديث فالظاهر المختار أن هذا الترك للمدينة يكون في آخر الزمان عند قيام الساعة وتوضحه قصة الراعبين من مزينة فإنهما يخران على وجوههما حين تدركهما الساعة وهما آخر من يحشر كما ثبت في صحيح البخاري فهذا هو الظاهر المختار وقال القاضي عياض هذا فما جرى في العصر الأول وانقضى قال وهذا من معجزاته صلى الله عليه و سلم فقد تركت المدينة على أحسن ما كانت حين انتقلت الخلافة عنها إلى الشام والعراق وذلك الوقت أحسن ما كانت الدين والدنيا أما الدين فلكثرة العلماء وكمالهم وأما الدنيا فلعمارتها وغرسها واتساع حال أهلها قال وذكر الأخباريون في بعض الفتن التي جرت بالمدينة وخاف أهلها أنه رحل عنها أكثر الناس وبقيت ثمارها أو أكثرها للعوافى وخلت مدة ثم تراجع الناس اليها قال وحالها اليوم قريب من هذا وقد خربت أطرافها هذا كلام القاضي والله أعلم ومعنى ينعقان بغنمهما يصيحان قوله صلى الله عليه و سلم ( فيجدانها وحشا ) وفي رواية البخاري
(9/160)

وحوشا قيل معناه يجدانها خلاء أي خالية ليس بها أحد قال إبراهيم الحربي الوحش من الأرض هو الخلاء والصحيح أن معناه يجدانها ذات وحوش كما في رواية البخاري وكما قال صلى الله عليه و سلم لا يغشاها إلا العوافي ويكون وحشا بمعنى وحوشا وأصل الوحش كل شيء توحش من الحيوان وجمعه وحوش وقد يعبر بواحدة عن جمعه كما في غيره وحكى القاضي عن بن المرابط أن معناه أن غنمهما تصير وحوشا إما أن تنقلب ذاتها فتصير وحوشا وإما أن تتوحش وتنفر من أصواتها وأنكر القاضي هذا واختار أن الضمير في يجدانها عائد إلى المدينة لا إلى الغنم وهذا هو الصواب وقول بن المرابط غلط والله أعلم