( باب استئذان الثيب في النكاح بالنطق والبكر بالسكوت )
 
[ 1419 ] قوله صلى الله عليه و سلم ( لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن قالوا
(9/202)

يا رسول الله وكيف اذنها قال أن تسكت ) وفي رواية الايم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها وأذنها صماتها وفي رواية الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر تستأمر وأذنها سكوتها وفي رواية والبكر يستأذنها أبوها في نفسها وأذنها صماتها قال العلماء الايم هنا الثيب كما فسرته الرواية الأخرى التي ذكرنا وللأيم معان أخر والصمات بضم الصاد هو السكوت قال القاضي اختلف العلماء في المراد بالأيم هنا مع اتفاق أهل اللغة على أنها تطلق على امرأة لا زوج لها صغيرة كانت أو كبيرة بكرا كانت أو ثيبا قاله ابراهيم الحربي واسماعيل القاضي وغيرهما والأيمة في اللغة العزوبة ورجل أيم وامرأة أيم وحكى أبو عبيد أنه أيمة أيضا قال القاضي ثم اختلف العلماء في المراد بها هنا فقال علماء الحجاز والفقهاء كافة المراد الثيب واستدلوا بأنه جاء مفسرا في الرواية الاخرى بالثيب كما ذكرناه وبأنها جعلت مقابلة للبكر وبأن أكثر استعمالها في اللغة للثيب وقال الكوفيون وزفر الايم هنا كل امرأة لا زوج لها بكرا كانت أو ثيبا كما هو مقتضاه في اللغة قالوا فكل امرأة بلغت فهي أحق بنفسها من وليها وعقدها على نفسها النكاح صحيح وبه قال الشعبي والزهري قالوا وليس الولى من أركان صحة النكاح بل من تمامه وقال الاوزاعي وأبو يوسف ومحمد تتوقف صحة النكاح على اجازة الولي قال القاضي واختلفوا أيضا في قوله صلى الله عليه و سلم أحق من وليها هل هي أحق بالإذن فقط أو بالإذن والعقد على نفسها فعند الجمهور بالاذن فقط وعند هؤلاء بهما جميعا وقوله صلى الله عليه و سلم أحق بنفسها يحتمل من حيث اللفظ أن المراد أحق من وليها في كل شيء من عقد وغيره كما قاله أبو حنيفة وداود ويحتمل أنها أحق بالرضا
(9/203)

أي لا تزوج حتى تنطق بالإذن بخلاف البكر ولكن لما صح قوله صلى الله عليه و سلم لا نكاح الا بولى مع غيره من الأحاديث الدالة على اشتراط الولي تعين الاحتمال الثاني وأعلم أن لفظة أحق هنا للمشاركة معناه أن لها في نفسها في النكاح حقا ولوليها حقا وحقها أوكد من حقه فإنه لو أراد تزويجها كفؤا وامتنعت لم تجبر ولو أرادت أن تتزوج كفؤا فامتنع الولي أجبر فإن أصر زوجها القاضي فدل على تأكيد حقها ورجحانه وأما قوله صلى الله عليه و سلم في البكر ولا تنكح البكر حتى تستأمر فاختلفوا في معناه فقال الشافعي وبن ابي ليلى وأحمد واسحق وغيرهم الاستئذان في البكر مأمور به فإن كان الولي أبا أو جدا كان الاستئذان مندوبا إليه ولو زوجها بغير استئذانها صح لكمال شفقته وإن كان غيرهما من الأولياء وجب الاستئذان ولم يصح إنكاحها قبله وقال الاوزاعي وأبو حنيفة وغيرهما من الكوفيين يجب الاستئذان في كل بكر بالغة وأما قوله صلى الله عليه و سلم في البكر اذنها صماتها فظاهره العموم في كل بكر وكل ولي وأن سكوتها يكفي مطلقا وهذا هو الصحيح وقال بعض أصحابنا ان كان الولي أبا أو جدا فاستئذانه مستحب ويكفى فيه سكوتها وان كان غيرهما فلا بد من نطقها لأنها تستحي من الأب والجد أكثر من غيرهما والصحيح الذي عليه الجمهور أن السكوت كاف في جميع الأولياء لعموم الحديث لوجود الحياء وأما الثيب فلا بد فيها من النطق بلا خلاف سواء كان الولي أبا أو غيره لأنه زال كمال حيائها بممارسة الرجال وسواء زالت بكارتها بنكاح صحيح أو فاسد أو بوطء شبهة أو بزنا ولو زالت بكارتها بوثبة أو بإصبع أو بطول المكث او وطئت في دبرها فلها ح كم الثيب على الأصح وقيل
(9/204)

حكم البكر والله أعلم ومذهبنا ومذهب الجمهور أنه لا يشترط اعلام البكر بأن سكوتها اذن وشرطه بعض المالكية واتفق عليه أصحاب مالك على استحبابه واختلف العلماء في اشتراط الولي في صحة النكاح فقال مالك والشافعي يشترط ولا يصح نكاح الا بولي وقال أبو حنيفة لا يشترط في الثيب ولا في البكر البالغة بل لها أن تزوج نفسها بغير اذن وليها وقال أبو ثور يجوز أن تزوج نفسها بإذن وليها ولا يجوز بغير اذنه وقال داود يشترط الولي في تزويج البكر دون الثيب واحتج مالك والشافعي بالحديث المشهور لا نكاح إلا بولي وهذا يقتضى نفي الصحة واحتج داود بأن الحديث المذكور في مسلم صريح في الفرق بين البكر والثيب وأن الثيب أحق بنفسها والبكر تستأذن وأجاب أصحابنا عنه بأنها أحق أي شريكة في الحق بمعنى أنها لا تجبر وهي أيضا أحق في تعيين الزوج واحتج أبو حنيفة بالقياس على البيع وغيره فإنها تستقل فيه بلا ولي وحمل الأحاديث الواردة في اشتراط الولى على الأمة والصغيرة وخص عمومها بهذا القياس وتخصيص العموم بالقياس جائز عند كثيرين من أهل الأصول واحتج أبو ثور بالحديث المشهور ايما امرأة نكحت بغير اذن وليها فنكاحها باطل ولأن الولي انما يراد ليختار كفؤا لدفع العار وذلك يحصل بإذنه قال العلماء ناقض داود مذهبه في شرط الولي في البكر دون الثيب لأنه احداث قول في مسألة مختلف فيها ولم يسبق إليه ومذهبه أنه لا يجوز احداث مثل هذا والله أعلم
(9/205)