( باب القسم بين الزوجات وبيان أن السنة )
 
( أن تكون لكل واحدة ليلة مع يومها ) مذهبنا أنه لا يلزمه أن يقسم لنسائه بل له اجتنابهن كلهن لكن يكره تعطيلهن مخافة من الفتنة عليهن والاضرار بهن فإن أراد القسم لم يجز له أن يبتديء بواحدة منهن الا بقرعة ويجوز أن يقسم ليلة ليلة وليلتين ليلتين وثلاثا ثلاثا ولا يجوز أقل من ليلة ولا يجوز الزيادة على الثلاثة الا برضاهن هذا هو الصحيح في مذهبنا وفيه أوجه ضعيفه في هذه المسائل غير ما ذكرته واتفقوا على أنه يجوز أن يطوف عليهن كلهن ويطأهن في الساعة الواحدة برضاهن ولا يجوز ذلك بغير رضاهن وإذا قسم كان لها اليوم الذي بعد ليلتها ويقسم للمريضة والحائض والنفساء لأنه يحصل لها الانس به ولأنه يستمتع بها بغير الوطيء من قبلة ونظر ولمس وغير ذلك قال أصحابنا وإذا قسم لا يلزمه الوطء ولا التسوية فيه بل له أن يبيت عندهن ولا يطأ واحدة منهن وله أن يطأ بعضهن في نوبتها دون بعض لكن يستحب أن لا يعطلهن وأن يسوى بينهن في ذلك كما قدمناه والله أعلم [ 1462 ] قوله ( كان للنبي صلى الله عليه و سلم تسع نسوة فكان اذا قسم بينهن لا ينتهى إلى المرأة الأولى الا في تسع وكن يجتمعن كل ليلة في بيت التي يأتيها فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم في بيت عائشة
(10/46)

فجاءت زينب فمد يده اليها فقالت هذه زينب فكف النبي صلى الله عليه و سلم يده فتقاولتا حتى استخبتا فمر أبو بكر على ذلك فسمع أصواتهما فقال اخرج يا رسول الله إلى الصلاة واحث في أفواههن التراب ) أما قوله تسع نسوة فهن اللاتي توفى عنهن صلى الله عليه و سلم وهن عائشة وحفصة وسودة وزينب وأم سلمة وأم حبيبة وميمونة وجويرية وصفية رضي الله عنهن ويقال نسوة ونسوة بكسر النون وضمها لغتان الكسر أفصح وأشهر وبه جاء القرآن العزيز وأما قوله فكان اذا قسم لهن لا ينتهى إلى الأولى الا في تسع فمعناه بعد انقضاء التسع وفيه أنه يستحب أن لا يزيد في القسم على ليلة ليلة لأن فيه مخاطرة بحقوقهن وأما قوله وكن يجتمعن كل ليلة إلى آخره ففيه أنه يستحب للزوج أن يأتى كل امرأة في بيتها ولا يدعوهن إلى بيته لكن لو دعا كل واحدة في نوبتها إلى بيته كان له ذلك وهو خلاف الأفضل ولو دعاها إلى بيت ضرائرها لم تلزمها الاجابة ولا تكون بالامتناع ناشزة بخلاف ما اذا امتنعت من الاتيان إلى بيته لأن عليها ضررا في الاتيان إلى ضرتها وهذا الاجتماع كان برضاهن وفيه أنه لا يأتي غير صاحبة النوبة في بيتها في الليل بل ذلك حرام عندنا الا لضرورة بأن حضرها الموت أو نحوه من الضرورات وأما مد يده إلى زينب وقول عائشة هذه زينب فقيل انه لم يكن عمدا بل ظنها عائشة صاحبة النوبة لأنه كان في الليل وليس في البيوت مصابيح وقيل كان مثل هذا برضاهن وأما قوله حتى استخبتا فهو بخاء معجمة ثم باء موحدة مفتوحتين ثم تاء مثناة فوق من السخب وهو اختلاط الأصوات وارتفاعها ويقال أيضا صخب بالصاد هكذا هو في معظم الأصول وكذا نقله القاضي عن رواية الجمهور وفي بعض النسخ
(10/47)

استخبثتا بثاء مثلثة أي قالتا الكلام الردئ وفي بعضها استحيتا من الاستحياء ونقل القاضي عن رواية بعضهم استحثتا بمثلثة ثم مثناة قال ومعناه أن لم يكن تصحيفا أن كل واحدة حثت في وجه الأخرى التراب وفي هذا الحديث ما كان عليه النبي صلى الله عليه و سلم من حسن الخلق وملاطفة الجميع وقد يحتج الحنفية بقوله مديده ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ ولا حجة فيه فإنه لم يذكر أنه لمس بلا حائل ولا يحصل مقصودهم حتى يثبت أنه لمس بشرتها بلا حائل ثم صلى ولم يتوضأ وليس في الحديث شيء من هذا وأما قوله احث في أفواههن التراب فمبالغة في زجرهن وقطع خصامهن وفيه فضيلة لأبي بكر رضي الله عنه وشفقته ونظره في المصالح وفيه إشارة المفضول على صاحبه الفاضل بمصلحته والله أعلم