( باب جواز هبتها نوبتها لضرتها )
 
[ 1463 ] قوله ( عن عائشة رضي الله عنها ما رأيت امرأة أحب إلى أن أكون في مسلاخها من سودة بنت زمعة من امرأة فيها حدة ) المسلاخ بكسر الميم وبالخاء المعجمة وهو الجلد ومعناه أن أكون أنا هي وزمعة بفتح الميم وإسكانها وقولها من امرأة قال القاضي من هنا للبيان واستفتاح الكلام ولم ترد عائشة عيب سودة بذلك بل وصفتها بقوة النفس وجودة القريحة وهي الحدة بكسر الحاء قولها ( فلما كبرت جعلت يومها من رسول الله صلى الله عليه و سلم لعائشة ) فيه جواز هبتها نوبتها لضرتها لأنه حقها لكن يشترط رضا الزوج بذلك لأن له حقا في الواهبة فلا يفوته الا برضاه ولا يجوز أن تأخذ على هذه الهبة عوضا ويجوز أن تهب للزوج فيجعل الزوج نوبتها لمن شاء وقيل يلزمه توزيعها على الباقيات ويجعل الواهبة كالمعدومة والأول أصح وللواهبة الرجوع متى شاءت فترجع في المستقبل دون الماضي لأن الهبات يرجع فيما لم يقبض منها دون المقبوض
(10/48)

وقولها جعلت يومها أي نوبتها وهي يوم وليلة وقولها كان يقسم لعائشة يومين يومها ويوم سودة ومعناه أنه كان يكون عند عائشة في يومها ويكون عندها أيضا في يوم سودة لا أنه يوالي لها اليومين والأصح عند أصحابنا أنه لا يجوز الموالاة للموهوب لها الا برضى الباقيات وجوزه بعض أصحابنا بغير رضاهن وهو ضعيف قولها ( وكانت أول امرأة تزوجها بعدى ) كذا ذكره مسلم من رواية يونس عن شريك أنه صلى الله عليه و سلم تزوج عائشة قبل سودة وكذا ذكره يونس أيضا عن الزهري وعن عبد الله بن محمد بن عقيل وروى عقيل بن خالد عن الزهري أنه تزوج سودة قبل عائشة قال بن عبد البر وهذا قول قتادة وأبي عبيدة قلت وقاله أيضا محمد بن إسحاق ومحمد بن سعد كاتب الواقدى وبن قتيبة وآخرون قولها ( ما أرى ربك إلا يسارع في هواك ) هو بفتح
(10/49)

الهمزة من أرى ومعناه يخفف عنك ويوسع عليك في الأمور ولهذا خيرك [ 1464 ] قوله ( عن عائشة قال كنت أغار على اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله صلى الله عليه و سلم وأقول وتهب المرأة نفسها فلما أنزل الله تعالى ترجى من تشاء منهن وتؤوى اليك من تشاء إلى آخره ) هذا من خصائص رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو زواج من وهبت نفسها له بلا مهر قال الله تعالى خالصة لك من دون المؤمنين واختلف العلماء في هذه الآية وهي قوله تعالى ترجى من تشاء فقيل ناسخة لقوله تعالى لا يحل لك النساء من بعد ومبيحة له أن يتزوج ما شاء وقيل بل نسخت تلك الآية بالسنة قال زيد بن أرقم تزوج رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد نزول هذه الآية ميمونة ومليكة وصفية وجويرية وقالت عائشة ما مات رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى أحل له النساء وقيل عكس هذا وأن قوله تعالى لا تحل لك النساء ناسخة لقوله تعالى ترجى من تشاء والأول أصح قال أصحابنا الأصح أنه صلى الله عليه و سلم ما توفى حتى أبيح له النساء مع أزواجه [ 1465 ] قوله ( أخبرنا بن جريج قال اخبرنى عطاء قال حضرنا مع بن عباس جنازة ميمونة زوج النبي صلى الله عليه و سلم بسرف ) اتفق العلماء على أنها توفيت بسرف بفتح السين وكسر الراء وبالفاء وهو مكان بقرب مكة بينه وبينها ستة أميال وقيل سبعة وقيل تسعة وقيل اثنا عشر قوله ( كان عند
(10/50)

رسول الله صلى الله عليه و سلم تسع يقسم لثمان ولا يقسم لواحدة ) قال عطاء التي لا يقسم لها صفية بنت حي بن أخطب أما قوله تسع فصحيح وهن معروفات سبق بيان أسمائهن قريبا وقوله يقسم لثمان شهور وأما قول عطاء التي لا يقسم لها صفية فقال العلماء هو وهم من بن جريج الراوى عن عطاء وإنما الصواب سودة كما سبق في الأحاديث واختلفوا في التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه و سلم فقال الزهري هي ميمونة وقيل أم شريك وقيل زينب بنت خزيمة قوله ( قال عطاء كانت آخرهن موتا ماتت بالمدينة ) قال القاضي ظاهر كلام عطاء أنه أراد بآخرهن موتا ميمونة وقد ذكر في الحديث أنها ماتت بسرف وهي بقرب مكة فقوله بالمدينة وهم قوله آخرهن موتا قيل ماتت ميمونة سنة ثلاث وستين وقيل ست وستين وقيل احدى وخمسين قبل عائشة لأن عائشة توفيت سنة سبع وقيل ثمان وخمسين وأما صفية فتوفيت سنة خمسين بالمدينة هذا كلام القاضي ويحتمل أن قوله ماتت بالمدينة عائد على صفية ولفظه فيه صحيح يحتمله أو ظاهر فيه والله أعلم