كتاب اللعان اللعان والملاعنة
 
( كتاب اللعان اللعان والملاعنة والتلاعن ملاعنة الرجل امرأته يقال تلاعنا والتعنا ولاعن القاضي بينهما وسمى لعانا لقول الزوج على لعنة الله ان كنت من الكاذبين قال العلماء من أصحابنا وغيرهم واختير لفظ اللعن على لفظ الغضب وإن كانا موجودين في الآية الكريمة وفي صورة اللعان لأن لفظ اللعنة متقدم في الآية الكريمة وفي صورة اللعان ولأن جانب الرجل فيه أقوى من جانبها لأنة قادر على الابتداء باللعان دونها ولأنه قد ينفك لعانه عن لعانها ولا ينعكس وقيل سمى لعانا من اللعن وهو الطرد والابعاد لأن كلا منهما يبعد عن صاحبه ويحرم النكاح بينهما على التأبيد بخلاف المطلق وغيره واللعان عند جمهور أصحابنا يمين وقيل شهادة وقيل يمين فيها ثبوت شهادة وقيل عكسه قال العلماء وليس من الأيمان شيء متعدد الا اللعان والقسامة ولا يمين في جانب المدعى الا فيهما والله أعلم قال العلماء وجوز اللعان لحفظ الأنساب ودفع المضرة عن الأزواج وأجمع العلماء على صحة اللعان في الجملة واللة أعلم واختلف العلماء في نزول آية اللعان هل هو بسبب عويمر العجلاني أم بسبب هلال بن أمية فقال بعضهم بسبب عويمر العجلانى واستدل بقوله صلى الله عليه و سلم في الحديث الذى ذكره مسلم في الباب أولا لعويمر قد أنزل الله فيك وفي صاحبتك وقال جمهور العلماء سبب نزولها قصة هلال بن أمية واستدلوا بالحديث الذى ذكره مسلم بعد هذا في قصة هلال )
(10/119)

قال وكان أول رجل لاعن في الاسلام قال الماوردى من أصحابنا في كتابه الحاوى قال الأكثرون قصة هلال بن أمية أسبق من قصة العجلانى قال والنقل فيهما مشتبه ومختلف وقال بن الصباغ من أصحابنا في كتابه الشامل في قصة هلال تبين أن الآية نزلت فيه أولا قال وأما قوله صلى الله عليه و سلم لعويمر ان الله قد أنزل فيك وفى صاحبتك فمعناه ما نزل فى قصة هلال لأن ذلك حكم عام لجميع الناس قلت ويحتمل أنها نزلت فيهما جميعا فلعلهما سألا في وقتين متقاربين فنزلت الآية فيهما وسبق هلال باللعان فيصدق أنها نزلت في هذا وفي ذاك وأن هلالا أول من لاعن والله أعلم قالوا وكانت قصة اللعان في شعبان سنة تسع من الهجرة وممن نقله القاضي عياض عن بن جرير الطبرى [ 1492 ] قوله ( فكره رسول الله صلى الله عليه و سلم المسائل وعابها ) المراد كراهة المسائل التي لا يحتاج اليها لا سيما ما كان فيه هتك ستر مسلم أو مسلمة أو اشاعة فاحشة أو شناعة على مسلم أو مسلمة قال العلماء أما اذا كانت المسائل مما يحتاج إليه في أمور الدين وقد وقع فلا كراهة فيها وليس هو المراد في الحديث وقد كان المسلمون يسألون رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الأحكام الواقعة فيجيبهم ولا يكرهها وإنما كان سؤال عاصم في هذا الحديث عن قصة لم تقع بعد ولم يحتج اليها وفيها شناعة على المسلمين والمسلمات وتسليط اليهود والمنافقين ونحوهم على الكلام في أعراض المسلمين وفي الاسلام ولأن من المسائل ما يقتضى جوابه تضييقا وفي الحديث الآخر أعظم الناس
(10/120)

حربا من سأل عما لم يحرم فحرم من أجل مسألته قوله ( يا رسول الله أرأيت رجلا وجد مع امراته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم قد نزل فيك وفي صاحبتك فاذهب فأت بها قال سهل فتلاعنا ) هذا الكلام فيه حذف ومعناه أنه سأل وقذف امرأته وأنكرت الزنى وأصر كل واحد منهما على قوله ثم تلاعنا قوله ( أيقتل فتقتلونه ) معناه اذا وجد رجلا مع امرأته وتحقق أنه زنا بها فإن قتله قتلتموه وإن تركه صبر على عظيم فكيف طريقه وقد اختلف العلماء فيمن قتل رجلا وزعم أنه وجده قد زنى بامرأته فقال جمهورهم لا يقبل قوله بل يلزمه القصاص الا أن تقوم بذلك بينه أو يعترف به ورثة القتيل والبينة أربعة من عدول الرجال يشهدون على نفس الزنى ويكون القتيل محصنا وأما فيما بينه وبين الله تعالى فإن كان صادقا فلا شيء عليه وقال بعض أصحابنا يجب على كل من قتل زانيا محصنا القصاص ما لم يأمر السلطان بقتله والصواب الأول وجاء عن بعض السلف تصديقه في أنه زنى بامرأته وقتله بذلك قوله ( قال سهل فتلاعنا وأنا مع الناس عند رسول الله صلى الله عليه و سلم ) فيه أن اللعان يكون بحضرة الامام أو القاضي وبمجمع من الناس وهو أحد أنواع تغليظ اللعان فإنه تغليظ بالزمان والمكان والجمع فأما الزمان فبعد العصر والمكان في أشرف موضع في ذلك البلد والجمع طائفة من الناس أقلهم أربعة وهل هذه التغليظات واجبة أم مستحبة فيه خلاف عندنا الأصح الاستحباب قوله ( فلما فرغا قال عويمر كذبت عليها يا رسول الله ان أمسكتها ) فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه و سلم قال بن شهاب فكانت سنة المتلاعنين وفي الرواية الأخرى فطلقها ثلاثا
(10/121)

قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه و سلم ففارقها عند النبي صلى الله عليه و سلم فقال النبي صلى الله عليه و سلم ذاكم التفريق بين كل متلاعنين وفي الرواية الأخرى أنه لاعن ثم لاعنت ثم فرق بينهما وفي رواية أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لا سبيل لك عليها اختلف العلماء في الفرقة باللعان فقال مالك والشافعي والجمهور تقع الفرقة بين الزوجين بنفس التلاعن ويحرم عليه نكاحها على التأبيد لهذه الأحاديث لكن قال الشافعي وبعض المالكية تحصل الفرقة بلعان الزوج وحده ولا تتوقف على لعان الزوجة وقال بعض المالكية تتوقف على لعانها وقال أبو حنيفة لا تحصل الفرقة الا بقضاء القاضي بها بعد التلاعن لقوله ثم فرق بينهما وقال الجمهور لا تفتقر إلى قضاء القاضي لقوله صلى الله عليه و سلم لا سبيل لك عليها والرواية الأخرى ففارقها وقال الليث لا أثر للعان في الفرقة ولا يحصل به فراق أصلا واختلف القائلون بتأبيد التحريم فيما اذا أكذب بعد ذلك نفسه فقال أبو حنيفة تحل له لزوال المعنى المحرم وقال مالك والشافعي وغيرهما لا تحل له أبدا لعموم قوله صلى الله عليه و سلم لا سبيل لك عليها والله أعلم وأما قوله كذبت عليها يا رسول الله ان أمسكتها فهو كلام تام مستقل ثم ابتدأ فقال هي طالق ثلاثا تصديقا لقوله في أنه لا يمسكها وإنما طلقها لأنه ظن أن اللعان لا يحرمها عليه فأراد تحريمها بالطلاق فقال هي طالق ثلاثا فقال له النبي صلى الله عليه و سلم لا سبيل لك عليها أي لا ملك لك عليها فلا يقع طلاقك وهذا دليل على أن الفرقة تحصل بنفس اللعان واستدل به أصحابنا على أن جمع الطلقات الثلاث بلفظ واحد ليس حراما وموضع الدلالة أنه لم ينكر عليه اطلاق لفظ الثلاث وقد يعترض على هذا فيقال انما لم ينكر عليه لأنه لم يصادف الطلاق محلا مملوكا له ولا نفوذا ويجاب عن هذا الاعتراض بأنه لو كان الثلاث محرما لأنكر عليه وقال له كيف ترسل لفظ الطلاق الثلاث مع أنه حرام والله أعلم وقال بن نافع من أصحاب مالك انما طلقها ثلاثا بعد اللعان لأنه يستحب اظهار الطلاق بعد اللعان مع أنه قد حصلت الفرقة بنفس اللعان وهذا فاسد وكيف يستحب للانسان أن يطلق من صارت أجنبية وقال محمد بن أبي صفرة المالكي لا تحصل الفرقة بنفس اللعان واحتج بطلاق عويمر وبقوله أن أمسكتها وتأوله الجمهور كما سبق والله أعلم وأما قوله ( قال بن شهاب فكانت سنة
(10/122)

المتلاعنين ) فقد تأوله بن نافع المالكي على أن معناه استحباب الطلاق بعد اللعان كما سبق وقال الجمهور معناه حصول الفرقة بنفس اللعان وأما قوله صلى الله عليه و سلم ( ذاكم التفريق بين كل متلاعنين فمعناه عند مالك والشافعي والجمهور بيان أن الفرقة تحصل بنفس اللعان بين كل متلاعنين وقيل معناه تحريمها على التأبيد كما قال جمهور العلماء قال القاضي عياض واتفق علماء الأمصار على أن مجرد قذفه لزوجته لا يحرمها عليه الا أبا عبيد فقال تصير محرمه عليه بنفس القذف بغير لعان قوله ( وكانت حاملا فكان ابنها يدعى إلى أمه ثم جرت السنة أن يرثها وترث منه ما فرض الله لها ) فيه جواز لعان الحامل وأنه اذا لاعنها ونفى عنه نسب الحمل انتفى عنه وأنه يثبت نسبه من الأم ويرثها وترث منه ما فرض الله للأم وهو الثلث ان لم يكن للميت ولد ولا ولد بن ولا اثنان من الأخوة أو الأخوات وإن كان شيء من ذلك فلها السدس وقد أجمع
(10/123)

العلماء على جريان التوارث بينه وبين أمه وبينه وبين أصحاب الفروض من جهة أمه وهم اخوته وأخواته من أمه وجداته من أمه ثم اذا دفع إلى أمه فرضها أو إلى أصحاب الفروض وبقى شيء فهو لموالي أمه إن كان عليها ولاء ولم يكن عليه هو ولا بمباشرة اعتاقه فإن لم يكن لها موال فهو لبيت المال هذا تفصيل مذهب الشافعي وبه قال الزهري ومالك وأبو ثور وقال الحكم وحماد ترثه ورثة أمه وقال آخرون عصبة أمه روى هذا عن علي وبن مسعود وعطاء وأحمد بن حنبل قال أحمد فإن انفردت الأم أخذت جميع ماله بالعصوبة وقال أبو حنيفة اذا انفردت أخذت الجميع لكن الثلث بالفرض والباقي بالرد على قاعدة مذهبه في اثبات الرد والله أعلم قوله ( فتلاعنا في المسجد ) فيه استحباب كون اللعان في المسجد وقد سبق بيانه [ 1493 ] قوله ( فقلت للغلام استأذن لي قال انه قائل فسمع صوتي فقال بن جبير قلت نعم ) أما قوله أنه قائل فهو من القيلولة وهي النوم نصف النهار وأما قوله بن جبير فهو برفع بن وهو استفهام أي أأنت بن جبير قوله ( فوجدته
(10/124)

مفترشا برذعة ) هو بفتح الباء وفيه زهادة بن عمر وتواضعه قوله ( ووعظه وذكره وأخبره أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة ) وفعل بالمرأة مثل ذلك فيه أن الامام يعظ المتلاعنين ويخوفهما من وبال اليمين الكاذبة وأن الصبر على عذاب الدنيا وهو الحد أهون من عذاب الآخرة قوله ( فبدأ بالرجل فشهد أربع شهادات إلى آخره ) فيه أن الابتداء فى اللعان يكون بالزوج لأن الله تعالى بدأ به ولأنه يسقط عن نفسه حد قذفها وينفى النسب ان كان ونقل القاضي وغيره اجماع المسلمين على الابتداء بالزوج ثم قال الشافعى وطائفة لو لاعنت المرأة قبله لم يصح لعانها وصححه أبو حنيفة وطائفة قوله ( فشهد أربع شهادات بالله انه لمن الصادقين والخامسة أن لعنة الله عليه ان كان من الكاذبين ) هذه ألفاظ اللعان وهى مجمع عليها قوله صلى الله عليه و سلم
(10/125)

للمتلاعنين ( حسابكما على الله أحدكما كاذب ) قال القاضي ظاهره أنه قال هذا الكلام بعد فراغهما من اللعان والمراد بيان أنه يلزم الكاذب التوبة قال وقال الداودى انما قاله قبل اللعان تحذيرا لهما منه قال والأول أظهر وأولى بسياق الكلام قال وفيه رد على من قال من النحاة أن لفظة أحد لا تستعمل الا فى النفى وعلى من قال منهم لا تستعمل الا فى الوصف ولا تقع موقع واحد وقد وقعت في هذا الحديث في غير نفي ولا وصف ووقعت موقع واحد وقد أجازه المبرد ويؤيده قوله تعالى فشهادة أحدهم وفي هذا الحديث أن الخصمين المتكاذبين لا يعاقب واحد منهما وإن علمنا كذب أحدهما على الابهام قوله ( يا رسول الله مالي قال لا مال لك إن كنت صدقت عليها فهو بما استحللت من فرجها وإن كنت كذبت عليها فذاك أبعد لك منها ) في هذا دليل على استقرار المهر بالدخول وعلى ثبوت مهر الملاعنة المدخول بها والمسئلتان مجمع عليهما وفيه أنها لو صدقته وأقرت بالزنى لم يسقط مهرها
(10/126)

[ 1495 ] قوله صلى الله عليه و سلم ( اللهم افتح ) معناه بين لنا الحكم فى هذا [ 1496 ] قوله ( ان هلال بن أمية قذف امرأته بشريك بن سحماء ) هي بسين مفتوحة ثم حاء ساكنة مهملتين وبالمد وشريك هذا صحابى بلوى حليف الأنصار قال القاضي وقول من قال انه يهودى باطل قوله ( وكان أول رجل لاعن فى الاسلام ) سبق بيانه فى اول هذا الباب قوله صلى الله عليه و سلم 0 لعلها أن تجىء به اسود جعدا ) وفى الرواية الأخرى فإن جاءت به سبطا قضيء العينين فهو لهلال وان جاءت به أكحل جعدا حمش الساقين فهو لشريك أما الجعد فبفتح الجيم وإسكان العين قال الهروى الجعد فى صفات الرجال يكون مدحا ويكون ذما فإذا كان مدحا فله معنيان أحدهما
(10/128)

أن يكون معصوب الحلق شديد الأسر والثانى أن يكون شعره غير سبط لأن السبوطة أكثرها في شعور العجم وأما الجعد المذموم فله معنيان أحدهما القصير المتردد والآخر البخيل يقال جعد الأصابع وجعد اليدين أى بخيل وأما السبط فبكسر الباء وإسكانها وهو الشعر المسترسل وأما حمش الساقين فبحاء مهملة مفتوحة ثم ميم ساكنة ثم شين معجمة أى رقيقهما والحموشة الدقة وأما قضئ العينين فمهموز ممدود على وزن فعيل وهو بالضاد المعجمة ومعناه فاسدهما بكثرة دمع أو حمرة أو غير ذلك [ 1497 ] قوله ( وكان خدلا ) هو بفتح الخاء المعجمة
(10/129)

وإسكان الدال المهملة وهو الممتلئ الساق قوله صلى الله عليه و سلم ( لو رجمت أحدا بغير بينة رجمت هذه ) وفسرها بن عباس بأنها امرأة كانت تظهر في الاسلام السوء وفي رواية أنها امرأه أعلنت معنى الحديث أنه اشتهر وشاع عنها الفاحشة ولكن لم يثبت ببينة ولا اعتراف ففيه أنه لا يقام الحد بمجرد الشياع والقرائن بل لابد من بينة أو اعتراف [ 1498 ] قوله ( ان سعد بن عبادة قال يا رسول الله أرأيت الرجل يجد مع امرأته رجلا أيقتله قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا قال سعد بلى والذى أكرمك بالحق فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم اسمعوا
(10/130)

إلى ما يقول سيدكم ) وفي الرواية الأخرى كلا والذي بعثك بالحق ان كنت لأعاجله بالسيف قال الماوردى وغيره ليس قوله هو ردا لقول النبى صلى الله عليه و سلم ولا مخالفة من سعد بن عبادة لأمره صلى الله عليه و سلم وإنما معناه الاخبار عن حالة الانسان عند رؤيته الرجل عند امرأته واستيلاء الغضب عليه فإنه حينئذ يعاجله بالسيف وإن كان عاصيا وأما السيد فقال بن الانبارى وغيره هو الذى يفوق قومه في الفخر قالوا والسيد أيضا الحليم وهو أيضا حسن الخلق وهو أيضا الرئيس ومعنى الحديث تعجبوا من قول سيدكم [ 1499 ] قوله ( لضربته بالسيف غير مصفح ) هو بكسر الفاء أى غير ضارب بصفح السيف وهو جانبه بل أضربه بحده
(10/131)

قوله صلى الله عليه و سلم ( انه لغيور وأنا أغير منه ) وفي الرواية الأخرى والله أغير منى من أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن قال العلماء الغيره بفتح الغين وأصلها المنع والرجل غيور على أهله أى يمنعهم من التعلق بأجنبى بنظر أو حديث أو غيره والغيره صفة كمال فأخبر صلى الله عليه و سلم بأن سعدا غيور وأنه أغير منه وأن الله أغير منه صلى الله عليه و سلم وأنه من أجل ذلك حرم الفواحش فهذا تفسير لمعنى غيرة الله تعالى أي أنها منعه سبحانه وتعالى الناس من الفواحش لكن الغيرة في حق الناس يقارنها تغير حال الانسان وانزعاجه وهذا مستحيل في غيرة الله تعالى قوله صلى الله عليه و سلم ( لا شخص أغير من الله تعالى ) أى لا أحد وإنما قال لا شخص استعارة وقيل معناه لا ينبغى لشخص أن يكون أغير من الله تعالى ولا يتصور ذلك منه فينبغى أن يتأدب الانسان بمعاملته سبحانه وتعالى لعباده فإنه لا يعاجلهم بالعقوبة بل حذرهم وأنذرهم وكرر ذلك عليهم وأمهلهم فكذا ينبغى للعبد أن لا يبادر بالقتل وغيره في غير موضعه فإن الله تعالى لم يعاجلهم بالعقوبة مع أنه لو عاجلهم كان عدلا منه سبحانه وتعالى قوله صلى الله عليه و سلم ( ولا شخص أحب إليه العذر من الله تعالى من أجل ذلك بعث الله المرسلين مبشرين ومنذرين ولا شخص أحب إليه المدحة من الله من أجل ذلك وعد الجنة ) معنى الأول ليس أحد أحب إليه الأعذار من الله تعالى فالعذر هنا بمعنى الاعذار والانذار قبل أخذهم بالعقوبة ولهذا بعث المرسلين كما قال سبحانه وتعالى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا والمدحة بكسر الميم وهو المدح بفتح الميم فإذا ثبتت الهاء كسرت الميم
(10/132)

وإذا حذفت فتحت ومعنى من أجل ذلك وعد الجنة أنه لما وعدها ورغب فيها كثر سؤال العباد إياها منه والثناء عليه والله أعلم [ 1500 ] قوله ( ان امرأتى ولدت غلاما أسود فقال النبى صلى الله عليه و سلم هل لك من إبل قال نعم قال فما ألوانها قال حمر قال هل فيها من أورق قال ان فيها لورقا قال فأنى أتاها ذاك قال عسى أن يكون نزعه عرق ) أما الأورق فهو الذى فيه سواد ليس بصاف ومنه قيل للرماد أورق وللحمامة ورقاء وجمعه ورق بضم الواو وإسكان الراء كأحمر وحمر والمراد بالعرق هنا الأصل من النسب تشبيها بعرق الثمرة ومنه قولهم فلان معرق في النسب والحسب وفي اللؤم والكرم ومعنى نزعه أشبهه واجتذبه إليه وأظهر لونه عليه وأصل
(10/133)

النزع الجذب فكأنه جذبه إليه لشبهه يقال منه نزع الولد لأبيه وإلى أبيه ونزعه أبوه ونزعه إليه وفي هذا الحديث أن الولد يلحق الزوج وإن خالف لونه لونه حتى لو كان الأب أبيض والولد أسود أو عكسه لحقة ولا يحل له نفيه بمجرد المخالفة في اللون وكذا لو كان الزوجان أبيضين فجاء الولد أسود أو عكسه لاحتمال أنه نزعه عرق من أسلافه وفي هذا الحديث أن التعريض بنفي الولد ليس نفيا وأن التعريض بالقذف ليس قذفا وهو مذهب الشافعى وموافقيه وفيه إثبات القياس والاعتبار بالأشباه وضرب الأمثال وفيه الاحتياط للانساب وإلحاقها بمجرد الامكان قوله في الرواية الأخرى ( ان امرأتى ولدت غلاما أسود وإني أنكرته ) معناه استغربت بقلبى أن يكون منى لا أنه نفاه عن نفسه بلفظه والله أعلم
(10/134)