باب بيان أن الولاء لمن أعتق
 
( باب بيان أن الولاء لمن أعتق فيه حديث عائشة في قصة بريرة وأنها كانت مكاتبة فاشترتها عائشة وأعتقتها وأنهم شرطوا ولاءها [ 1504 ] وقول النبى صلى الله عليه و سلم ( انما الولاء لمن اعتق ) وهو حديث عظيم كثير الأحكام والقواعد وفيه مواضع تشعبت فيها المذاهب احدها أنها كانت مكاتبة وباعها الموالى واشترتها عائشة وأقر النبى صلى الله عليه و سلم بيعها فاحتج به طائفة من العلماء في أنه يجوز بيع المكاتب وممن جوزه عطاء والنخعى وأحمد ومالك وفي رواية عنه وقال بن مسعود وربيعة وأبو حنيفة والشافعى وبعض المالكية ومالك في رواية عنه لا يجور بيعه وقال بعض العلماء يجوز بيعه للعتق لا للاستخدام وأجاب من أبطل بيعه عن حديث بريرة بأنها عجزت نفسها وفسخوا الكتابة والله أعلم الموضع )
(10/139)

الثاني قوله صلى الله عليه و سلم ( اشتريها واعتقيها واشترطى لهم الولاء فإن الولاء لمن أعتق ) وهذا مشكل من حيث أنها اشترتها وشرطت لهم الولاء وهذا الشرط يفسد البيع ومن حيث انها خدعت البائعين وشرطت لهم مالا يصح ولا يحصل لهم وكيف أذن لعائشة في هذا ولهذا الاشكال أنكر بعض العلماء هذا الحديث بجملته وهذا منقول عن يحيى بن أكثم واستدل بسقوط هذه اللفظة في كثير من الروايات وقال جماهير العلماء هذه اللفظة صحيحة واختلفوا في تأويلها فقال بعضهم بعضهم قوله اشترطى لهم أي عليهم كما قال تعالى لهم اللعنة بمعنى عليهم وقال تعالى ان أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها أى فعليها وهذا منقول عن الشافعى والمزنى وقاله غيرهما أيضا وهو ضعيف لانه صلى الله عليه و سلم أنكر عليهم الاشتراط ولو كان كما قاله صاحب هذا التأويل لم ينكره وقد يجاب عن هذا بأنه صلى الله عليه و سلم انما أنكر ما أرادوا اشتراطه في أول الأمر وقيل معنى اشترطي لهم الولاء أظهرى لهم حكم الولاء وقيل المراد الزجر والتوبيخ لهم لأنه صلى الله عليه و سلم كان بين لهم حكم الولاء وأن هذا الشرط لا يحل فلما ألحول في اشتراطه ومخالفة الامر قال لعائشة هذا بمعنى لا تبالى سواء شركته أم لا فإنه شرط باطل مردود لانه قد سبق بيان ذلك لهم فعلى هذا بمعنى لا تكون لفظة اشترطي هنا للاباحة والاصح في تأويل الحديث ما قال أصحابنا في كتب الفقه أن هذا الشرط خاص في قصة عائشة واحتمل هذا الإذن وابطاله في هذه القصة الخاصة وهي قصية عين لا عموم لها قالوا والحكمة في اذنه ثم ابطاله أن يكون أبلغ في قطع عادتهم في ذلك وزجرهم عن مثله كما أذن لهم صلى الله عليه و سلم في الاحرام بالحج في حجة الوداع ثم أمرهم بفسخه وجعله عمرة بعد أن أحرموا بالحج وإنما فعل ذلك ليكون أبلغ في زجرهم وقطعهم عما اعتادوه من منع العمرة في أشهر الحج وقد تحتمل المفسدة اليسيرة لتحصيل مصلحة عظيمة والله أعلم الموضع الثالث قوله صلى الله عليه و سلم انما الولاء لمن أعتق وقد أجمع المسلمون على ثبوت الولاء لمن أعتق عبده أو أمته عن نفسه وأنه يرث به وأما العتيق فلا يرث سيده عند الجماهير وقال جماعة من التابعين يرثه كعكسه وفي هذا الحديث دليل على أنه لا ولاء لمن أسلم على يديه ولا لملتقط ولا لمن حالف انسانا على
(10/140)

المناصرة وبهذا كله قال مالك والاوزاعى والثورى والشافعى وأحمد وداود وجماهير العلماء قالوا وإذا لم يكن لأحد من هؤلاء المذكورين وارث فماله لبيت المال وقال ربيعة والليث وأبو حنيفة وأصحابه من أسلم على يديه رجل فولاؤه له وقال إسحاق بن راهويه يثبت للملتقط الولاء على اللقيط وقال ابو حنيفة يثبت الولاء بالحلف ويتوارثان به دليل الجمهور حديث انما الولاء لمن أعتق وفيه دليل على أنه اذا أعتق عبده سائبة أي على أن لا ولاء له عليه يكون الشرط لاغيا ويثبت له الولاء عليه وهذا مذهب الشافعى وموافقيه وأنه لو أعتقه على مال أو باعه نفسه يثبت له عليه الولاء وكذا لو كاتبه أو استولدها وعتقت بموته ففي كل هذه الصور يثبت الولاء ويثبت الولاء للمسلم على الكافر وعكسه وإن كانا لا يتوارثان في الحال لعموم الحديث الموضع الرابع أن النبى صلى الله عليه و سلم خير بريرة في فسخ نكاحها وأجمعت الأمة على أنها اذا عتقت كلها تحت زوجها وهو عبد كان لها الخيار في فسخ النكاح فإن كان حرا فلا خيار لها عند مالك والشافعى والجمهور وقال أبو حنيفة لها الخيار واحتج برواية من روى أنه كان زوجها حرا وقد ذكرها مسلم من رواية شعبة بن عبد الرحمن بن القاسم لكن قال شعبة ثم سألته عن زوجها فقال لا أدري واحتج الجمهور بأنها قضية واحدة والروايات المشهورة في صحيح مسلم وغيره أن زوجها كان عبدا قال الحفاظ ورواية من روى أنه كان حرا غلط وشاذة مردودة لمخالفتها المعروف في روايات الثقات ويؤيده أيضا قول عائشة قالت كان عبدا ولو كان حرا لم يخيرها رواه مسلم وفي هذا الكلام دليلان أحدهما اخبارها أنه كان عبدا وهى صاحبة القضية والثانى قولها لو كان حرا لم يخيرها ومثل هذا لا يكاد أحد يقوله الا توقيفا ولأن الأصل في النكاح اللزوم ولا طريق إلى فسخه الا بالشرع وإنما ثبت في العبد فبقى الحر على الأصل ولأنه لا ضرر ولا عار عليها وهي حرة في المقام تحت حر وإنما يكون ذلك اذا قامت تحت عبد فأثبت لها الشرع الخيار في العبد لازالة الضرر بخلاف الحر قالوا ولأن رواية هذا الحديث تدور على عائشة وبن عباس فأما بن عباس فاتفقت الروايات عنه أن زوجها كان عبدا وأما عائشة فمعظم الروايات عنها أيضا أنه كان عبدا فوجب ترجيحها والله أعلم الموضع الخامس قوله
(10/141)

أدى الثلث وعن عطاء مثله اذا أدى ثلاثة أرباع المال التاسعة ان الكتابة تكون على نجوم لقوله في بعض روايات مسلم هذه ان بريرة قالت ان أهلها كاتبوها على تسع أواق في تسع سنين كل سنة وقية ومذهب الشافعى أنها لا تجوز على نجم واحد بل لا بد من نجمين فصاعدا وقال مالك والجمهور تجوز على نجوم وتجوز على نجم واحد العاشرة ثبوت الخيار للأمة اذا عتقت تحت عبد الحادية عشر تصحيح الشروط التي دلت عليه أصول الشرع وابطال ما سواها الثانية عشر جواز الصدقة على موالى قريش الثالثة عشر جواز قبول هدية الفقير والمعتق الرابعة عشر جواز الصدقة على موالى قريش الثالثة عشر جواز قبول هدية الفقير والمعتق الرابعة عشر تحريم الصدقة على رسول الله صلى الله عليه و سلم لقولها وأنت لا تأكل الصدقة ومذهبنا انه كان تحرم عليه صدقة الفرض بلا خلاف وكذا صدقة التطوع على الأصح الخامسة عشر أن الصدقة لا تحرم على قريش غير بنى هاشم وبنى المطلب لأن عائشة قرشية وقبلت ذلك اللحم من بريرة على أن له حكم الصدقة وإنما حلال لها دون النبي صلى الله عليه و سلم ولم ينكر عليها النبي صلى الله عليه و سلم هذا الاعتقاد السادسة عشر جواز سؤال الرجل عما يراه في بيته وليس هذا مخالفا لما في حديث أم زرع في قولها ولا يسأل عما عهد لأن معناه لا يسأل عن شيء عهده وفات فلا يسأل أين ذهب وأما هنا فكانت البرمة واللحم فيها موجودين حاضرين فسألهم النبى صلى الله عليه و سلم عما فيها ليبين لهم حكمه لأنه يعلم أنهم لا يتركون احضاره له شحا عليه به بل لتوهمهم تحريمه عليه فأراد بيان ذلك لهم السابعة عشر جواز السجع اذ لم يتكلف وإنما نهى عن سجع الكهان ونحوه مما فيه تكلف الثامنة عشر اعانة المكاتب في كتابته التاسعة عشر جواز تصرف المرأة في مالها بالشراء والاعتاق وغيره اذا كانت رشيدة العشرون أن بيع الأمة المزوجة ليس بطلاق ولا ينفسخ به النكاح وبه قال جماهير العلماء وقال سعيد بن المسيب هو طلاق وعن بن عباس أنه ينفسخ النكاح وحديث بريرة يرد المذهبين لأنها خيرت في بقائها معه الحادية والعشرون جواز اكتساب المكاتب بالسؤال الثانية والعشرون احتمال أخف المفسدتين لدفع أعظمهما واحتمال مفسدة يسيرة لتحصيل مصلحة عظيمة على ما بيناه في تأويل شرط الولاء لهم الثالثة والعشرون جواز الشفاعة من الحاكم إلى المحكوم له للمحكوم عليه وجواز
(10/143)

الشفاعة إلى المرأة في البقاء مع زوجها الرابعة والعشرون لها الفسخ بعتقها وإن تضرر الزوج بذلك لشدة حبه اياها لأنه كان يبكى على بريرة الخامسة والعشرون جواز خدمة العتيق لمعتقه برضاه السادسة والعشرون انه يستحب للامام عند وقوع بدعة أو أمر يحتاج إلى بيانه أن يخطب الناس ويبين لهم حكم ذلك وينكر على من ارتكب ما يخالف الشرع السابعة والعشرون استعمال الأدب وحسن العشرة وجميل الموعظة كقوله صلى الله عليه و سلم ما بال أقوالم يشترطون شروطا ليست في كتاب الله ولم يواجه صاحب الشرط بعينه لأن المقصود يحصل له ولغيره من غير فضيحة وشناعة عليه الثامنة والعشرون أن الخطب تبدأ بحمد الله تعالى والثناء عليه بما هو أهله التاسعة والعشرون أنه يستحب في الخطبة أن يقول بعد الحمد الله تعالى والثناء عليه والصلاة على رسول الله صلى الله عليه و سلم أما بعد وقد تكرر هذا في خطب النبى صلى الله عليه و سلم وسبق بيانه في مواضع الثلاثون التغليظ في ازالة المنكر والمبالغة في تقبيحه والله أعلم قوله صلى الله عليه و سلم ( شرط الله أحق ) قيل المراد به قوله تعالى فإخوانكم في الدين ومواليكم وقوله تعالى وما آتاكم الرسول فخذوه الآية قال القاضي وعندى أنه قوله صلى الله عليه و سلم انما الولاء لمن أعتق قوله ( قالوا ان شاءت ان تحتسب عليك فلتفعل ) معناه ان أرادت الثواب عند الله وأن لا يكون لها ولاء فلتفعل قولها ( في كل عام
(10/144)

أوقية ) وقع في الرواية الأولى في بعض النسخ وقية وفي بعضها أوقية بالألف وأما الرواية الثانية فوقية بغير ألف بإتفاق النسخ وكلاهما صحيح وهما لغتان اثبات الألف أفصح والأوقية الحجازية أربعون درهما قولها ( فانتهرتها فقالت لاها الله ذلك ) وفي بعض النسخ لا هاء الله اذا هكذا هو في النسخ وفي روايات المحدثين لاهاء الله اذا بمد قوله هاء وبالألف في اذا قال المازرى وغيره من أهل العربية هذان لحنان وصوابه لاها الله ذا بالقصر في ها وحذف الألف من اذا قالوا وما سواه خطأ قالوا ومعناه ذا يمينى وكذا قال الخطابى وغيره ان الصواب لاها الله ذا بحذف الألف وقال ابو زيد النحوى وغيره يجوز القصر والمد في ها وكلهم ينكرون الألف في اذا ويقولون صوابه ذا قالوا وليست الألف من كلام العرب قال أبو حاتم السجستاني جاء في القسم لا هاء الله قال والعرب تقوله بالهمزة والقياس تركه قال ومعناه لا والله هذا ما أقسم به فأدخل اسم الله تعالى بين ها وذا واسم زوج بريرة مغيث بضم الميم والله أعلم
(10/145)