باب حكم بيع المصراة
 
( باب حكم بيع المصراة قد سبق بيان التصرية وبيان معنى قوله صلى الله عليه و سلم لا تصروا الابل والغنم فى باب تحريم بيع الرجل على بيع أخيه [ 1524 ] قوله صلى الله عليه و سلم ( من اشترى شاة مصراة فلينقلب بها فليحلبها فإن رضى حلابها أمسكها والا ردها ومعها صاع تمر ) وفى رواية من ابتاع شاة مصراة فهو فيها بالخيار ثلاثة أيام ان )
(10/165)

شاء أمسكها وإن شاء ردها ورد معها صاعا من تمر وفى رواية من اشترى شاة مصراة فهو بالخيار ثلاثة أيام فان شاء ردها ومعها صاعا من طعام لا سمراء وفى رواية من اشترى شاة مصراة فهو بخير النظرين ان شاء أمسكها وان شاء ردها وصاعا من تمر لا سمراء وفى رواية اذا ما أحدكم اشترى لقحة مصراة أو شاة مصراة فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها اما هي والا فليردها وصاعا من تمر أما المصراة واشتقاقها فسبق أن التصرية حرام وأن فى هذه الأحاديث مع تحريمها يصح البيع وأنه يثبت الخيار فى سائر البيوع المشتملة على تدليس بأن سود شعر الجارية الشائبة أو جعد شعر السبطة ونحو ذلك واختلف أصحابنا فى خيار مشترى المصراة هل هو على الفور بعد العلم أو يمتد ثلاثة أيام فقيل يمتد ثلاثة أيام لظاهر هذه الأحاديث والأصح عندهم أنه على الفور ويحملون التقييد بثلاثة أيام فى بعض الأحاديث على ما اذا لم يعلم أنها مصراة الا فى ثلاثة أيام لأن الغالب أنه لا يعلم فيما دون ذلك فإنه اذا نقص لبنها فى اليوم الثانى عن الأول احتمل كون النقص لعارض من سوء مرعاها فى ذلك اليوم أو غير ذلك فإذا استمر كذلك ثلاثة أيام علم أنها مصراة ثم اذا اختار رد المصراة
(10/166)

بعد أن حلبها ردها وصاعا من تمر سواء كان اللبن قليلا أو كثيرا سواء كانت ناقة أو شاة أو بقرة هذا مذهبنا وبه قال مالك والليث وبن أبى ليلى وأبو يوسف وأبو ثور وفقهاء المحدثين وهو الصحيح الموافق للسنة وقال بعض اصحابنا يرد صاعا من قوت البلد ولا يختص بالتمر وقال أبو حنيفة وطائفة من أهل العراق وبعض المالكية ومالك في رواية غريبة عنه يردها ولا يرد صاعا من تمر لأن الأصل أنه اذا أتلف شيئا لغيره رد مثله ان كان مثليا والا فقيمته واما جنس آخر من العروض فخلاف الأصول وأجاب الجمهور عن هذا بأن السنة اذا وردت لا يعترض عليها بالمعقول وأما الحكمة في تقييده بصاع التمر فلأنه كان غالب قوتهم في ذلك الوقت فاستمر حكم الشرع على ذلك وإنما لم يجب مثله ولا قيمته بل وجب صاع في القليل والكثير ليكون ذلك حدا يرجع إليه ويزول به التخاصم وكان صلى الله عليه و سلم حريصا على رفع الخصام والمنع من كل ما هو سبب له وقد يقع بيع المصراه في البوادى والقرى وفي مواضع لا يوجد من يعرف القيمة ويعتمد قوله فيها وقد يتلف اللبن ويتنازعون في قلته وكثرته وفي عينه فجعل الشرع لهم ضابطا لا نزاع معه وهو صاع تمر ونظير هذا الدية فإنها مائة بعير ولا يختلف باختلاف حال القتيل قطعا للنزاع ومثله الغرة في الجناية على الجنين سواء كان ذكرا أو أنثى تام الخلق أو ناقصه جميلا كان أو قبيحا ومثله الجبران في الزكاة بين الشيئين جعله الشرع شاتين أو عشرين درهما قطعا للنزاع سواء كان التفاوت بينهما قليلا أو كثيرا وقد ذكر الخطابى وآخرون نحو هذا المعنى والله أعلم فإن قيل كيف يلزم المشترى رد عوض اللبن مع أن الخراج بالضمان
(10/167)

وإن من اشترى شيئا معيبا ثم علم العيب فرد به لا يلزمه رد الغلة والاكساب الحاصلة في يده فالجواب أن اللبن ليس من الغلة الحاصلة في يد المشترى بل كان موجودا عند البائع وفي حالة العقد ووقع العقد عليه وعلى الشاة جميعا فهما مبيعان بثمن واحد وتعذر رد اللبن لاختلاطه بما حدث في ملك المشترى فوجب رد عوضه والله أعلم