باب تحريم ثمن الكلب وحلوان الكاهن ومهر البغى
 
( باب تحريم ثمن الكلب وحلوان الكاهن ومهر البغى ( والنهى عن بيع السنور ) [ 1567 ] قوله ( أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عن ثمن الكلب ومهر البغى وحلوان الكاهن ) وفي الحديث الآخر شر الكسب مهر البغى وثمن الكلب وكسب الحجام وفي رواية ثمن الكلب خبيث ومهر البغى خبيث وكسب الحجام خبيث وفي الحديث الآخر سألت جابرا عن ثمن الكلب والسنور فقال زجر النبى صلى الله عليه و سلم عنه أما مهر البغى فهو ما تأخذه الزانية على الزنى وسماه مهرا لكونه على صورته وهو حرام بإجماع المسلمين وأما حلوان الكاهن فهو ما يعطاه على كهانته يقال منه حلوته حلوانا اذا أعطيته قال الهروى وغيره أصله من الحلاوة شبه بالشئ الحلو من حيث انه يأخذه سهلا بلا كلفة ولا في مقابلة مشقة يقال حلوته اذا أطعمته الحلو كما يقال عسلته اذا أطعمته العسل قال أبو عبيد ويطلق الحلوان أيضا على غير هذا وهو أن يأخذ الرجل مهر ابنته لنفسه وذلك عيب عند النساء قالت امرأه تمدح زوجها لا يأخذ الحلوان عن بناتنا قال البغوى من أصحابنا والقاضى عياض أجمع المسلمون على تحريم حلوان الكاهن لأنه عوض عن محرم ولأنه أكل المال بالباطل وكذلك أجمعوا على تحريم أجرة المغنية للغناء والنائحة للنوح وأما الذى جاء في غير صحيح مسلم من النهى عن كسب الاماء فالمراد به كسبهن بالزنى وشبهه لا بالغزل والخياطة ونحوهما وقال الخطابي قال بن الاعرابى ويقال حلوان الكاهن الشنع والصهميم قال الخطابى وحلوان العراف أيضا حرام قال والفرق بين الكاهن والعراف أن الكاهن إنما يتعاطى الأخبار عن الكائنات في مستقبل الزمان ويدعى معرفة الأسرار )
(10/231)

والعراف هو الذى يدعى معرفة الشئ المسروق ومكان الضالة ونحوهما من الأمور هكذا ذكره الخطابى في معالم السنن في كتاب البيوع ثم ذكره في آخر الكتاب أبسط من هذا فقال إن الكاهن هو الذى يدعى مطالعة علم الغيب ويخبر الناس عن الكوائن قال وكان في العرب كهنة يدعون أنهم يعرفون كثيرا من الأمور فمنهم من يزعم أن له رفقاء من الجن وتابعة تلقى إليه الأخبار ومنهم من كان يدعى أنه يستدرك الأمور بفهم أعطيه وكان منهم من يسمى عرافا وهو الذى يزعم أنه يعرف الأمور بمقدمات أسباب يستدل بها على مواقعها كالشئ يسرق فيعرف المظنون به السرقة وتتهم المرأه بالريبة فيعرف من صاحبها ونحو ذلك من الأمور ومنهم من كان يسمى المنجم كاهنا قال وحديث النهى عن اتيان الكهان يشتمل على النهى عن هؤلاء كلهم وعلى النهى عن تصديقهم والرجوع إلى قولهم ومنهم من كان يدعو الطبيب كاهنا وربما سموه عرافا فهذا غير داخل في النهى هذا آخر كلام الخطابى قال الامام أبو الحسن الماوردى من أصحابنا في آخر كتابه الأحكام السلطانية ويمنع المحتسب من يكتسب بالكهانة واللهو ويؤدب عليه الآخذ والمعطى والله أعلم وأما النهى عن ثمن الكلب وكونه من شر الكسب وكونه خبيثا فيدل على تحريم بيعه وأنه لا يصح بيعه ولا يحل ثمنه ولا قيمة على متلفه سواء كان معلما أم لا وسواء كان مما يجوز اقتناؤه أم لا وبهذا قال جماهير العلماء منهم أبو هريرة والحسن البصرى وربيعة
(10/232)

والأوزاعى والحكم وحماد والشافعى وأحمد وداود وبن المنذر وغيرهم وقال أبو حنيفة يصح بيع الكلاب التى فيها منفعة وتجب القيمة على متلفها وحكى بن المنذر عن جابر وعطاء والنخعى جواز بيع كلب الصيد دون غيره وعن مالك روايات احداها لا يجوز بيعه ولكن تجب القيمة على متلفه والثانية يصح بيعه وتجب القيمة والثالثة لا يصح ولا تجب القيمة على متلفه دليل الجمهور هذه الأحاديث وأما الأحاديث الواردة في النهى عن ثمن الكلب الا كلب صيد وفي رواية الا كلبا ضاريا وأن عثمان غرم انسانا ثمن كلب قتله عشرين بعيرا وعن بن عمرو بن العاص التغريم في اتلافه فكلها ضعيفة بإتفاق أئمة الحديث وقد أوضحتها في شرح المهذب في باب ما يجوز بيعه وأما كسب الحجام وكونه خبيثا ومن شر الكسب ففيه دليل لمن يقول بتحريمه وقد اختلف العلماء في كسب الحجام فقال الأكثرون من السلف والخلف لا يحرم كسب الحجام ولا يحرم أكله لا على الحر ولا على العبد وهو المشهور من مذهب أحمد وقال في رواية عنه قال بها فقهاء المحدثين يحرم على الحر دون العبد واعتمدوا هذه الأحاديث وشبهها واحتج الجمهور بحديث بن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه و سلم احتجم وأعطى الحجام أجره قالوا ولو كان حراما لم يعطه رواه البخارى ومسلم وحملوا هذه الأحاديث التى في النهى على التنزيه والارتفاع عن دنئ الاكساب والحث على مكارم الاخلاق ومعالى الأمور ولو كان حراما لم يفرق فيه بين الحر والعبد فإنه لا يجوز للرجل أن يطعم عبده مالا يحل وأما النهى عن ثمن السنور فهو محمول على أنه لا ينفع أو على أنه نهى تنزيه حتى يعتاد الناس هبته وإعارته والسماحة به كما هو الغالب فإن كان مما ينفع وباعه صح البيع وكان ثمنه حلالا هذا مذهبنا ومذهب
(10/233)

العلماء كافة الا ما حكى بن المنذر وعن أبى هريرة وطاوس ومجاهد وجابر بن زيد أنه لا يجوز بيعه واحتجوا بالحديث وأجاب الجمهور عنه بأنه محمول على ما ذكرناه فهذا هو الجواب المعتمد وأما ما ذكره الخطابى وأبو عمرو بن عبد البر من أن الحديث في النهى عنه ضعيف فليس كما قالا بل الحديث صحيح رواه مسلم وغيره وقول بن عبد البر انه لم يروه عن أبى الزبير غير حماد بن سلمة غلط منه أيضا لأن مسلما قد رواه في صحيحه كما تروى من رواية معقل بن عبيد الله عن أبى الزبير فهذان ثقتان روياه عن أبى الزبير وهو ثقة أيضا والله أعلم