باب الامر بقتل الكلاب وبيان نسخه وبيان تحريم اقتنائها
 
( باب الامر بقتل الكلاب وبيان نسخه وبيان تحريم اقتنائها ( الا لصيد أو زرع أو ماشية ونحو ذلك ) [ 1570 ] قوله ( ان رسول الله صلى الله عليه و سلم أمر بقتل الكلاب ) وفي رواية أمر بقتل الكلاب فأرسل في أقطار المدينة أن تقتل وفي رواية أنه كان يأمر بقتل الكلاب فتتبعت في المدينة وأطرافها فلا ندع كلبا الا قتلناه حتى انا لنقتل كلب المرية من أهل البادية يتبعها وفي رواية أمر بقتل الكلاب الا كلب صيد أو كلب غنم أو ماشية فقيل لابن عمر إن أبا هريرة يقول أو كلب زرع فقال بن عمر إن لأبى هريرة زرعا وفي رواية جابر أمرنا رسول الله بقتل الكلاب حتى ان المرأة تقدم من البادية بكلبها فتقتله ثم نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن قتلها )
(10/234)

وقال عليكم بالأسود البهيم ذى النقطتين فإنه شيطان وفي رواية بن المفضل قال أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بقتل الكلاب ثم قال ما بالهم وبال الكلاب ثم رخص في كلب الصيد وكلب الغنم وفي رواية له في كلب الغنم والصيد والزرع وفي حديث بن عمر من اقتنى كلبا الا كلب ماشية أو ضار نقص من عمله كل يوم قيراطان وفي رواية ينقص من أجره كل يوم قيراط وفي رواية أبى هريرة من اقتنى كلبا ليس بكلب صيد ولا ماشية ولا أرض فإنه ينقص من أجره قيرطان كل يوم وفي رواية له انتقص من أجره كل يوم قيراط وفي رواية سفيان بن أبى زهير من اقتنى كلبا لا يغنى عنه زرعا ولا ضرعا نقص من عمله كل يوم قيراط أجمع العلماء على قتل الكلب الكلب والكلب العقور واختلفوا في قتل مالا ضرر فيه فقال امام الحرمين من أصحابنا أمر النبى صلى الله عليه و سلم أولا بقتلها كلها ثم نسخ ذلك ونهى عن قتلها الا الأسود البهيم ثم استقر الشرع على النهى عن قتل جميع الكلاب التى لا ضرر فيها سواء الاسود وغيره ويستدل لما ذكره بحديث بن المغفل وقال القاضي عياض ذهب كثير من العلماء إلى الأخذ بالحديث في قتل الكلاب الا ما استثنى من كلب الصيد وغيره قال وهذا مذهب مالك وأصحابه قال واختلف القائلون بهذا هل كلب الصيد ونحوه منسوخ من العموم الأول في الحكم بقتل الكلاب وإن القتل كان عاما في الجميع أم كان مخصوصا بما سوى ذلك قال وذهب آخرون إلى جواز اتخاذ جميعها البهيم قال القاضي وعندى أن النهى أولا كان نهيا عاما عن اقتناء جميعها وأمر بقتل جميعها ثم نهى عن قتلها ما سوى الأسود ومنع الاقتناء في جميعها الا كلب صيد أو زرع أو ماشية وهذا الذى قاله القاضي
(10/235)

هو ظاهر الأحاديث ويكون حديث بن المغفل مخصوصا بما سوى الأسود لأنه عام فيخص منه الأسود بالحديث الآخر وأما اقتناء الكلاب فمذهبنا أنه يحرم اقتناء الكلب بغير حاجة ويجوز اقتناؤه للصيد وللزرع وللماشية وهل يجوز لحفظ الدور والدروب ونحوها فيه وجهان أحدهما لا يجوز لظواهر الأحاديث فإنها مصرحة بالنهى الا لزرع أو صيد أو ماشية وأصحها يجوز قياسا على الثلاثة عملا بالعلة المفهومة من الاحاديث وهى الحاجة وهل يجوز اقتناء الجرو وتربيته للصيد أو الزرع أو الماشية فيه وجهان لأصحابنا أصحهما جوازه قوله ( قال بن عمران لأبى هريرة زرعا ) وقال سالم في الرواية الأخرى وكان أبو هريرة يقول أو كلب حرث وكان صاحب حرث قال العلماء ليس هذا توهينا لرواية أبى هريرة ولا شكا فيها بل معناه أنه لما كان صاحب زرع وحرث اعتنى بذلك وحفظه وأتقنه والعادة أن المبتلى بشئ يتقنه مالا يتقنه غيره ويتعرف من أحكامه مالا يعرفه غيره وقد ذكر مسلم هذه الزيادة وهى اتخاذه للزرع من رواية بن المغفل ومن رواية سفيان بن أبى زهير عن النبى صلى الله عليه و سلم وذكرها أيضا مسلم من رواية بن الحكم واسمه عبد الرحمن بن أبى نعم البجلى عن بن عمر فيحتمل أن بن عمر لما سمعها من أبى هريرة وتحققها عن النبى صلى الله عليه و سلم رواها عنه بعد ذلك وزادها في حديثه الذى كان يرويه بدونها ويحتمل أنه تذكر في وقت أنه سمعها من النبى صلى الله عليه و سلم فرواها ونسيها في وقت فتركها والحاصل أن أبا هريرة ليس منفردا بهذه الزيادة بل وافقة جماعة من الصحابة في روايتها عن النبى صلى الله عليه و سلم ولو انفرد بها
(10/236)

لكانت مقبولة مرضية مكرمة [ 1572 ] قوله صلى الله عليه و سلم ( بالأسود البهيم ذى النقطتين ) فإنه شيطان معنى البهيم الخالص السواد وأما النقطتان فهما نقطتان معروفتان بيضاوان فوق عينيه وهذا مشاهد معروف وقوله صلى الله عليه و سلم ( فإنه شيطان ) احتج به أحمد بن حنبل وبعض أصحابنا في انه لا يجوز صيد الكلب الاسود البهيم ولا يحل اذا قتله لأنه شيطان وإنما حل صيد الكلب وقال الشافعى ومالك وجماهير العلماء يحل صيد الكلب الأسود كغيره وليس المراد بالحديث اخراجه عن جنس الكلاب ولهذا لو ولغ في اناء وغيره وجب غسله كما يغسل من ولوغ الكلب الأبيض [ 1573 ] قوله صلى الله عليه و سلم ( ما بالهم وبال الكلاب ) أى ما شأنهم أي ليتركوها قوله صلى الله عليه و سلم ( من اقتنى كلبا الا كلب ماشية أو ضارى ) هكذا هو في معظم النسخ ضارى بالياء وفي بعضها ضاريا بالألف بعد الياء منصوبا وفي الرواية الثانية من اقتنى كلبا
(10/237)

الا كلب ضارية وذكر القاضي أن الأول روى ضارى بالياء وضار بحذفها وضاريا فاما ضاريا فهو ظاهر الاعراب وأما ضارى وضار فهما مجروران على العطف على ماشية ويكون من اضافة الموصوف إلى صفته كماء البارد ومسجد الجامع ومنه قوله تعالى بجانب الغربى ولدار الآخرة وسبق بيان هذا مرات ويكون ثبوت الياء في ضارى على اللغة القليلة في اثباتها في المنقوص من غير ألف ولام والمشهور حذفها وقيل ان لفظة ضار هنا صفة للرجل الصائد صاحب الكلاب المعتاد للصيد فسماه ضاريا استعارة كما في الرواية الأخرى الا كلب ماشية أو كلب صائد وأما رواية الا كلب ضارية فقالوا تقديره الا كلب ذى كلاب ضارية والضارى هو المعلم الصيد المعتاد له يقال منه ضرى الكلب يضرى كشرى يشرى ضرا وضراوة وأضراه صاحبه أى عوده ذلك وقد ضرى بالصيد اذا لهج به ومنه قول عمر رضى الله عنه ان للحم ضراوة كضراوة الخمر قال جماعة معناه ان له عادة ينزع اليها كعادة الخمر وقال الأزهرى معناه ان لأهله عادة في أكله كعادة شارب الخمر في ملازمته وكما أن من اعتاد الخمر لا يكاد يصبر عنها كذا من اعتاد اللحم قوله صلى الله عليه و سلم ( نقص من أجره ) وفي رواية من
(10/238)

عمله كل يوم قيراطان وفي رواية قيراط فأما رواية عمله فمعناه من أجر عمله وأما القيراط هنا فهو مقدار معلوم عند الله تعالى والمراد نقص جزء من أجر عمله وأما اختلاف الرواية في قيراط وقيراطين فقيل يحتمل أنه في نوعين من الكلاب أحدهما أشد أذى من الآخر ولمعنى فيهما أو يكون ذلك مختلفا باختلاف المواضع فيكون القيراطان في المدينة خاصة لزيادة فضلها والقيراط في غيرها أو القيراطان في المدائن ونحوها من القرى والقيراط في البوادى أو يكون ذلك في زمنين فذكر القيراط أولا ثم زاد التغليظ فذكر القيراطين قال الروياني من أصحابنا في كتابه البحر اختلفوا في المراد بما ينقص منه فقيل ينقص مما مضى من عمله وقيل من مستقبله قال واختلفوا في محل نقص القيراطين فقيل ينقص قيراط من عمل النهار وقيراط من عمل الليل أو قيراط من عمل الفرض وقيراط من عمل النفل والله أعلم واختلف العلماء في سبب نقصان الأجر باقتناء الكلب فقيل لامتناع الملائكة من دخول بيته بسببه وقيل لما يلحق المارين من الأذى من ترويع الكلب لهم وقصده إياهم وقيل إن ذلك عقوبة له لاتخاذه ما نهى عن اتخاذه وعصيانه في ذلك وقيل لما يبتلى به من ولوغه في غفلة صاحبه ولا يغسله
(10/239)

بالماء والتراب والله أعلم [ 1576 ] قوله صلى الله عليه و سلم ( من اقتنى كلبا لا يغني عنه زرعا ولا ضرعا ) المراد بالضرع الماشية كما في سائر الروايات ومعناه من اقتنى كلبا لغير زرع وماشية وقوله ( وفد عليهم سفيان بن أبي زهير الشنائي ) هكذا هو في معظم النسخ بشين معجمة مفتوحة ثم نون مفتوحة ثم همزة مكسورة منسوب إلى أزد شنوءة بشين مفتوحة ثم نون مضمومة ثم همزة ممدودة ثم هاء ووقع في بعض النسخ المعتمدة الشنوى بالواو وهو صحيح على إرادة التسهيل ورواه بعض رواة البخاري شنوى بضم النون على الأصل