باب جواز اقتراض الحيوان واستحباب توفيته خيرا مما عليه
 
( باب جواز اقتراض الحيوان واستحباب توفيته خيرا مما عليه [ 1600 ] قوله ( عن أبي رافع أن رسول الله صلى الله عليه و سلم استسلف من رجل بكرا فقدمت عليه ابل من ابل الصدقة فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بكره فرجع إليه أبو رافع فقال ما أجد فيها الا خيارا رباعيا فقال أعطه اياه فإن خيار الناس أحسنهم قضاء ) وفي رواية أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لهم اشتروا له سنا فاعطوه اياه فقالوا انا لا نجد الا سنا هو خير من سنة قال فاشتروه فأعطوه اياه فإن من خيركم أو خيركم أحسنكم قضاء وفي رواية له استقرض رسول الله صلى الله عليه و سلم سنا فأعطاه سنا )
(11/36)

فوقه وقال خياركم محاسنكم قضاء أما البكر من الابل فبفتح الباء وهو الصغير كالغلام من الآدميين والأنثى بكرة وقلوص وهي الصغيرة كالجارية فإذا استكمل ست سنين ودخل في السابعة والقى رباعية بتخفيف الياء فهو رباع والأنثى رباعية بتخفيف الياء وأعطاه رباعيا بتخفيفها وقوله صلى الله عليه و سلم خياركم محاسنكم قضاء قالوا معناه ذوو المحاسن سماهم بالصفة قال القاضي وقيل هو جمع محسن بفتح الميم وأكثر ما يجيء أحاسنكم جمع أحسن وفي هذا الحديث جواز الاقتراض والاستدانة وإنما اقترض النبي صلى الله عليه و سلم للحاجة وكان صلى الله عليه و سلم يستعيذ بالله من المغرم وهو الدين وفيه جواز اقتراض الحيوان وفيه ثلاثة مذاهب الشافعي ومالك وجماهير العلماء من السلف والخلف أنه يجوز قرض جميع الحيوان الا الجارية لمن يملك وطأها فإنه لا يجوز ويجوز اقراضها لمن لا يملك وطأها كمحارمها والمرأة والخنثى والمذهب الثاني مذهب المزني وبن جرير وداود أنه يجوز قرض الجارية وسائر الحيوان لكل واحد والثالث مذهب أبي حنيفة والكوفيين أنه لا يجوز قرض شيء من الحيوان وهذه الأحاديث ترد عليهم ولا تقبل دعواهم النسخ بغير دليل وفي هذه الأحاديث جواز السلم في الحيوان وحكمه حكم القرض وفيها أنه يستحب لمن عليه دين من قرض وغيره أن يرد أجود من الذي عليه وهذا من السنة ومكارم الأخلاق وليس هو من قرض جر منفعة فإنه منهي عنه لأن المنهي عنه ما كان مشروطا في عقد القرض ومذهبنا أنه يستحب الزيادة في الآداء عما عليه ويجوز للمقرض أخذها سواء زاد في الصفة أو في العدد بأن أقرضه عشرة فأعطاه أحد عشر ومذهب مالك أن الزيادة في العدد منهي عنها وحجة أصحابنا عموم قوله صلى الله عليه و سلم خيركم أحسنكم قضاء قوله ( فقدمت عليه ابل الصدقة إلى آخره ) هذا مما يستشكل فيقال فكيف قضى من ابل الصدقة أجود من الذي يستحقه الغريم مع أن الناظر في الصدقات لا يجوز تبرعه منها والجواب أنه صلى الله عليه و سلم
(11/37)

اقترض لنفسه فلما جاءت ابل الصدقة اشترى منها بعيرا رباعيا ممن استحقه فملكه النبي صلى الله عليه و سلم بثمنه وأوفاه متبرعا بالزيادة من ماله ويدل على ما ذكرناه رواية أبي هريرة التي قدمناها أن النبي صلى الله عليه و سلم قال اشتروا له سنا فهذا هو الجواب المعتمد وقد قيل فيه أجوبة غيره منها أن المقترض كان بعض المحتاجين إقترض لنفسه فأعطاه من الصدقة حين جاءت وأمره بالقضاء قوله [ 1601 ] ( كان لرجل على النبي صلى الله عليه و سلم حق فأغلظ له فهم به أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم فقال النبي صلى الله عليه و سلم أن لصاحب الحق مقالا ) فيه أنه يحتمل من صاحب الدين الكلام المعتاد في المطالبة وهذا الاغلاظ المذكور محمول على تشدد في المطالبة ونحو ذلك من غير كلام فيه قدح أو غيره مما يقتضي الكفر ويحتمل أن القائل الذي له الدين كان كافرا من اليهود أو غيرهم والله أعلم
(11/38)