باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته
 
( باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته [ 1631 ] قوله صلى الله عليه و سلم ( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له ) قال العلماء معنى الحديث أن عمل الميت ينقطع بموته وينقطع تجدد الثواب له إلا في هذه الأشياء الثلاثة لكونه كان سببها فإن الولد من كسبه وكذلك العلم الذي خلفه من تعليم أو تصنيف وكذلك الصدقة الجارية وهي الوقف وفيه فضيلة الزواج لرجاء ولد صالح وقد سبق بيان اختلاف أحوال الناس فيه وأوضحنا ذلك في كتاب النكاح وفيه دليل لصحة أصل الوقف وعظيم ثوابه وبيان فضيلة العلم والحث على الاستكثار منه والترغيب في توريثه بالتعليم والتصنيف والإيضاح وأنه ينبغي أن يختار من العلوم الأنفع فالأنفع وفيه أن الدعاء يصل ثوابه إلى الميت وكذلك الصدقة وهما مجمع عليهما وكذلك قضاء الدين كما سبق وأما الحج فيجزي عن الميت عند الشافعي وموافقيه وهذا داخل في قضاء الدين إن كان حجا واجبا وأن كان تطوعا وصى به فهو من باب الوصايا وأما إذا مات وعليه صيام فالصحيح أن الولي يصوم عنه وسبقت المسألة في كتاب الصيام وأما قراءة القرآن وجعل ثوابها للميت والصلاة عنه ونحوهما فمذهب الشافعي والجمهور أنها لا تلحق الميت وفيها خلاف وسبق إيضاحه في أول هذا الشرح في شرح مقدمة صحيح مسلم )
(11/85)

( [ 1632 ] قوله ( اصاب عمر أرضا بخيبر فأتي النبي صلى الله عليه و سلم يستأمره فيها فقال يا رسول الله إني أصبت أرضا بخيبر لم أصب مالا قط هو أنفس عندي منه فما تأمرني به قال إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها فتصدق بها عمر أنه لا يباع أصلها ولا يورث ولا يوهب قال فتصدق عمر في الفقراء وفي القربى وفي الرقاب وفي سبيل الله وبن السبيل والضعيف لاجناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف أو يطعم صديقا غير متمول فيه ) وفي رواية غير متأثل مالا أما قوله هو أنفس فمعناه أجود والنفيس الجيد وقد نفس بفتح النون وضم الفاء نفاسة وإسم هذا المال الذي وقفه عمر ثمغ بثاء مثلثة مفتوحة ثم ميم ساكنة ثم غين معجمة وأما قوله غير متأثل فمعناه غير جامع وكل شيء له أصل قديم أو جمع حتى يصير له اصل فهو مؤثل ومنه مجد مؤثل أي قديم واثلة الشيء أصله وفي هذا الحديث دليل على صحة أصل الوقف وأنه مخالف لشوائب الجاهلية وهذا مذهبنا ومذهب الجماهير ويدل عليه أيضا اجماع المسلمين على صحة وقف المساجد والسقايات وفيه أن الوقف لا يباع ولا يوهب ولا يورث إنما يتبع فيه شرط الواقف وفيه صحة شروط الواقف وفيه فضيلة الوقف وهي الصدقة الجارية وفيه فضيلة الانفاق مما يحب وفيه فضيلة ظاهرة لعمر رضي الله عنه وفيه مشاورة أهل الفضل والصلاح في الأمور وطرق الخير وفيه أن خيبر فتحت )
(11/86)

عنوة وأن الغانمين ملكوها واقتسموها واستقرت أملاكهم على حصصهم ونفذت تصرفاتهم فيها وفيه فضيلة صلة الأرحام والوقف عليهم وأما قوله يأكل منها بالمعروف فمعناه يأكل المعتاد ولا يتجاوزه والله أعلم