باب النهي عن الحلف بغير الله
 
( باب النهي عن الحلف بغير الله [ 1646 ] قوله صلى الله عليه و سلم ( إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن كان حالفا فليحلف بالله )
(11/104)
( كتاب الأيمان )
أو ليصمت ) وفي رواية لا تحلفوا بالطواغي ولا بآبائكم قال العلماء الحكمة في النهي عن الحلف بغيرالله تعالى أن الحلف يقتضي تعظيم المحلوف به وحقيقة العظمة مختصة بالله تعالى فلا يضاهي به غيره وقد جاء عن بن عباس لأن أحلف بالله مائة مرة فآثم خير من أن أحلف بغيره فأبر فإن قيل الحديث مخالف لقوله صلى الله عليه و سلم أفلح وأبيه إن صدق فجوابه أن هذه كلمة تجري على اللسان لا تقصد بها اليمين فإن قيل فقد أقسم الله تعالى بمخلوقاته كقوله تعالى والصافات والذاريات والطور والنجم فالجواب أن الله تعالى يقسم بما شاء من مخلوقاته تنبيها على شرفه قوله ( ما حلفت بها ذاكرا ولا آثرا ) معنى ذاكرا قائلا لها من قبل نفسي ولا آثرا بالمد أي
(11/105)

حالفا عن غيري وفي هذا الحديث إباحة الحلف بالله تعالى وصفاته كلها وهذا مجمع عليه وفيه النهي عن الحلف بغير أسمائه سبحانه وتعالى وصفاته وهو عند أصحابنا مكروه ليس بحرام قوله صلى الله عليه و سلم ( من حلف منكم فقال في حلفه باللات والعزى فليقل لا إله [ 1647 ] إلا الله ) إنما أمر
(11/106)

بقول لا إله إلا الله لأنه تعاطى تعظيم صورة الأصنام حين حلف بها قال أصحابنا إذا حلف باللات والعزى وغيرهما من الأصنام أو قال إن فعلت كذا فأنا يهودي أو نصراني أو بريء من الإسلام أو بريء من النبي صلى الله عليه و سلم أو نحو ذلك لم تنعقد يمينه بل عليه أن يستغفرالله تعالى ويقول لا إله إلا الله ولا كفارة عليه سواء فعله أم لا هذا مذهب الشافعي ومالك وجماهير العلماء وقال أبو حنيفة تجب الكفارة في كل ذلك إلا في قوله أنا مبتدع أو بريء من النبي صلى الله عليه و سلم أو واليهودية واحتج بأن الله تعالى أوجب علىالمظاهر الكفارة لأنه منكر من القول وزور والحلف بهذه الأشياء منكر وزور واحتج أصحابنا والجمهور بظاهر هذا الحديث فإنه صلى الله عليه و سلم إنما أمره يقول لا إله إلا الله ولم يذكر كفارة ولأن الأصل عدمها حتى يثبت فيها شرع وأما قياسهم على الظهار فينتقض بما استثنوه والله أعلم قوله صلى الله عليه و سلم ( ومن قال لصاحبه تعال أقامرك فليتصدق ) قال العلماء أمر بالصدقة تكفيرا لخطيئته في كلامه بهذه المعصية قال الخطابي معناه فليتصدق بمقدار ما أمر أن يقامر به والصواب الذي عليه المحققون وهو ظاهر الحديث أنه لا يختص بذلك المقدار بل يتصدق بما تيسر مما ينطلق عليه إسم الصدقة ويؤيده رواية معمر التي ذكرها مسلم فليتصدق بشيء قال القاضي ففي هذا الحديث دلالة لمذهب الجمهور أن العزم على المعصية إذا استقر
(11/107)

في القلب كان ذنبا يكتب عليه بخلاف الخاطر الذي لا يستقر في القلب وقد سبقت المسألة واضحة في أول الكتاب قوله صلى الله عليه و سلم ( لا تحلفوا بالطواغي ولا بآبائكم ) [ 1648 ] هذا الحديث مثل الحديث السابق في النهي عن الحلف باللات والعزى قال أهل اللغة والغريب الطواغي هي الاصنام واحدها طاغية ومنه هذه طاغية دوس أي صنمهم ومعبودهم سمى بإسم المصدر لطغيان الكفار بعبادته لأنه سبب طغيانهم وكفرهم وكل ما جاوز الحد في تعظيم أو غيره فقد طغى فالطغيان المجاوزة للحد ومنه قوله تعالى لما طغى الماء أي جاوز الحد وقيل يجوز أن يكون المراد بالطواغي هنا من طغى من الكفار وجاوز القدر المعتاد في الشر وهم عظماؤهم وروى هذا الحديث في غير مسلم لا تحلفوا بالطواغيت وهو جمع طاغوت وهو الصنم ويطلق على الشيطان أيضا ويكون الطاغوت واحدا وجمعا ومذكرا ومؤنثا قال الله تعالى واجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وقال تعالى يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت الآية يكفروا به