( باب ندب من حلف يمينا فرأي غيرها خيرا منها أن يأتي ( الذي هو خير ويكفر عن يمينه )
 
قوله صلى الله عليه و سلم ( إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين ثم ارى خيرا منها إلا كفرت [ 1649 ] عن يميني وأتيت الذي هو خير ) وفي الحديث الآخر من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه وفي رواية إذا حلف أحدكم على اليمين فرأي خيرا منها فليكفرها وليأت الذي هو خير في هذه الأحاديث دلالة على من حلف على فعل شيء أو تركه وكان الحنث خيرا من التمادي على اليمين استحب له الحنث وتلزمه الكفارة وهذا )
(11/108)

متفق عليه وأجمعوا على أنه لا تجب عليه الكفارة قبل الحنث وعلى أنه يجوز تأخيرها عن الحنث وعلى أنه لا يجوز تقديمها على اليمين واختلفوا في جوازها بعد اليمين وقبل الحنث فجوزها مالك والأوزاعي والثوري والشافعي وأربعة عشر صحابيا وجماعات من التابعين وهو قول جماهير العلماء لكن قالوا يستحب كونها بعد الحنث واستثنى الشافعي التكفير بالصوم فقال لا يجوز قبل الحنث لأنه عبادة بدنية فلا يجوز تقديمها على وقتها كالصلاة وصوم رمضان وأما التكفير بالمال فيجوز تقديمه كما يجوز تعجيل الزكاة واستثنى بعض أصحابنا حنث المعصية فقال لا يجوز تقديم كفارته لأن فيه إعانة علىالمعصية والجمهور على اجزائها كغير المعصية وقال أبو حنيفة وأصحابه وأشهب المالكي لا يجوز تقديم الكفارة على الحنث بكل حال ودليل الجمهور ظواهر هذه الأحاديث والقياس على تعجيل الزكاة قوله ( أتيت النبي صلى الله عليه و سلم في رهط من الأشعريين نستحمله ) أي نطلب منه ما يحملنا من الابل ويحمل أثقالنا قوله فأمر لنا بثلاث ذود غر الذري وفي رواية بخمس ذود وفي رواية بثلاثة ذود بقع الذري أما الذري فبضم الذال وكسرها وفتح الراء المخففة جمع ذروة بكسر الذال وضمها وذروة كل شيء أعلاه والمراد هنا الأسنمة وأما الغر فهي البيض وكذلك البقع المراد بها البيض وأصلها ما كان فيه بياض وسواد ومعناه أمر لنا بإبل بيض الأسنمة وأما قوله بثلاث ذود فهو من إضافة الشئ إلى نفسه وقد يحتج به من يطلق الذود على الواحد وسبق إيضاحه في كتاب الزكاة وأما قوله بثلاث وفي رواية بخمس فلا منافاة بينهما إذ ليس في ذكر الثلاث نفي للخمس والزيادة مقبولة ووقع في الرواية الأخيرة بثلاثة ذود بإثبات الهاء وهو صحيح يعود إلى معنى الإبل وهو
(11/109)

إلا بعرة والله أعلم قوله صلى الله عليه و سلم ( ما أنا حملتكم ولكن الله حملكم ) ترجم البخاري لهذا الحديث قوله تعالى والله خلقكم وما تعملون وأراد أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى وهذا مذهب أهل السنة خلافا للمعتزلة وقال الماوردي معناه أن الله تعالى آتاني ما حملتكم عليه ولولا ذلك لم يكن عندي ما أحملكم عليه قال القاضي ويجوز أن يكون أوحى إليه أن يحملهم أو يكون المراد دخولهم في عموم من أمر الله تعالى بالقسم فيهم والله أعلم قوله ( أسأله لهم الحملان ) بضم الحاء أي الحمل قوله صلى الله عليه و سلم ( خذ هذين القرينين ) أي البعيرين
(11/110)

المقرون أحدهما بصاحبه قوله ( عن زهدم الجرمي ) هو بزاي مفتوحة ثم هاء ساكنة ثم دال مهملة مفتوحة قوله ( في لحم الدجاج رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يأكل منه ) فيه إباحة لحم الدجاج وملاذ الأطعمة ويقع إسم الدجاج على الذكور والإناث وهو
(11/111)

بكسر الدال وفتحها قوله ( بنهب إبل ) قال أهل اللغة النهب الغنيمة وهو بفتح النون وجمعه نهاب بكسرها ونهوب بضمها وهو مصدر بمعنى المنهوب كالخلق بمعنى المخلوق قوله ( أغفلنا رسول الله صلى الله عليه و سلم يمينه ) هو بإسكان اللام أي جعلناه غافلا معناه كنا سبب غفلته عن يمينه ونسيانه إياها وما ذكرناه إياها أي أخذنا منه ما أخذنا وهو ذاهل عن يمينه قوله ( حدثنا الصعق يعني بن حزن قال حدثنا مطر الوراق عن زهدم ) هو الصعق بفتح الصاد
(11/112)

وبكسر العين وإسكانها والكسر أشهر قال الدار قطني الصعق ومطر ليساقويين ولم يسمعه مطر من زهدم وإنما رواه عن القاسم عنه فاستدركه الدارقطني على مسلم وهذا الاستدلال فاسد لأن مسلما لم يذكره متاصلا وإنما ذكره متابعة للطرق الصحيحة السابقة وقد سبق أن المتابعات يحتمل فيها الضعف لأن الاعتماد على ما قبلها وقد سبق ذكر مسلم لهذه المسألة في أول خطبة كتابه وشرحناه هناك وأنه يذكر بعض الأحاديث الضعيفة متابعة للصحيحة وأما قوله إنهما ليساقويين فقد خالفه الأكثرون فقال يحي بن معين وأبو زرعة هو ثقة في الصعق وقال أبو حاتم مابه بأس وقال هؤلاء الثلاث في مطر الوراق هو صالح وإنما ضعفوا روايته عن عطاء خاصة قوله ( عن ضريب بن نقير ) أما ضريب فبضاد معجمة مصغر ونقير بضم النون وفتح القاف وآخره راء هذا هوالمشهور المعروف عن أكثر الرواة في كتب الأسماء ورواه بعضهم بالفاء وقيل نفيل بالفاء وآخره لام قوله ( حدثنا أبو السليل ) هو بفتح السين المهملة
(11/113)

وكسر اللام وهو ضريب بن نفير المذكور في الرواية الأولى قوله صلى الله عليه و سلم ( من حلف على [ 1651 ] يمين ثم رأى أتقى لله فليأت التقوى ) هو بمعنى الروايات السابقة فرأى خيرا منها فليأت الذي
(11/115)

هو خير قوله صلى الله عليه و سلم [ 1652 ] ( يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها ) هكذا هو في أكثر النسخ وكلت إليها وفي بعضها أكلت إليها بالهمزة وفي هذا الحديث فوائد منها كراهة سؤال الولاية سواء ولاية الإمارة والقضاء والحسبة وغيرها ومنها بيان أن من سأل الولاية لا يكون معه إعانة من الله تعالى ولا تكون فيه كفاية لذلك العمل فينبغي أن لا يولى ولهذا قال صلى الله عليه و سلم لا نولي عملنا من طلبه أو حرص عليه قوله ( حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا جرير إلى آخره ) وقع في بعض النسخ في آخر هذا الحديث قال أبو أحمد الجلودي حدئنا أبو العباس الماسرجسي
(11/116)

قال حدثنا شيبان بهذا ومراده أنه علا برجل