باب النهي عن الإصرار على اليمين فيما ( يتأذى به أهل الحالف مما ليس بحرام )
 
( باب النهي عن الإصرار على اليمين فيما ( يتأذى به أهل الحالف مما ليس بحرام ) [ 1655 ] قوله صلى الله عليه و سلم ( لأن يلج أحدكم بيمينه في أهله آثم له عند الله من أن يعطي كفارته التي فرض الله ) أما قوله صلى الله عليه و سلم لأن فبفتح اللام وهو لام القسم وقوله صلى الله عليه و سلم يلج هو بفتح الياء واللام وتشديد الجيم وآثم بهمزة ممدودة وثاء مثلثة أي أكثر إثما ومعنى الحديث أنه إذا حلف يمينا تتعلق بأهله ويتضررون بعدم حنثه ويكون الحنث ليس بمعصية فينبغي له أن يحنث فيفعل ذلك الشيء ويكفر عن يمينه فإن قال لا أحنث بل أتورع عن إرتكاب الحنث وأخاف الإثم فيه فهو مخطئ بهذا القول بل استمراره في عدم الحنث وادامة الضرر على أهله أكثر إثما من الحنث واللجاج في اللغة هو الإصرار على الشيء فهذا مختصر بيان معنى الحديث ولا بد من تنزيله على ما إذا كان الحنث ليس بمعصية كما ذكرنا وأما قوله صلى الله عليه و سلم )
(11/123)

آثم فخرج على لفظ المفاعلة المقتضية للإشتراك في الإثم لأنه قصد مقابلة اللفظ على زعم الحالف وتوهمه فإنه يتوهم أن عليه إثما في الحنث مع أنه لا إثم عليه فقال صلى الله عليه و سلم الإثم عليه في اللجاج أكثر لو ثبت الإثم والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب
( [ 1656 ] فيه حديث عمر رضي الله عنه أنه نذر أن يعتكف ليلة في الجاهلية وفي رواية نذر اعتكاف يوم فقال له النبي صلى الله عليه و سلم أوف بنذرك اختلف العلماء في صحة نذر الكافر فقال مالك وأبو حنيفة وسائر الكوفيين وجمهور أصحابنا لا يصح وقال المغيرة المخزومي وأبو ثور والبخاري وبن جرير وبعض أصحابنا يصح وحجتهم ظاهر حديث عمر وأجاب الأولون عنه أنه محمول على الإستحباب أي يستحب لك أن تفعل الآن مثل ذلك الذي نذرته في الجاهلية وفي هذا الحديث دلالة لمذهب الشافعي وموافقيه في صحة الاعتكاف بغير صوم وفي صحته بالليل كما يصح بالنهار سواء كانت ليلة واحدة أو بعضها أو أكثر ودليله حديث عمر هذا وأما الرواية التي فيها اعتكاف يوم فلا تخالف رواية اعتكاف ليلة لأنه يحتمل أنه سأله عن اعتكاف ليلة وسأله عن اعتكاف يوم فأمره بالوفاء بما نذر فحصل منه صحة اعتكاف الليل وحده ويؤيده رواية نافع عن بن عمر أن عمر نذر أن يعتكف ليلة في المسجد الحرام فسأل رسول الله صلى الله عليه و سلم )
(11/124)

فقال له أوف بنذرك فاعتكف عمر ليلة رواه الدارقطني وقال اسناده ثابت هذا مذهب الشافعي
(11/125)

وبه قال الحسن البصري وأبو ثور وداود وبن المنذر وهو أصح الروايتين عن أحمد قال بن المنذر وهو مروى عن علي وبن مسعود وقال بن عمر وبن عباس وعائشة وعروة بن الزبير والزهري ومالك والأوزاعي والثوري وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق في رواية عنهما لا يصح إلا بصوم وهو قول أكثر العلماء قوله ( ذكر عند بن عمر عمرة رسول الله صلى الله عليه و سلم من الجعرانه فقال لم يعتمر منها ) هذا محمول على نفي علمه أي أنه لم يعلم ذلك وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه و سلم اعتمر من الجعرانة والإثبات مقدم على النفي لما فيه من زيادة العلم وقد ذكر مسلم في كتاب الحج إعتمار النبي صلى الله عليه و سلم من الجعرانة عام حنين من رواية أنس رضي الله عنه والله أعلم
(11/126)