باب صحة الإقرار بالقتل ( وتمكين ولي القتيل من القصاص واستحباب طلب العفو منه )
 
( باب صحة الإقرار بالقتل ( وتمكين ولي القتيل من القصاص واستحباب طلب العفو منه ) [ 1680 ] قوله ( جاء رجل يقود آخر بنسعة فقال يا رسول الله هذا قتل أخي فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أقتلته فقال إنه لو لم يعترف أقمت عليه البينة قال نعم قتلته قال كيف قتلته قال كنت أنا وهو نختبط من شجرة فسبني فأغضبني فضربته بالفأس على قرنه فقتلته ) أما النسعة فبنون مكسورة ثم سين ساكنة ثم عين مهملة وهي حبل من جلود مضفورة وقرنه جانب رأسه وقوله ( يختبط ) أي يجمع الخبط وهو ورق الثمر بأن يضرب الشجر بالعصا فيسقط ورقه فيجمعه )
(11/172)

علفا وفي هذا الحديث الأغلاظ على الجناة وربطهم واحضارهم إلى ولي الأمر وفيه سؤال المدعى عليه عن جواب الدعوى فلعله يقر فيستغني المدعى والقاضي عن التعب في احضار الشهود وتعديلهم ولأن الحكم بالإقرار حكم بيقين وبالبينة حكم بالظن وفيه سؤال الحاكم وغيره الولي عن العفو عن الجاني وفيه جواز العفو بعد بلوغ الأمر إلى الحاكم وفيه جواز أخذ الدية في قتل العمد لقوله صلى الله عليه و سلم في تمام الحديث هل لك من شيء تؤديه عن نفسك وفيه قبول الإقرار بقتل العمد قوله ( فانطلق به الرجل فلما ولى قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن قتله فهو مثله فرجع فقال يا رسول الله بلغني أنك قلت إن قتله فهو مثله وأخذته بأمرك فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أما تريد أن يبوء بإثمك وإثم صاحبك قال يا نبي الله لعله قال بلى قال فإن ذاك كذاك قال فرمى بنسعته وخلى سبيله ) وفي الرواية الأخرى أنه انطلق به فلما أدبر قال رسول الله صلى الله عليه و سلم القاتل والمقتول في النار أما قوله صلى الله عليه و سلم إن قتله فهو مثله فالصحيح في تأويله أنه مثله في أنه لا فضل ولا منة لأحدهما على الآخر لأنه استوفى حقه منه بخلاف ما لو عفى عنه فإنه كان له الفضل والمنة وجزيل ثواب الآخرة وجميل الثناء في الدنيا وقيل فهو مثله في أنه قاتل وإن اختلفا في التحريم والإباحة لكنهما استويا في طاعتهما الغضب ومتابعة الهوى لا سيما وقد طلب النبي صلى الله عليه و سلم منه العفو وإنما قال النبي صلى الله عليه و سلم ما قال بهذا اللفظ الذي هو صادق فيه لا يهام لمقصود صحيح وهو أن الولى ربما خاف فعفا والعفو مصلحة للولى والمقتول في ديتهما لقوله صلى الله عليه و سلم يبوء بإثمك وإثم صاحبك وفيه مصلحة للجاني وهو انقاذه من القتل فلما كان العفو مصلحة توصل
(11/173)

إليه بالتعريض وقد قال الضمري وغيره من علماء أصحابنا وغيرهم يستحب للمفتي إذا رأى مصلحة في التعريض للمستفتي أن يعرض تعريضا يحصل به المقصود مع أنه صادق فيه قالوا ومثاله أن يسأله إنسان عن القاتل هل له توبة ويظهر للمفتي بقرينة أنه إن أفتى بأن له توبة ترتب عليه مفسدة وهي أن الصائل يستهون القتل لكونه يجد بعد ذلك منه مخرجا فيقول المفتى الحالة هذه صح عن بن عباس أنه قال لا توبة لقاتل فهو صادق في أنه صح عن بن عباس وإن كان المفتى لا يعتقد ذلك ولا يوافق بن عباس في هذه المسألة لكن السائل إنما يفهم منه موافقته بن عباس فيكون سببا لزجره فهكذا وما أشبه ذلك كمن يسأل عن الغيبة في الصوم هل يفطر بها فيقول جاء في الحديث الغيبة تفطر الصائم والله أعلم وأما قوله صلى الله عليه و سلم القاتل والمقتول في النار فليس المراد به في هذين فكيف تصح ارادتهما مع أنه إنما أخذه ليقتله بأمر النبي صلى الله عليه و سلم بل المراد غيرهما وهو إذا التقى المسلمان بسيفيهما في المقاتلة المحرمة كالقتال عصبية ونحو ذلك فالقاتل والمقتول في النار والمراد به التعريض كما ذكرناه وسبب قوله ما قدمناه لكون الولى يفهم منه دخوله في معناه ولهذا ترك قتله فحصل المقصود والله أعلم وأما قوله صلى الله عليه و سلم ( أما تريد أن يبوء باثمك وإثم صاحبك ) فقيل معناه يتحمل إثم المقتول باتلافه مهمته وإثم الولى لكونه فجعه في أخيه ويكون قد أوحى إليه ص
(11/174)

بذلك في هذا الرجل خاصة ويحتمل أن معناه يكون عفوك عنه سببا لسقوط إثمك وإثم أخيك المقتول والمراد اثمهما السابق بمعاص لهما متقدمة لا تعلق لها بهذا القاتل فيكون معنى يبوء يسقط وأطلق هذا اللفظ عليه مجازا قال القاضي وفي هذا الحديث أن قتل القصاص لا يكفر ذنب القاتل بالكلية وإن كفرها يبنه وبين الله تعالى كما جاء في الحديث الآخر فهو كفارة له ويبقى حق المقتول والله أعلم