باب دية الجنين ووجوب الدية في قتل الخطأ ( وشبه العمد على عاقلة الجاني )
 
( باب دية الجنين ووجوب الدية في قتل الخطأ ( وشبه العمد على عاقلة الجاني ) [ 1681 ] قوله ( إن امرأتين من هذيل رمت إحداهما الأخرى فطرحت جنينها فقضى فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم بغرة عبد أو أمة ) وفي رواية أنها ضربتها بعمود فسطاط وهي حبلى فقتلتها أما قوله بغرة عبد فضبطناه على شيوخنا في الحديث والفقه بغرة بالتنوين وهكذا قيده جماهير العلماء في كتبهم وفي مصنفاتهم في هذا وفي شروحهم وقال القاضي عياض الرواية فيه بغرة بالتنوين وما بعده بدل منه قال ورواه بعضهم بالإضافة قال والأول أوجه وأقيس وذكر صاحب المطالع الوجهين ثم قال الصواب رواية التنوين قلنا ومما يؤيده ويوضحه رواية البخاري في صحيحه في كتاب الديات في باب دية جنين المرأة عن المغيرة بن شعبة قال قضى رسول الله صلى الله عليه و سلم بالغرة عبدا أو أمة وقد فسر الغرة في الحديث بعبد أو أمة قال العلماء وأو هنا للتقسيم لا للشك والمراد بالغرة عبد أو أمة وهو إسم لكل واحد منهما قال الجوهري كأنه عبر بالغرة عن الجسم كله كما قالوا أعتق رقبة وأصل الغرة بياض في الوجه ولهذا قال أبو عمرو المراد بالغرة الأبيض منهما خاصة قال ولا يجزئ الأسود قال ولولا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أراد )
(11/175)

بالغرة معنى زائدا على شخص العبد والأمة لما ذكرها ولاقتصر على قوله عبد أو أمة هذا قول أبي عمرو وهو خلاف ما اتفق عليه الفقهاء أنه تجزي فيها السوداء ولا تتعين البيضاء وإنما المعتبر عندهم أن تكون قيمتها عشر دية الأم أو نصف عشر دية الأب قال أهل اللغة الغرة عند العرب أنفس الشئ وأطلقت هنا على الإنسان لأن الله تعالى خلقه في أحسن تقويم وأما ما جاء في بعض الروايات في غير الصحيح بغرة عبد أو أمة أو فرس أو بغل فرواية باطلة وقد أخذ بها بعض السلف وحكى عن طاوس وعطاء ومجاهد أنها عبد أو أمة أو فرس وقال داود كل ما وقع عليه إسم الغرة يجزى واتفق العلماء على أن دية الجنين هي الغرة سواء كان الجنين ذكرا أو أنثى قال العلماء وإنما كان كذلك لأنه قد يخفى فيكثر فيه النزاع فضبطه الشرع بضابط يقطع النزاع وسواء كان خلقه كامل الأعضاء أم ناقصها أو كان مضغة تصور فيها خلق آدمي ففي كل ذلك الغرة بالإجماع ثم الغرة تكون لورثته على مواريثهم الشرعية وهذا شخص يورث ولا يرث ولا يعرف له نظير إلا من بعضه حر وبعضه رقيق فإنه رقيق لا يورث عندنا وهل يورث فيه قولان أصحهما ورث وهذا مذهبنا ومذهب الجماهير وحكى القاضي عن بعض العلماء أن الجنين كعضو من أعضاء الأم فتكون ديته لها خاصة واعلم أن المراد بهذا كله إذا انفصل الجنين ميتا أما إذا انفصل حيا ثم مات فيجب فيه كمال دية الكبير فإن كان ذكرا وجب مائة بعير وإن كان أنثى فخمسون وهذا مجمع عليه وسواء في هذا كله العمد والخطأ ومتى وجبت الغرة فهي على العاقلة لا على الجاني هذا مذهب الشافعي وأبي حنيفة وسائر الكوفيين رضي الله عنهم وقال مالك والبصريون تجب على الجاني وقال الشافعي وآخرون يلزم الجاني الكفارة وقال بعضهم لا كفارة عليه وهو مذهب مالك وأبي حنيفة رضي الله عنهما والله أعلم قوله ( قضى رسول الله صلى الله عليه و سلم في جنين امرأة من بني لحيان سقط ميتا بغرة عبد أو أمة ثم أن المرأة التي قضى عليها بالغرة توفيت فقضى رسول الله صلى الله عليه و سلم بأن ميراثها لبنيها وزوجها وأن العقل على عصبتها
(11/176)

قال العلماء هذا الكلام قد يوهم خلاف مراده فالصواب أن المرأة التي ماتت هي المجنى عليها أم الجنين لا الجانية وقد صرح به في الحديث بعده بقوله فقتلتها وما في بطنها فيكون المراد بقوله التي قضى عليها بالغرة أي التي قضى لها بالغرة فعبر بعليها عن لها وأما قوله والعقل على عصبتها فالمراد عصبة القاتلة قوله ( فرمت احداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها فقضى رسول الله صلى الله عليه و سلم بدية المرأة على عاقلتها ) وفي الرواية الأخرى أنها ضربتها بعمود فسطاط هذا محمول على حجر صغير وعمود صغير لا يقصد به القتل غالبا فيكون شبه عمد تجب فيه الدية على العاقلة ولا يجب فيه قصاص ولا دية على الجاني وهذا مذهب الشافعي والجماهير قوله ( فقال حمل بن النابغة الهذلي يا رسول الله كيف أغرم من لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا استهل فمثل ذلك يطل فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم إنما هذا من اخوان الكهان من أجل سجعه الذي سجع ) أما قوله حمل بن النابغة فنسبه إلى جده وهو حمل بن مالك بن
(11/177)

النابغة وحمل بفتح الحاء المهملة والميم وأما قوله فمثل ذلك يطل فروى في الصحيحين وغيرهما بوجهين أحدهما يطل بضم الياء المثناة وتشديد اللام ومعناه يهدر ويلغى ولا يضمن والثاني بطل بفتح الباء الموحدة وتخفيف اللام على أنه فعل ماض من البطلان وهو بمعنى الملغى أيضا وأكثر نسخ بلادنا بالمثناة ونقل القاضي أن جمهور الرواة في صحيح مسلم ضبطوه بالموحدة قال أهل اللغة يقال طل دمه بضم الطاء وأطل أي أهدر وأطله الحاكم وطله أهدره وجوز بعضهم طل دمه بفتح الطاء في اللازم وأباها الأكثرون وأما قوله صلى الله عليه و سلم إنما هذا من أخوان الكهان من أجل سجعه وفي الرواية الأخرى سجع كسجع الأعراب فقال العلماء إنما ذم سجعه لوجهين أحدهما أنه عارض به حكم الشرع ورام ابطاله والثاني أنه تكلفه في مخاطبته وهذان الوجهان من السجع مذمومان وأما السجع الذي كان النبي صلى الله عليه و سلم يقوله في بعض الأوقات وهو مشهور في الحديث فليس من هذا لأنه لا يعارض به حكم الشرع ولا يتكلفه فلا نهى فيه بل هو حسن ويؤيد ما ذكرنا من التأويل قوله صلى الله عليه و سلم كسجع الأعراب فأشار إلى أن بعض السجع هو المذموم والله أعلم ( قوله [ 1682 ] ( ضربت امرأة ضرتها ) قال أهل اللغة كل واحدة من زوجتي الرجل ضرة للأخرى سميت بذلك لحصول المضارة بينهما في العادة وتضرر كل واحدة بالأخرى قوله ( فجعل رسول الله صلى الله عليه و سلم دية المقتولة على
(11/178)

عصبة القاتلة ) هذا دليل لما قاله الفقهاء أن دية الخطأ على العاقلة إنما تختص بعصبات القاتل سوى أبنائه وآبائه [ 1689 ] قوله ( استشار عمر بن الخطاب رضي الله عنه الناس في ملاص المرأة ) في
(11/179)

جميع نسخ مسلم ملاص بكسر الميم وتخفيف اللام وبصاد مهملة وهو جنين المرأة والمعروف في اللغة املاص المرأة بهمزة مكسورة قال اهل اللغة يقال أملصت به وأزلقت به وأمهلت به وأخطأت به كله بمعنى وهو إذا وضعته قبل أوانه وكل ما زلق من اليد فقد ملص بفتح الميم وكسر اللام ملصا بفتحها وأملص أيضا لغتان وأملصته أنا وقد ذكر الحميدي هذا الحديث في الجمع بين الصحيحين فقال املاص بالهمزة كما هو المعروف في اللغة قال القاضي قد جاء ملص الشيء إذا أفلت فإن أريد به الجنين صح ملاص مثل لزم لزاما والله أعلم قوله ( حدثنا وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه عن المسور بن مخرمة قال استشار عمر بن الخطاب رضي الله عنه الناس في ملاص المرأة ) هذا الحديث مما استدركه الدارقطني على مسلم فقال وهم وكيع في هذا الحديث وخالفه أصحاب هشام فلم يذكروا فيه المسور وهو الصواب ولم يذكر مسلم غير حديث وكيع وذكر البخاري حديث من خالفه وهو الصواب هذا قول الدارقطني وفي البخاري عن هشام عن أبيه عن المغيرة أن عمر رضي الله عنه سأل عن املاص المرأة ولا بد من ذكر المسور وعروة ليتصل الحديث فإن عروة لم يدرك عمر بن الخطاب رضي الله عنه