باب حد السرقة ونصابها
 
( كتاب الحدود )
( باب حد السرقة ونصابها قال القاضي عياض رضي الله عنه صان الله تعالى الأموال بايجاب القطع على السارق ولم يجعل ذلك في غير السرقة كالاختلاس والانتهاب والغضب لأن ذلك قليل بالنسبة إلى السرقة ولأنه )
(11/180)

يمكن استرجاع هذا النوع بالاستدعاء إلى ولاة الأمور وتسهل إقامة البينة عليه بخلاف السرقة فإنه تندر إقامة البينة عليها فعظم أمرها واشتدت عقوبتها ليكون أبلغ في الزجر عنها وقد أجمع المسلمون على قطع السارق في الجملة وإن اختلفوا في فروع منه قوله ( عن عائشة رضي الله عنها [ 1684 ] قالت كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقطع السارق في ربع دينار فصاعدا ) وفي رواية قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدا وفي رواية لا تقطع اليد إلا في ربع دينار فما فوقه وفي رواية لم تقطع يد السارق في عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم في أقل من ثمن المجن وفي رواية بن عمر رضي الله عنه قال قطع النبي صلى الله عليه و سلم سارقا في مجن قيمته ثلاثة دراهم وفي رواية أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده أجمع العلماء على قطع يد السارق كما سبق واختلفوا في اشتراط النصاب وقدره فقال أهل الظاهر لا يشترط نصاب بل يقطع في القليل والكثير وبه قال بن بنت الشافعي من أصحابنا وحكاه القاضي عياض عن الحسن البصري والخوارج وأهل الظاهر واحتجوا بعموم قوله تعالى والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ولم يخصوا الآية وقال جماهير العلماء ولا تقطع إلا في نصاب لهذه الأحاديث
(11/181)

الصحيحة ثم اختلفوا في قدر النصاب فقال الشافعي النصاب ربع دينار ذهبا أو ما قيمته ربع دينار سواء كانت قيمته ثلاثة دراهم أو أقل أو أكثر ولا يقطع في أقل منه وبهذا قال كثيرون أو الأكثرون وهو قول عائشة وعمر بن عبد العزيز والأوزاعي والليث وأبي ثور وإسحاق وغيرهم وروى أيضا عن داود وقال مالك وأحمد وإسحاق في رواية تقطع في ربع دينار أو ثلاثة دراهم أو ما قيمته أحدهما ولا قطع فيما دون ذلك وقال سليمان بن يسار وبن شبرمة وبن أبي ليلى والحسن في رواية عنه لا تقطع إلا في خمسة دراهم وهو مروى عن عمر بن الخطاب وقال أبو حنيفة وأصحابه لا تقطع إلا في عشرة دراهم أو ماقيمته ذلك وحكى القاضي عن بعض الصحابة أن النصاب أربعة دراهم وعن عثمان البتي أنه درهم وعن الحسن أنه درهمان وعن النخعي أنه أربعون درهما أو أربعة دنانير والصحيح ما قاله الشافعي وموافقوه لأن النبي صلى الله عليه و سلم صرح ببيان النصاب في هذه الأحاديث من لفظه وأنه ربع دينار وأما باقي التقديرات فمردودة لا أصل لها مع مخالفتها لصريح هذه الأحاديث وأما رواية أنه صلى الله عليه و سلم قطع سارقا في مجن قيمته ثلاثة دراهم فمحمولة على أن هذا القدر كان ربع دينار فصاعدا وهي قضية عين لا عموم لها فلا يجوز ترك صريح لفظه صلى الله عليه و سلم في تحديد النصاب لهذه الرواية المحتملة بل يجب حملها على موافقة لفظة وكذا الرواية الأخرى لم يقطع
(11/182)

يد السارق في أقل من ثمن المجن محمولة على أنه كان ربع دينار ولا بد من هذا التأويل ليوافق صريح تقديره صلى الله عليه و سلم وأما ما يحتج به بعض الحنفية وغيرهم من رواية جاءت قطع في مجن قيمته عشرة دراهم وفي رواية خمسة فهي رواية ضعيفة لا يعمل بها لو انفردت فكيف وهي مخالفة لصريح الأحاديث الصحيحة الصريحة في التقدير بربع دينار مع أنه يمكن حملها على أنه كانت قيمته عشرة دراهم اتفاقا لا أنه شرط ذلك في قطع السارق وليس في لفظها ما يدل على تقدير النصاب بذلك وأما رواية لعن الله السارق يسرق البيضة أو الحبل فتقطع يده فقال جماعة المراد بها بيضة الحديد وحبل السفينة وكل واحد منهما يساوي أكثر من ربع دينار وأنكر المحققون هذا وضعفوه فقالوا بيضة الحديد وحبل السفينة لهما قيمة ظاهرة وليس هذا السياق موضع استعمالهما بل بلاغة الكلام تأباه ولأنه لا يذم في العادة من خاطر بيده في شيء له قدر وإنما يذم من خاطر بها فيما لا قدر له فهو موضع تقليل لا تكثير والصواب ان المراد التنبيه على عظيم ما خسر وهي يده في مقابلة حقير من المال وهو ربع دينار فإنه يشارك البيضة والحبل في الحقارة أو أراد جنس البيض وجنس الحبال أو أنه إذا سرق البيضة فلم يقطع جره ذلك إلى سرقة ما هو أكثر منها فقطع فكانت سرقة البيضة هي سبب قطعه أو أن المراد به قد يسرق البيضة أوالحبل فيقطعه بعض الولاه سياسة لا قطعا جائزا شرعا وقيل أن النبي صلى الله عليه و سلم قال هذا عند نزول آية السرقة مجملة من غير بيان نصاب فقاله على ظاهر اللفظ والله أعلم [ 1685 ] قوله ( ثمن المجن حجفة أو ترس وكلاهما ذو ثمن ) المجن بكسر الميم وفتح الجيم وهو إسم لكل
(11/183)

ما يستجن به أي يستتر والحجفة بحاء مهملة ثم جيم مفتوحتين هي الدرقة وهي معروفة وقوله حجفة أو ترس هما مجروران بدل من المجن وقوله وكلاهما ذو ثمن إشارة إلى أن القطع لا يكون
(11/184)

فيما قل بل يختص بما له ثمن ظاهر وهو ربع دينار كما صرح به في الروايات [ 1687 ] قوله صلى الله عليه و سلم ( لعن الله السارق ) هذا دليل لجواز لعن غير المعين من العصاة لأنه لعن للجنس لا لمعين ولعن الجنس جائز كما قال الله تعالى ألا لعنة الله على الظالمين وأما المعين فلا يجوز لعنه قال القاضي وأجاز بعضهم لعن المعين مالم يحد فإذا حد لم يجز لعنه فإن الحدود كفارات لأهلها قال القاضي وهذا التأويل باطل للأحاديث الصحيحة في النهي عن اللعن فيجب حمل النهي على المعين ليجمع بين الأحاديث والله أعلم قال العلماء والحرز مشروط فلا قطع إلا فيما سرق من حرز والمعتبر فيه العرف مما عده أهل العرف حرزا لذلك الشيء فهو حرز له ومالا فلا وخالفهم داود فلم يشترط الحرز قالوا ويشترط أن لا يكون للسارق في المسروق شبهة فإن كانت لم يقطع ويشترط أن يطالب المسروق منه بالمال وأجمعوا على أنه إذا سرق أولا قطعت يده اليمنى قال الشافعي ومالك وأهل المدينة والزهري وأحمد وأبو ثور وغيرهم فإذا سرق ثانيا قطعت رجله اليسرى فإذا سرق ثالثا قطعت يده اليسرى فإن سرق رابعا قطعت رجله اليمنى فإن سرق بعد ذلك عزر ثم كلما سرق عزر قال الشافعي وأبو حنيفة ومالك والجماهير تقطع اليد من الرسغ وهو المفصل بين الكف والذراع وتقطع الرجل من المفصل بين الساق والقدم وقال علي رضي الله عنه تقطع الرجل من شطر القدم وبه قال أحمد وأبو ثور وقال بعض السلف تقطع اليد من المرفق وقال بعضهم من المنكب والله أعلم
(11/185)