باب حد الزنى
 
( باب حد الزنى [ 1690 ] قوله صلى الله عليه و سلم ( خذوا عني خذوا عني فقد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة والثيب بالثيب جلد مائة والرجم ) أما قوله صلى الله عليه و سلم فقد جعل الله لهن سبيلا فأشار إلى قوله تعالى فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا )
(11/188)

فبين النبي صلى الله عليه و سلم أن هذا هو ذلك السبيل واختلف العلماء في هذه الآية فقيل هي محكمة وهذا الحديث مفسر لها وقيل منسوخة بالآية التي في أول سورة النور وقيل أن آية النور في البكرين وهذه الآية في الثيبين وأجمع العلماء على وجوب جلد الزاني البكر مائة ورجم المحصن وهو الثيب ولم يخالف في هذا أحد من أهل القبلة إلا ما حكى القاضي عياض وغيره عن الخوارج وبعض العتزلة كالنظام وأصحابه فإنهم لم يقولوا بالرجم واختلفوا في جلد الثيب مع الرجم فقالت طائفة يجب الجمع بينهما فيجلد ثم يرجم وبه قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه والحسن البصري وإسحاق بن راهويه وداود وأهل الظاهر وبعض أصحاب الشافعي وقال جماهير العلماء الواجب الرجم وحده وحكى القاضي عن طائفة من أهل الحديث أنه يجب الجمع بينهما إذا كان الزاني شيخا ثيبا فإن كان شابا ثيبا اقتصر على الرجم وهذا مذهب باطل لا أصل له وحجة الجمهور ان النبي صلى الله عليه و سلم اقتصر على رجم الثيب في احاديث كثيرة منها قصة ماعز وقصة المرأة الغامدية وفي قوله صلى الله عليه و سلم واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها قالوا وحديث الجمع بين الجلد والرجم منسوخ فإنه كان في أول الأمر وأما قوله صلى الله عليه و سلم في البكر ونفي سنة ففيه حجة للشافعي والجماهير أنه يجب نفيه سنة رجلا كان أو امرأة وقال الحسن لا يجب النفي وقال مالك والأوزاعي لا نفي على النساء وروى مثله عن علي رضي الله عنه وقالوا لأنها عورة وفي نفيها تضييع لها وتعريض لها للفتنة ولهذا نهيت عن المسافرة إلا مع محرم وحجة الشافعي قوله صلى الله عليه و سلم البكر بالبكر جلد مائة ونفى سنة وأما العبد والأمة ففيهما ثلاثة أقوال للشافعي أحدها يغرب كل واحد منهما سنة لظاهر الحديث وبهذا قال سفيان الثوري وأبو ثور وداود وبن جرير والثاني يغرب نصف سنة لقوله تعالى فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب وهذا أصح الأقوال عند أصحابنا وهذه الآية مخصصة لعموم الحديث والصحيح عند الأصوليين جواز تخصيص السنة بالكتاب لأنه إذا جاز تخصيص الكتاب بالكتاب فتخصيص السنة به أولى والثالث لا يغرب المملوك اصلا وبه قال الحسن البصري وحماد ومالك وأحمد وإسحاق لقوله صلى الله عليه و سلم في الأمة إذا زنت فليجلدها ولم يذكر النفي ولأن نفيه يضر سيده مع أنه لا جناية من سيده وأجاب أصحاب الشافعي عن حديث الأمة إذا زنت أنه ليس فيه تعرض للنفي والآية ظاهرة في وجوب النفي فوجب العمل بها وحمل الحديث على موافقتها
(11/189)

والله أعلم وأما قوله صلى الله عليه و سلم ( البكر بالبكر والثيب بالثيب ) فليس هو على سبيل الإشتراط بل حد البكر الجلد والتغريب سواء زنى ببكر أم بثيب وحد الثيب الرجم سواء زنى بثيب أم ببكر فهو شبيه بالتقييد الذي يخرج على الغالب وأعلم أن المراد بالبكر من الرجال والنساء من لم يجامع في نكاح صحيح وهو حر بالغ عاقل سواء كان جامع بوطء شبهة أو نكاح فاسد أو غيرهما أم لا والمراد بالثيب من جامع في دهره مرة من نكاح صحيح وهو بالغ عاقل حر والرجل والمرأة في هذا سواء والله أعلم وسواء في كل هذا المسلم والكافر والرشيد والمحجور عليه لسفه والله أعلم قوله ( حدثنا عمرو الناقد حدثنا هشيم أخبرنا منصور بهذا الإسناد ) في هذا الكلام فائدتان احداهما بيان أن الحديث روى من طريق آخر فيزداد قوة والثانية أن هشيما مدلس وقد قال في الرواية الاولى وعن منصور وبين في الثانية أنه سمعه من منصور وقد سبق التنبيه على مثل هذا مرات قوله ( كان نبي الله صلى الله عليه و سلم إذا أنزل عليه الوحي كرب لذلك وتربد وجهه ) هو بضم الكاف وكسر الراء وتربد وجهه ) أي علته غبرة والربد تغير البياض إلى السواد وإنما حصل له ذلك لعظم موقع الوحي قال الله تعالى إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا قوله صلى الله عليه و سلم ( ثم رجم بالحجارة ) التقيد بالحجارة للإستحباب ولو رجم بغيرها جاز
(11/190)

وهو شبيه بالتقييد بها في الاستنجاء [ 1691 ] قوله ( فكان مما أنزل الله عليه آية الرجم قرأناها ووعيناها وعقلناها ) أراد بآية الرجم الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة وهذا مما نسخ لفظه وبقي حكمه وقد وقع نسخ حكم دون اللفظ وقد وقع نسخهما جميعا فما نسخ لفظه ليس له حكم القرأن في تحريمه على الجنب ونحو ذلك وفي ترك الصحابه كتابة هذه الآية دلالة ظاهرة أن المنسوخ لا يكتب في المصحف وفي إعلان عمر بالرجم وهو على المنبر وسكوت الصحابة وغيرهم من الحاضرين عن مخالفته بالانكار دليل على ثبوت الرجم وقد يستدل به على أنه لا يجلد مع الرجم وقد تمتنع دلالته لأنه لم يتعرض للجلد وقد ثبت في القرآن والسنة قوله ( فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة ) هذا الذي خشيه قد وقع من الخوارج ومن وافقهم كما سبق بيانه وهذا من كرامات عمر رضي الله عنه
(11/191)

ويحتمل أنه علم ذلك من جهة النبي صلى الله عليه و سلم قوله ( وإن الرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف ) أجمع العلماء على أن الرجم لا يكون إلا على من زنى وهو محصن وسبق بيان صفة المحصن وأجمعوا على أنه إذا قامت البينة بزناه وهو محصن يرجم وأجمعوا على أن البينة أربعة شهداء ذكور عدول هذا إذا شهدوا على نفس الزنى ولا يقبل دون الأربعة وإن اختلفوا في صفاتهم وأجمعوا على وجوب الرجم على من اعترف بالزنى وهو محصن يصح إقراره بالحد واختلفوا في اشتراط تكرار إقراره أربع مرات وسنذكره قريبا إن شاء الله تعالى وأما الحبل وحده فمذهب عمر بن الخطاب رضي الله عنه وجوب الحد به إذا لم يكن لها زوج ولا سيد وتابعه مالك وأصحابه فقالوا إذا حبلت ولم يعلم لها زوج ولا سيد ولا عرفنا اكراهها لزمها الحد إلا أن تكون غريبة طارئة وتدعى أنه من زوج أو سيد قالوا ولا تقبل دعواها إلا كراه إذا لم تقم بذلك مستغيثة عند الإكراه قبل ظهور الحمل وقال الشافعي وأبو حنيفة وجماهير العلماء لا حد عليها بمجرد الحبل سواء كان لها زوج أو سيد أم لا سواء الغريبة وغيرها وسواء ادعت الإكراه أم سكتت فلا حد عليها مطلقا إلا ببينة أو اعتراف لأن الحدود تسقط بالشبهات قوله في الرجل الذي اعترف بالزنى فأعرض عنه النبي صلى الله عليه و سلم فجاءه من جوانبه حتى أقر أربع مرات فسأله النبي صلى الله عليه و سلم هل به جنون فقال لا فقال هل أحصنت قال نعم فقال اذهبوا به فارجموه احتج به أبو حنيفة وسائر الكوفيين وأحمد وموافقوهما في أن الاقرار
(11/192)

بالزنى لا يثبت ويرجم به المقر حتى يقر أربع مرات وقال مالك والشافعي وآخرون يثبت الاقرار به بمرة واحدة ويرجم واحتجوا بقوله صلى الله عليه و سلم واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها ولم يشترط عددا وحديث الغامدية ليس فيه اقرارها أربع مرات واشترط بن أبي ليلى وغيره من العلماء اقراره أربع مرات في أربع مجالس قوله صلى الله عليه و سلم ( أبك جنون ) إنما قاله ليتحقق حاله فإن الغالب أن الإنسان لا يصر على الاقرار بما يقتضي قتله من غير سؤال مع أن له طريقا إلى سقوط الإثم بالتوبة وفي الرواية الأخرى أنه سأل قومه عنه فقالوا ما نعلم به بأسا وهذا مبالغة في تحقق حاله وفي صيانة دم المسلم وفيه إشارة إلى أن اقرار المجنون باطل وأن الحدود لا تجب عليه وهذا كله مجمع عليه قوله صلى الله عليه و سلم ( هل أحصنت ) فيه أن الإمام يسأل عن شروط الرجم من الاحصان وغيره سواء ثبت بالاقرار أم بالبينة وفيه مؤاخذة الإنسان باقراره قوله ( حتى ثنى ذلك عليه أربع مرات ) هو بتخفيف النون أي كرره أربع مرات وفيه التعريض للمقر بالزنى بأن يرجع ويقبل رجوعه بلا خلاف قوله صلى الله عليه و سلم ( اذهبوا به فارجموه ) فيه جوار استنابة الإمام من يقيم الحد قال العلماء لا يستوفي الحد إلا الإمام أو من فوض ذلك إليه وفيه دليل على أنه يكفي الرجم ولا يجلد معه وقد سبق بيان الخلاف في هذا قوله ( فرجمناه
(11/193)

بالمصلى ) قال البخاري وغيره من العلماء فيه دليل على أن مصلى الجنائز والأعياد إذا لم يكن قد وقف مسجدا لا يثبت له حكم المسجد إذ لو كان له حكم المسجد تجنب الرجم فيه وتلطخه بالدماء والميتة قالوا والمراد بالمصلى هنا مصلى الجنائز ولهذا قال في الرواية الأخرى في بقيع الغرقد وهو موضع الجنائز بالمدينة وذكر الدارمي من أصحابنا أن المصلى الذي للعيد ولغيره إذا لم يكن مسجدا هل يثبت له حكم المسجد فيه وجهان أصحهما ليس له حكم المسجد والله أعلم قوله ( فلما أذلقته الحجارة هرب ) هو بالذال المعجمة وبالقاف أي أصابته بحدها قوله ( فأدركناه بالحرة فرجمناه ) اختلف العلماء في المحصن إذا اقر بالزنى فشرعوا في رجمه ثم هرب هل يترك أم يتبع ليقام عليه الحد فقال الشافعي وأحمد وغيرهما يترك ولا يتبع لكي أن يقال له بعد ذلك فإن رجع عن الاقرار ترك وإن أعاد رجم وقال مالك في رواية وغيره أنه يتبع ويرجم واحتج الشافعي وموافقوه بما جاء في رواية أبي داود أن النبي صلى الله عليه و سلم قال ألا تركتموه حتى أنظر في شأنه وفي رواية هلا تركتموه فلعله يتوب فيتوب الله عليه واحتج الآخرون بأن النبي صلى الله عليه و سلم لم يلزمهم
(11/194)

ذنبه مع أنهم قتلوه بعد هربه وأجاب الشافعي وموافقوه عن هذا بأنه لم يصرح بالرجوع وقد ثبت اقراره فلا يتركه حتى يصرح بالرجوع قالوا وإنما قلنا لا يتبع في هربه لعله يريد الرجوع ولم نقل أنه سقط الرجم بمجرد الهرب والله أعلم قوله ( رجل قصير أعضل ) هو بالضاد المعجمة أي مشتد الخلق قوله صلى الله عليه و سلم ( فلعلك قال لا والله إنه قد زنى الأخر ) معنى هذا الكلام الإشارة إلى تلقينه الرجوع عن الاقرار بالزنى واعتذاره بشبهة يتعلق بها كما جاء في الرواية الأخرى لعلك قبلت أو غمزت فاقتصر في هذه الرواية على لعلك اختصارا وتنبيها واكتفاء بدلالة الكلام والحال على المحذوف أي لعلك قبلت أو نحو ذلك ففيه استحباب تلقين المقر بحد الزنى والسرقة وغيرهما من حدود الله تعالى وأنه يقبل رجوعه عن ذلك لأن الحدود مبنية على المساهلة والدرء بخلاف حقوق الآدميين وحقوق الله تعالى المالية كالزكاة والكفارة وغيرهما لا يجوز التلقين فيها ولو رجع لم يقبل رجوعه وقد جاء تلقين الرجوع عن الاقرار بالحدود عن النبي صلى الله عليه و سلم وعن الخلفاء الراشدين ومن بعدهم واتفق العلماء عليه قوله ( إنه قد زنى الأخر ) وهو بهمزة مقصورة وخاء مكسورة ومعناه الأرذل والأبعد والأدنى وقيل اللئيم وقيل الشقي وكله متقارب ومراده نفسه فحقرها وعابها لا سيما وقد فعل هذه الفاحشة وقيل إنها كناية يكنى بها عن نفسه وعن غيره إذا أخبر عنه بما يستقبح قوله صلى الله عليه و سلم ( ألا كلما نفرنا في سبيل الله خلف أحدهم له نبيب كنبيب التيس ي يمنح أحدهم الكثبة ) وفي بعض النسخ أحداهن بدل أحدهم ونبيب التيس صوته عند السفاد ويمنح بفتح الياء والنون أي يعطى والكثبة بضم الكاف واسكان
(11/195)

المثلثة القليل من اللبن وغيره قوله ( أتى برجل قصير أشعث ذي عضلات ) هو بفتح العين والضاد قال أهل اللغة العضلة كل لحمة صلبة مكتنزة قوله ( تخلف أحدكم ينب ) هو بفتح الياء وكسر النون وتشديد الباء الموحدة قوله صلى الله عليه و سلم ( ألا جعلته نكالا ) أي عظة وعبرة لمن بعده بما أصبته منه من العقوبة ليمتنعوا من تلك الفاحشة قوله صلى الله عليه و سلم لماعز [ 1693 ] ( أحق ما بلغني عنك قال وما بلغك عني قال بلغني عنك أنك وقعت بجارية آل فلان قال نعم فشهد أربع شهادات ثم أمر به فرجم ) هكذا وقع في هذه الرواية والمشهور في باقي الروايات أنه
(11/196)

أتى النبي صلى الله عليه و سلم فقال طهرني قال العلماء لا تناقض بين الروايات فيكون قد جيء به إلى النبي صلى الله عليه و سلم من غير استدعاء من النبي صلى الله عليه و سلم وقد جاء في غير مسلم أن قومه أرسلوه إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال النبي صلى الله عليه و سلم للذي أرسله لو سترته بثوبك يا هزال لكان خيرا لك وكان ماعز عند هزال فقال النبي صلى الله عليه و سلم لماعز بعد أن ذكر له الذين حضروا معه ما جرى له أحق ما بلغني عنك إلى آخره قوله ( فما أوثقناه ولا حفرنا له ) [ 1694 ] وفي الرواية الأخرى في صحيح مسلم فلما كان الرابعة حفر له حفرة ثم أمر به فرجم وذكر بعده في حديث الغامدية ثم أمر بها فحفر لها إلى صدرها وأمر الناس فرجموها أما قوله فما أوثقناه فهكذا الحكم عند الفقهاء وأما الحفر للمرجوم والمرجومة ففيه مذاهب للعلماء قال مالك وأبو حنيفة وأحمد رضي الله عنهم في المشهور عنهم لا يحفر لواحد منهما وقال قتادة وأبو ثور وأبو يوسف وأبو حنيفة في رواية يحفر لهما وقال بعض المالكية يحفر لمن يرجم بالبينة لا من يرجم بالاقرار وأما أصحابنا فقالوا لا يحفر للرجل سواء ثبت زناه بالبينة أم بالاقرار وأما المرأة ففيها ثلاثة أوجه لأصحابنا أحدها يستحب الحفر لها إلى صدرها ليكون أستر لها والثاني لا يستحب ولا يكره بل هو إلى خيرة الإمام والثالث وهو الأصح أن ثبت زناها بالبينة استحب وإن ثبت بالاقرار فلا ليمكنها الهرب أن رجعت فمن قال بالحفر لهما احتج بأنه حفر للغامدية وكذا لماعز في رواية ويجيب هؤلاء عن الرواية الأخرى في ماعز أنه لم يحفر له أن المراد حفيرة عظيمة أو غير ذلك من تخصيص الحفيرة وأما من قال لا يحفر فاحتج برواية من روى فما أوثقناه ولا حفرنا له وهذا المذهب ضعيف لأنه
(11/197)

منابذ لحديث الغامدية ولرواية الحفر لماعز وأما من قال بالتخيير فظاهر وأما من فرق بين الرجل والمرأة فيحمل رواية الحفر لماعز على أنه لبيان الجواز وهذا تأويل ضعيف ومما احتج به من ترك الحفر حديث اليهوديين المذكور بعد هذا وقوله جعل يجنأ عليها ولو حفر لهما لم يجنأ عليها واحتجوا أيضا بقوله في حديث ماعز فلما أذلقته الحجارة هرب وهذا ظاهر في أنه لم تكن حفرة والله أعلم قوله ( فرميناه بالعظام والمدر والخزف ) هذا دليل لما اتفق عليه العلماء أن الرجم يحصل بالحجر أو المدر أو العظام أو الخزف أو الخشب وغير ذلك مما يحصل به القتل ولا تتعين الاحجار وقد قدمنا أن قوله صلى الله عليه و سلم ثم رجما بالحجارة ليس هو للاشتراط قال أهل اللغة الخزف قطع الفخار المنكسر قوله ( حتى أتي عرض الحرة ) هو بضم العين أي جانبها قوله ( فرميناه بجلاميد الحرة أي الحجارة الكبار واحدها جلد بفتح الجيم والميم وجلمود بضم الجيم قوله حتى سكت ) هو بالتاء في آخره هذا هو المشهور في الروايات قال القاضي ورواه بعضهم سكن بالنون والأول الصواب ومعناهما مات قوله ( فما استغفر له ولا سبه ) أما عدم السب فلأن الحد كفارة له مطهرة له من معصيته وأما عدم الاستغفار
(11/198)

فلئلا يغتر غيره فيقع في الزنى اتكالا على استغفاره صلى الله عليه و سلم قوله [ 1695 ] ( جاء ماعز بن مالك إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله طهرني فقال ويحك ارجع فاستغفر الله وتب إليه فرجع غير بعيد ثم جاء فقال يا رسول الله طهرني إلى آخره ) ومثله في حديث الغامدية قالت طهرني قال ويحك ارجعي فاستغفري الله وتوبي إليه هذا دليل على أن الحد يكفر ذنب المعصية التي حد لها وقد جاء ذلك صريحا في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه وهو قوله صلى الله عليه و سلم من فعل شيئا من ذلك فعوقب به في الدنيا فهو كفارته ولا نعلم في هذا خلافا وفي هذا الحديث دليل على سقوط إثم المعاصي الكبائر بالتوبة وهو بإجماع المسلمين إلا ما قدمناه عن بن عباس في توبة القاتل خاصة والله أعلم فإن قيل فما بال ماعز والغامدية لم يقنعا بالتوبة وهي محصلة لغرضهما وهو سقوط الإثم بل أصرا على الاقرار واختارا الرجم فالجواب أن تحصيل البراءة بالحدود وسقوط الإثم متيقن على كل حال لا سيما وإقامة الحد بأمر النبي صلى الله عليه و سلم وأما التوبة فيخاف أن لا تكون نصوحا وأن يخل بشيء من شروطها فتبقى المعصية وإثمها دائما عليه فأرادا حصول البراءة بطريق متيقن دون ما يتطرق إليه احتمال والله أعلم وروينا عن الحسن البصري قال ويح كلمة رحمة والله أعلم وقوله صلى الله عليه و سلم
(11/199)

( فيم أطهرك قال من الزنى ) هكذا هو في جميع النسخ فيم بالفاء والياء وهو صحيح وتكون في هنا للسببية أي بسبب ماذا أطهرك قوله في اسناد هذا الحديث ( حدثنا محمد بن العلاء الهمداني قال حدثنا يحيى بن يعلى وهو بن الحارث المحاربي عن غيلان وهو بن جامع المحاربي عن علقمة ) هكذا في النسخ عن يحيى بن يعلى عن غيلان قال القاضي والصواب ما وقع في نسخة الدمشقي عن يحيى بن يعلى عن أبيه عن غيلان فزاد في الاسناد عن أبيه وكذا أخرجه أبو داود في كتاب السنن والنسائي من حديث يحيى بن يعلى عن أبيه عن غيلان وهو الصواب وقد نبه في كتاب السنن والنسائي من حديث يحيى بن يعلى عن أبيه عن غيلان وهو الصواب وقد نبه عبد الغني على الساقط من هذا الاسناد في نسخة أبي العلاء بن ماهان ووقع في كتاب الزكاة من السنن لأبي داود حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا يحيى بن يعلى حدثنا أبي حدثنا غيلان عن جعفر عن مجاهد عن بن عباس قال لما نزلت والذين يكنزون الذهب والفضة الآية فهذا السند يشهد بصحة ما تقدم قال البخاري في تاريخه يحيى بن يعلى سمع أباه وزائدة بن قدامة هذا آخر كلام القاضي وهو صحيح كما قال ولم يذكر أحد سماعا ليحيى بن يعلى هذا من غيلان بل قالوا سمع أباه وزائدة قوله ( فقال أشرب خمرا فقام رجل فاستنكهه فلم يجد منه ريح خمر ) مذهبنا الصحيح المشهور صحة اقرار السكران ونفوذ أقواله فيما له وعليه والسؤال عن شربه الخمر محمول عندنا أنه لو كان سكران لم يقم عليه الحد ومعنى استنكهه أي شم رائحة فمه واحتج أصحاب مالك وجمهور الحجازيين أنه يحد من وجد منه ريح الخمر وإن لم تقم عليه بينة بشربها ولا أقر به ومذهب الشافعي وأبي حنيفة وغيرهما لا يحد بمجرد ريحها بل لا بد من بينة على شربه أو اقراره وليس
(11/200)

في هذا الحديث دلالة لأصحاب مالك قوله ( جاءت امرأة من غامد ) هي بغين معجمة ودال مهملة وهي بطن من جهينة قوله ( فقال لها حتى تضعي مافي بطنك ) فيه أنه لا ترجم الحبلى حتى تضع سواء كان حملها من زنا أو غيره وهذا مجمع عليه لئلا يقتل جنينها وكذا لو كان حدها الجلد وهي حامل لم تجلد بالاجماع حتى تضع وفيه أن المرأة ترجم إذا زنت وهي محصنة كما يرجم الرجل وهذا الحديث محمول على أنها كانت محصنة لأن الأحاديث الصحيحة والاجماع متطابقان على أنه لا يرجم غير المحصن وفيه أن من وجب عليها قصاص وهي حامل لا يقتص منها حتى تضع وهذا مجمع عليه ثم لا ترجم الحامل الزانية ولا يقتص منها بعد وضعها حتى تسقي ولدها اللبأ ويستغنى عنها بلبن غيرها وفيه أن الحمل يعرف ويحكم به وهذا هو الصحيح في مذهبنا قوله ( فكفلها رجل من الأنصار حتى وضعت ) أي قام بمؤنتها ومصالحها وليس هو من الكفالة التي هي بمعنى الضمان لأن هذا لا يجوز في الحدود التي لله تعالى قوله ( لما وضعت قيل قد وضعت الغامدية فقال
(11/201)

النبي صلى الله عليه و سلم إذا لا نرجمها وندع ولدها صغيرا ليس له من يرضعه فقام رجل من الأنصار فقال إلى رضاعه يانبي الله قال فرجمها ) وفي الرواية الأخرى أنها لما ولدت جاءت بالصبي في خرقة قالت هذا قد ولدته قال فاذهبي فأرضعيه حتى تفطميه فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز فقالت يا نبي الله هذا قد فطمته وقد أكل الطعام فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين ثم أمر بها فرجموها فهاتان الروايتان ظاهرهما الإختلاف فإن الثانية صريحة في أن رجمها كان بعد فطامه وأكله الخبز والأولى ظاهرها أنه رجمها عقب الولادة ويجب تأويل الأولى وحملها على وفق الثانية لأنها قضية واحدة والروايتان صحيحتان والثانية منهما صريحة لا يمكن تأويلها والأولى ليست صريحة فيتعين تأويل الأولى ويكون قوله في الرواية الأولى قام رجل من الأنصار فقال إلى رضاعه إنما قاله بعد الفطام وأراد بالرضاعة كفالته وتربيته وسماه رضاعا مجازا وأعلم أن مذهب الشافعي وأحمد وإسحاق والمشهور من مذهب مالك أنها لا ترجم حتى تجد من ترضعه فإن لم تجد أرضعته حتى تفطمه ثم رجمت وقال أبو حنيفة ومالك في رواية عنه إذا وضعت رجمت ولا ينتظر حصول مرضعة وأما هذا الأنصاري الذي كفلها فقصد مصلحة وهو الرفق بها ومساعدتها على تعجيل طهارتها بالحد لما رأى بها من الحرص
(11/202)

التام على تعجيل ذلك قال أهل اللغة الفطام قطع الإرضاع لاستغناء الولد عنه قوله ( قال مالا فاذهبي حتى تلدي ) هو بكسر الهمزة من أما وتشديد الميم وبالإمالة ومعناه إذا أبيت أن تستري على نفسك وتتوبي وترجعي عن قولك فاذهبي حتى تلدي فترجمين بعد ذلك وقد سبق شرح هذه اللفظة مبسوطا قوله ( فتنضح الدم على وجه خالد ) روى بالحاء المهملة وبالمعجمة والأكثرون على المهملة ومعناه ترشش وانصب قوله صلى الله عليه و سلم ( لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له ) فيه أن المكس من أقبح المعاصي والذنوب الموبقات وذلك لكثرة مطالبات الناس له وظلاماتهم عنده وتكرر ذلك منه وانتهاكه للناس وأخذ أموالهم بغير حقها وصرفها في غير وجهها وفيه أن توبة الزاني لا تسقط عنه حد الزنى وكذا حكم حد السرقة والشرب
(11/203)

هذا أصح القولين في مذهبنا ومذهب مالك والثاني أنها تسقط ذلك وأما توبة المحارب قبل القدرة عليه فتسقط حد المحاربة بلا خلاف عندنا وعند بن عباس وغيره لا تسقط قوله ( ثم أمر بها فصلى عليها ثم دفنت ) وفي الرواية الثانية أمر بها النبي صلى الله عليه و سلم فرجمت ثم صلى عليها فقال له عمر تصلى عليها يا نبي الله وقد زنت أما الرواية الثانية فصريحة في أن النبي صلى الله عليه و سلم صلى عليها وأما الرواية الأولى فقال القاضي عياض رضي الله عنه هي بفتح الصاد واللام عند جماهير رواة صحيح مسلم قال وعند الطبري بضم الصاد قال وكذا هو في رواية بن أبي شيبة وأبي داود قال وفي رواية لأبي داود ثم أمرهم أن يصلوا عليها قال القاضي ولم يذكر مسلم صلاته صلى الله عليه و سلم على ماعز وقد ذكرها البخاري وقد اختلف العلماء في الصلاة على المرجوم فكرهها مالك وأحمد للإمام ولأهل الفضل دون باقي الناس ويصلي عليه غير الإمام وأهل الفضل قال الشافعي وآخرون يصلي عليه الإمام وأهل الفضل وغيرهم والخلاف بين الشافعي ومالك إنما هو في الإمام وأهل الفضل وأما غيرهم فاتفقا على أنه يصلي وبه قال جماهير العلماء قالوا فيصلى على الفساق والمقتولين في الحدود والمحاربة وغيرهم وقال الزهري لا يصلى أحد على المرجوم وقاتل نفسه وقال قتادة لا يصلي على ولد الزنى واحتج الجمهور بهذا الحديث وفيه دلالة للشافعي أن الإمام وأهل الفضل يصلون على المرجوم كما يصلي عليه غيرهم وأجاب أصحاب مالك عنه بجوابين أحدهما أنهم ضعفوا رواية الصلاة لكون أكثر الرواة لم يذكروها والثاني تأولوها على أنه صلى الله عليه و سلم أمر بالصلاة أو دعا فسمى صلاة على مقتضاها في اللغة وهذان الجوابان فاسدان أما الأول فإن هذه الزيادة ثابتة في الصحيح وزيادة الثقة مقبولة وأما الثاني فهذا التأويل مردود لأن التأويل إنما يصار إليه إذا اضطربت الأدلة الشرعية إلى ارتكابه وليس هنا شيء من ذلك فوجب حمله على ظاهره والله
(11/204)

أعلم قوله صلى الله عليه و سلم لولي الغامدية [ 1696 ] ( أحسن إليها فإذا وضعت فائتني بها ) هذا الإحسان له سببان أحدهما الخوف عليها من أقاربها أن تحملهم الغيرة ولحوق العار بهم أن يؤذوها فأوصى بالإحسان إليها تحذيرا لهم من ذلك والثاني أمر به رحمة لها إذ قد ثابت وحرص على الإحسان إليها لما في نفوس الناس من النفرة من مثلها واسماعها الكلام المؤذي ونحو ذلك فنهى عن هذا كله قوله ( فأمر بها فشكت عليها ثيابها ثم أمر بها فرجمت ) هكذا هو في معظم النسخ فشكت وفي بعضها فشدت بالدال بدل الكاف وهو معنى الأول وفي هذا استحباب جمع أثوابها عليها وشدها بحيث لا تنكشف عورتها في تقلبها وتكرار اضطرابها واتفق العلماء على أنه لا ترجم إلا قاعدة وأما الرجل فجمهورهم على أنه يرجم قائما وقال مالك قاعدا وقال غيره يخير الإمام بينهما قوله في بعض الروايات ( فأمر بها فرجمت ) وفي بعضها وأمر الناس فرجموها وفي حديث ماعز أمرنا أن نرجمه ونحو ذلك فيها كلها دلالة لمذهب الشافعي ومالك وموافقيهما أنه لا يلزم الإمام حضور الرجم وكذا لو ثبت بشهود لم يلزمه الحضور وقال أبو حنيفة
(11/205)

وأحمد يحضر الإمام مطلقا وكذا الشهود أن ثبت ببينة ويبدأ الإمام بالرجم إن ثبت بالاقرار وإن ثبت بالشهود بدأ الشهود وحجة الشافعي أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يحضر أحدا ممن رجم والله أعلم قوله [ 1697 ] [ 1698 ] ( أنشدك الله إلا قضيت لي بكتاب الله ) معنى أنشدك أسألك رافعا نشيدي وهو صوتي وهو بفتح الهمزة وضم الشين وقوله بكتاب الله أي بما تضمنه كتاب الله وفيه أنه يستحب للقاضي أن يصبر على من يقول من جفاة الخصوم أحكم بالحق بيننا ونحو ذلك قوله ( فقال الخصم الآخر وهو أفقه منه ) قال العلماء يجوز أن يكون أراد انه بالإضافة أكثر فقها منه ويحتمل أن المراد أفقه منه في هذه القضية لوصفه إياها على وجهها ويحتمل أنه لأدبه واستئذانه في الكلام وحذره من الوقوع في النهي في قوله تعالى لا تقدموا بين يدي الله ورسوله بخلاف خطاب الأول في قوله أنشدك الله إلى آخره فإنه من جفاء الأعراب قوله ( إن ابني كان عسيفا على هذا ) هو بالعين والسين المهملتين أي أجيرا وجمعه عسفاء كأجير وأجراء وفقيه وفقهاء قوله صلى الله عليه و سلم ( لأقضين بينكما بكتاب الله ) يحتمل أن المراد بحكم الله وقيل هو إشارة إلى قوله تعالى أو يجعل الله لهن سبيلا وفسر النبي صلى الله عليه و سلم السبيل بالرجم في حق المحصن كما سبق في حديث عبادة بن الصامت وقيل هو إشارة إلى آية الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما وقد سبق أنه مما نسخت تلاوته وبقى حكمه فعلى هذا يكون الجلد قد أخذه من قوله تعالى الزانية والزاني وقيل المراد نقض صلحهما الباطل على الغنم والوليدة قوله ( فسألت أهل العلم ) فيه جواز استفتاء غير النبي صلى الله عليه و سلم في زمنه لأنه صلى الله عليه و سلم لم ينكر
(11/206)

ذلك عليه وفيه جواز استفتاء المفضول مع وجود أفضل منه قوله صلى الله عليه و سلم ( الوليده والغنم رد ) أي مردودة ومعناه يجب ردها اليك وفي هذا أن الصلح الفاسد يرد وأن أخذ المال فيه باطل يجب رده وأن الحدود لاتقبل الفداء قوله صلى الله عليه و سلم ( وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام ) هذا محمول على أن الابن كان بكرا وعلى أنه اعترف وإلا فإقرار الأب عليه لايقبل أو يكون هذا إفتاء أي إن كان ابنك زنى وهو بكر فعليه جلد مائة وتغريب عام قوله صلى الله عليه و سلم ( واغد ياأنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها فغدا عليها فاعترفت فأمر بها فرجمت ) أنيس هذا صحابي مشهور وهو أنيس بن الضحاك الأسلمي معدود في الشاميين وقال بن عبد البر هو أنيس بن مرثد والأول هو الصحيح المشهور وأنه أسلمي والمرأة أيضا أسلمية واعلم أن بعث أنيس محمول عند العلماء من أصحابنا وغيرهم على إعلام المرأة بأن هذا الرجل قذفها بابنه فيعرفها بأن لها عنده حد القذف فتطالب به أو تعفو عنه إلا أن تعترف بالزنى فلا يجب عليه حد القذف بل يجب عليها حد الزنى وهو الرجم لأنها كانت محصنة فذهب إليها أنيس فاعترفت بالزنى فأمر النبي صلى الله عليه و سلم برجمها فرجمت ولا بد من هذا التأويل لأن ظاهره أنه بعث لإقامة حد الزنى وهذا غير مراد لأن حد الزنى لا يحتاج له بالتجسس والتفتيش عنه بل لو أقر به الزاني استحب ان يلقن الرجوع كما سبق فحينئذ يتعين التأويل الذي ذكرناه وقد اختلف أصحابنا
(11/207)

في هذا البعث هل يجب على القاضي إذا قذف إنسان معين في مجلسه أن يبعث إليه ليعرفه بحقه من حد القذف أم لا يجب والأصح وجوبه وفي هذا الحديث أن المحصن يرجم ولا يجلد مع الرجم وقد سبق بيان الخلاف فيه [ 1699 ] قوله ( إن النبي صلى الله عليه و سلم أتي بيهودي ويهودية قد زنيا إلى قوله فرجما ) في هذا دليل لوجوب حد الزنى على الكافر وأنه يصح نكاحه لأنه لا يجب الرجم إلا على محصن فلو لم يصح نكاحه لم يثبت إحصانه ولم يرجم وفيه أن الكفار مخاطبون بفروع الشرع وهو الصحيح وقيل لا يخاطبون بها وقيل أنهم مخاطبون بالنهي دون الأمر وفيه أن الكفار إذا تحاكموا إلينا حكم القاضي بينهم بحكم شرعنا وقال مالك لا يصح إحصان الكافر قال وإنما رجمهما لأنهما لم يكونا أهل ذمة وهذا تأويل باطل لأنهما كانا من أهل العهد ولأنه رجم المرأة والنساء لا يجوز قتلهن مطلقا قوله صلى الله عليه و سلم ( فقال ما تجدون في التوراة ) قال العلماء هذا السؤال ليس لتقليدهم ولا لمعرفة الحكم منهم فإنما هو لإلزامهم بما يعتقدونه في كتابهم ولعله صلى الله عليه و سلم قد أوحى إليه أن الرجم في التوراة الموجودة في أيديهم لم يغيروه كما غيروا أشياء أو أنه أخبره بذلك من أسلم منهم ولهذا لم يخف ذلك عليه حين كتموه قوله ( نسود وجوههما ونحملهما ) هكذا هو في أكثر النسخ نحملهما بالحاء واللام وفي بعضها نجملهما بالجيم وفي بعضها نحممهما بميمين وكله متقارب فمعنى الأول نحملهما على الحمل ومعنى الثاني نجملهما جميعا على الجمل ومعنى الثالث نسود وجوههما بالحمم بضم الحاء وفتح الميم وهو الفحم وهذا الثالث ضعيف لأنه قال قبله نسود وجوههما فإن قيل كيف رجم اليهوديان
(11/208)

بالبينة أم بالاقرار قلنا الظاهر أنه بالاقرار وقد جاء في سنن أبي داود وغيره أنه شهد عليهما أربعة
(11/209)

أنهم رأوا ذكره في فرجها فإن صح هذا فإن كان الشهود مسلمين فظاهر وإن كانوا كفارا فلا اعتبار بشهادتهم ويتعين أنهما أقرا بالزنى قوله ( رجم رجلا من اليهود [ 1701 ] وامرأته ) أي صاحبته التي زنا
(11/210)

بها ولم يرد زوجته وفي رواية وامرأة قوله صلى الله عليه و سلم [ 1703 ] ( إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد ولا يثرب عليها ) التثريب التوبيخ واللوم على الذنب ومعنى تبين زناها تحققه أما بالبينة وأما برؤية أو علم عند من يجوز القضاء بالعلم في الحدود وفي هذا الحديث دليل على وجوب حد الزنى على الاماء والعبيد وفيه أن السيد يقيم الحد على عبده وأمته وهذا مذهبنا ومذهب مالك وأحمد وجماهير العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم وقال أبو حنيفة رضي الله عنه في طائفة ليس له ذلك وهذا الحديث صريح في الدلالة للجمهور وفيه دليل على أن العبد والأمة لا يرجمان سواء كانا مزوجين أم لا لقوله صلى الله عليه و سلم فليجلدها الحد ولم يفرق بين مزوجة وغيرها وفيه أنه لا يوبخ الزاني بل يقام عليه الحد فقط قوله صلى الله عليه و سلم ( إن زنت فليجلدها الحد ولا يثرب عليها ثم إن زنت الثالثة فتبين زناها فليبعها ولو بحبل من شعر ) فيه أن الزاني إذا حد ثم زنى ثانيا يلزمه حد آخر فإن زنى ثالثة لزمه حد آخر فإن حد ثم زنا لزمه حد آخر وهكذا أبدا فأما إذا زنى مرات ولم يحد لواحدة منهن فيكفيه حد واحد للجميع وفيه
(11/211)

ترك مخالطة الفساق وأهل المعاصي وفراقهم وهذا البيع المأمور به مستحب ليس بواجب عندنا وعند الجمهور وقال داود وأهل الظاهر هو واجب وفيه جواز بيع الشيء النفيس بثمن حقير وهذا مجمع عليه إذا كان البائع عالما به فإن كان جاهلا فكذلك عندنا وعند الجمهور ولأصحاب مالك فيه خلاف والله أعلم وهذا البيع المأمور به يلزم صاحبه أن يبين حالها للمشتري لأنه عيب والإخبار بالعيب واجب فإن قيل كيف يكره شيئا ويرتضيه لأخيه المسلم فالجواب لعلها تستعف عند المشتري بأن يعفها بنفسه أو يصونها بهيبته أو بالاحسان إليها والتوسعة عليها أو يزوجها أو غير ذلك والله أعلم قوله ( قرأت على مالك عن بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن قال إن زنت فاجلدوها ) وفي
(11/212)

الحديث الآخر أن عليا رضي الله تعالى عنه خطب فقال يا أيها الناس أقيموا على أرقائكم الحد من أحصن منهم ومن لم يحصن قال الطحاوي وفي الرواية الأولى لم يذكر أحد من الرواة قوله ولم يحصن غير مالك وأشار بذلك إلى تضعيفها وأنكر الحفاظ هذا على الطحاوي قالوا بل روى هذه اللفظة أيضا بن عيينة ويحيى بن سعيد عن بن شهاب كما قال مالك فحصل أن هذه اللفظة صحيحة وليس فيها حكم مخالف لأن الأمة تجلد نصف جلد الحرة سواء كانت الأمة محصنة بالتزويج أم لا وفي هذا الحديث بيان من لم يحصن وقوله تعالى فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب فيه بيان من أحصنت فحصل من الآية الكريمة والحديث بيان أن الأمة المحصنة بالتزويج وغير المحصنة تجلد وهو معنى ما قاله علي رضي الله تعالى عنه وخطب الناس به فإن قيل فما الحكمة في التقييد في قوله تعالى فإذا أحصن مع أن عليها نصف جلد الحرة سواء كانت الأمة محصنة أم لا فالجواب أن الآية نبهت على أن الأمة وإن كانت مزوجة لا يجب عليها إلا نصف جلد الحرة لأنه الذي ينتصف وأما الرجم فلا ينتصف
(11/213)

فليس مرادا في الآية بلا شك فليس للأمة المزوجة الموطوءة في النكاح حكم الحرة الموطوءة في النكاح فبينت الآية هذا لئلا يتوهم أن الأمة المزوجة ترجم وقد أجمعوا على أنها لا ترجم وأما غير المزوجة فقد علمنا أن عليها نصف جلد المزوجة بالأحاديث الصحيحة منها حديث مالك هذا وباقي الروايات المطلقة إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها وهذا يتناول المزوجة وغيرها وهذا الذي ذكرناه من وجوب نصف الجلد على الأمة سواء كانت مزوجة أم لا هو مذهب الشافعي ومالك وأبي حنيفة وأحمد وجماهير علماء الأمة وقال جماعة من السلف لا حد على من لم تكن مزوجة من الإماء والعبيد ممن قاله بن عباس وطاوس وعطاء وبن جريج وأبو عبيدة قوله [ 1705 ] ( قال علي زنت أمة لرسول الله صلى الله عليه و سلم فأمرني أن أجلدها فإذا هي حديث عهد بنفاس فخشيت إن أنا جلدتها أن أقتلها فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه و سلم فقال أحسنت ) فيه أن الجلد واجب على الأمة الزانية وأن النفساء والمريضة ونحوهما يؤخر جلدهما إلى البرء والله أعلم
(11/214)



الموضوع التالي


باب حد الخمر