باب اليمين على المدعى عليه
 
( باب اليمين على المدعى عليه قال الزهري رحمه الله تعالى القضاء في الأصل أحكام الشيء والفراغ منه ويكون القضاء امضاء الحكم ومنه قوله تعالى وقضينا إلى بني اسرائيل وسمي الحاكم قاضيا لأنه يمضي الأحكام ويحكمها ويكون قضى بمعنى أوجب فيجوز أن يكون سمي قاضيا لإيجابه الحكم على من يجب عليه وسمي حاكما لمنعه الظالم من الظلم يقال حكمت الرجل وأحكمته إذا منعته وسميت حكمة الدابة لمنعها الدابة من ركوبها رأسها وسميت الحكمة حكمة لمنعها النفس من هواها قوله صلى الله عليه و سلم [ 1711 ] ( لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه ) وفي رواية أن النبي صلى الله عليه و سلم قضى باليمين على المدعي عليه هكذا روى هذا الحديث البخاري ومسلم في صحيحهما مرفوعا من رواية بن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم وهكذا ذكره أصحاب السنن وغيرهم قال القاضي عياض رضي الله عنه قال الأصيلي لا يصح مرفوعا )
(12/2)

إنما هو قول بن عباس كذا رواه أيوب ونافع الجمحي عن بن أبي مليكة عن بن عباس قال القاضي قد رواه البخاري ومسلم من رواية بن جريج مرفوعا هذا كلام القاضي قلت وقد رواه أبو داود والترمذي بأسانيدهما عن نافع بن عمر الجمحي عن بن أبي مليكة عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم مرفوعا قال الترمذي حديث حسن صحيح وجاء في رواية البيهقي وغيره باسناد حسن أو صحيح زيادة عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم قال لو يعطى الناس بدعواهم لادعى قوم دماء قوم وأموالهم ولكن البينة على المدعى واليمين على من أنكر وهذا الحديث قاعدة كبيرة من قواعد أحكام الشرع ففيه أنه لا يقبل قول الإنسان فيما يدعيه بمجرد دعواه بل يحتاج إلى بينة أو تصديق المدعى عليه فإن طلب يمين المدعى عليه فله ذلك وقد بين صلى الله عليه و سلم الحكمة في كونه لا يعطى بمجرد دعواه لأنه لو كان أعطى بمجردها لادعى قوم دماء قوم وأموالهم واستبيح ولا يمكن المدعى عليه أن يصون ماله ودمه وأما المدعى فيمكنه صيانتهما بالبينة وفي هذا الحديث دلالة لمذهب الشافعي والجمهور من سلف الأمة وخلفها أن اليمين تتوجه على كل من ادعى عليه حق سواء كان بينه وبين المدعى اختلاطا أم لا وقال مالك وجمهور أصحابه والفقهاء السبعة فقهاء المدينة أن اليمين لا تتوجه إلا على من بينه وبينه خلطة لئلا يبتذل السفهاء أهل الفضل بتحليفهم مرارا في اليوم الواحد فاشترطت الخلطة دفعا لهذه المفسدة واختلفوا في تفسير الخلطة فقيل هي معرفته بمعاملته ومدينته أبشاهد أو بشاهدين وقيل تكفي الشبهة وقيل هي أن تليق به الدعوى بمثلها على مثله وقيل أن يليق به أن يعامله بمثلها ودليل الجمهور حديث الباب ولا أصل لاشتراط الخلطة في كتاب ولا سنة ولا اجماع
(12/3)