باب قضية هند
 
( باب قضية هند [ 1714 ] قوله ( يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بني إلا ما أخذت من ماله بغير علمه فهل علي في ذلك من جناح فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك ) في هذا الحديث فوائد منها 1 وجوب نفقة الزوجة ومنها 2 وجوب نفقة الأولاد الفقراء الصغار ومنها 3 أن النفقة مقدرة بالكفاية لا بالأمداد ومذهب أصحابنا أن نفقة القريب مقدرة بالكفاية كما هو ظاهر هذا الحديث ونفقة الزوجة مقدرة بالأمداد على الموسر كل يوم مدان وعلىالمعسر مد وعلى المتوسط مد ونصف وهذا الحديث يرد على أصحابنا ومنها 4 جواز سماع كلام الأجنبية عند الافتاء والحكم وكذا ما في معناه ومنها 5 جواز ذكر الإنسان بما يكرهه إذا كان للاستفتاء والشكوى ونحوهما ومنها 6 أن من له على غيره حق وهو عاجز عن استيفائه يجوز له أن يأخذ من ماله قدر حقه بغير إذنه وهذا مذهبنا ومنع ذلك )
(12/7)

أبو حنيفة ومالك رضي الله عنهما ومنها 7 جواز إطلاق الفتوى ويكون المراد تعليقها بثبوت ما يقوله المستفتي ولا يحتاج المفتي أن يقول إن ثبت كان الحكم كذا وكذا بل يجوز له الاطلاق كما أطلق النبي صلى الله عليه و سلم فإن قال ذلك فلا بأس ومنها 8 أن للمرأة مدخلا في كفالة أولادها والأنفاق عليهم من مال أبيهم قال أصحابنا إذا امتنع الأب من الانفاق على الولد الصغير أو كان غائبا أذن القاضي لأمه في الأخذ من آل الأب أو الاستقراض عليه والانفاق على الصغير بشرط أهليتها وهل لها الاستقلال بالأخذ من ماله بغير اذن القاضي فيه وجهان مبنيان على وجهين لأصحابنا في أن إذن النبي صلى الله عليه و سلم لهند امرأة أبي سفيان كان إفتاء أم قضاء والأصح أنه كان إفتاء وأن هذا يجري في كل امرأة أشبهتها فيجوز والثاني كان قضاء فلا يجوز لغيرها إلا بإذن القاضي والله أعلم ومنها 9 اعتماد العرف في الأمور التي ليس فيها تحديد شرعي ومنها 10 جواز خروج المزوجة من بيتها لحاجتها إذا أذن لها زوجها في ذلك أو علمت رضاه به واستدل به جماعات من أصحابنا وغيرهم على جواز القضاء على الغائب وفي المسألة خلاف للعلماء قال أبو حنيفة وسائر الكوفيين لا يقضي عليه بشيء وقال الشافعي والجمهور يقضي عليه في حقوق الآدميين ولا يقضي في حدود الله تعالى ولا يصح الاستدلال بهذا الحديث للمسئلة لأن هذه القضية كانت بمكة وكان أبو سفيان حاضرا بها وشرط القضاء على الغائب أن يكون غائبا عن البلد أو مستترا لا يقدر عليه أو متعذرا ولم يكن هذا الشرط في أبي سفيان موجودا فلا يكون قضاء على الغائب بل هو إفتاء كما سبق والله أعلم قوله ( جاءت هند إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقالت يا رسول الله
(12/8)

والله ما كان على ظهر الأرض أهل خباء أحب إلي من أن يذلهم الله من أهل خبائك وما على ظهر الأرض أهل خباء أحب إلي من أن يعزهم الله من أهل خبائك فقال النبي صلى الله عليه و سلم وأيضا والذي نفسي بيده ) وفي الرواية الأخرى ولا أصبح اليوم على ظهر الأرض خباء أحب إلي من أن يعزوا من أهل خبائك قال القاضي عياض رضي الله عنه أرادت بقولها أهل خباء نفسه صلى الله عليه و سلم فكنت عنه بأهل الخباء إجلالا له قال ويحتمل أن تريد بأهل الخباء أهل بيته والخباء يعبر به عن مسكن الرجل وداره وأما قوله صلى الله عليه و سلم وأيضا والذي نفسي بيده فمعناه وستزيدين من ذلك ويتمكن الإيمان من قلبك ويزيد حبك لله ولرسوله صلى الله عليه و سلم ويقوي رجوعك عن بغضه وأصل هذه اللفظة آض يئيض أيضا إذا رجع قولها في الرواية الأخيرة ( إن أبا سفيان رجل مسيك ) أي شحيح وبخيل واختلفوا في ضبطه على وجهين حكاهما
(12/9)

القاضي أحدهما مسيك بفتح الميم وتخفيف السين والثاني بكسر الميم وتشديد السين وهذا الثاني هو الأشهر في روايات المحدثين والأول أصح عند أهل العربية وهما جميعا للمبالغة والله أعلم قولها ( فهل علي حرج من أن أطعم من الذي له عيالنا قال لها لا إلا بالمعروف ) هكذا هو في جميع النسخ وهو صحيح ومعناه لا حرج ثم ابتدأ فقال إلا بالمعروف أي لا تنفقي إلا بالمعروف أولا حرج إذا لم تنفقي إلا بالمعروف