باب النهي عن كثرة المسائل من غير حاجة والنهي عن منع وهات
 
( باب النهي عن كثرة المسائل من غير حاجة والنهي عن منع وهات ( وهو الامتناع من أداء حق لزمه أو طلب مالا يستحقه ) ق [ 1715 ] وله صلى الله عليه و سلم ( إن الله يرضى لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثا فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ويكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال واضاعة المال ) وفي الرواية الأخرى أن الله حرم عليكم عقوق الأمهات ووأد البنات ومنعا وهات وكره لكم ثلاثا قيل وقال وكثرة السؤال واضاعة المال قال العلماء الرضى والسخط والكراهة من الله تعالى المراد بها أمره ونهيه وثوابه وعقابه أو ارادته الثوات لبعض العباد )
(12/10)

والعقاب لبعضهم وأما الاعتصام بحبل الله فهو التمسك بعهده وهو اتباع كتابه العزيز وحدوده والتأدب بأدبه والحبل يطلق على العهد وعلى الأمان وعلى الوصلة وعلى السبب وأصله من استعمال العرب الحبل في مثل هذه الأمور لاستمساكهم بالحبل عند شدائد أمورهم ويوصلون بها المتفرق فاستعير إسم الحبل لهذه الأمور وأما قوله صلى الله عليه و سلم ولا تفرقوا فهو أمر بلزوم جماعة المسلمين وتألف بعضهم ببعض وهذه احدى قواعد الإسلام واعلم أن الثلاثة المرضية احداها أن يعبدوه الثانية أن لا يشركوا به شيئا الثالثة أن يعتصموا بحبل الله ولا يتفرقوا وأما قيل وقال فهو الخوض في أخبار الناس وحكايات مالا يعني من أحوالهم وتصرفاتهم واختلفوا في حقيقة هذين اللفظين على قولين أحدهما أنهما فعلان فقيل مبنى لما لم يسم فاعله وقال فعل ماض والثاني أنهما اسمان مجروران منونان لأن القيل والقال والقول والقالة كله بمعنى ومنه قوله ومن أصدق من الله قيلا ومنه قولهم كثر القيل والقال وأما كثرة السؤال فقيل المراد به القطع في المسائل والاكثار من السؤال عما لم يقع ولا تدعو إليه حاجة وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة بالنهي عن ذلك وكان السلف يكرهون ذلك ويرونه من التكلف المنهي عنه وفي الصحيح كره رسول الله صلى الله عليه و سلم المسائل وعابها وقيل المراد به سؤال الناس أموالهم وما في أيديهم وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة بالنهي عن ذلك وقيل يحتمل أن المراد كثرة السؤال عن أخبار الناس وأحداث الزمان ومالا يعني الإنسان وهذا ضعيف لأنه قد عرف هذا من النهي عن قيل وقال وقيل يحتمل أن المراد كثرة سؤال الإنسان عن حاله وتفاصيل أمره فيدخل ذلك في سؤاله عما لا يعنيه ويتضمن ذلك حصول الحرج في حق المسؤل فإنه قد لا يؤثر اخباره بأحواله فإن أخبره شق عليه وإن كذبه في الأخبار أو تكلف التعريض لحقته المشقة وإن أهمل جوابه ارتكب سوء الأدب وأما اضاعة المال فهو صرفه في غير وجوهه الشرعية وتعريضه للتلف وسبب النهي أنه افساد والله لا يجب المفسدين ولأنه إذا أضاع ماله تعرض لما في أيدي الناس وأما عقوق الأمهات فحرام وهو من الكبائر باجماع العلماء وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة على عده من الكبائر وكذلك عقوق الآباء من الكبائر وإنما
(12/11)

اقتصر هنا على الأمهات لأن حرمتهن آكد من حرمة الآباء ولهذا قال صلى الله عليه و سلم حين قال له السائل من أبر قال أمك ثم أمك ثلاثا ثم قال في الرابعة ثم أباك ولأن أكثر العقوق يقع للأمهات ويطمع الأولاد فيهن وقد سبق بيان حقيقة العقوق وما يتعلق به في كتاب الإيمان وأما وأد البنات بالهمز فهو دفنهن في حياتهن فيمتن تحت التراب وهو من الكبائر الموبقات لأنه قتل نفس بغير حق ويتضمن أيضا قطيعة الرحم وإنما اقتصر على البنات لأنه المعتاد الذي كانت الجاهلية تفعله وأما قوله ومنعا وهات وفي الرواية الأخرى ولا وهات فهو بكسر التاء من هات ومعنى الحديث أنه نهى أن يمنع الرجل ما توجه عليه من الحقوق أو يطلب مالا يستحقه وفي قوله صلى الله عليه و سلم حرم ثلاثا وكره ثلاثا دليل على أن الكراهة في هذه الثلاثة الأخيرة للتنزيه لا للتحريم والله أعلم [ 593 ] قوله صلى الله عليه و سلم ( إن الله حرم ثلاثا ونهى عن ثلاث حرم عقوق الوالد ووأد البنات ولا وهات ونهى عن ثلاث قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال ) هذا الحديث دليل لمن يقول أن النهي لا يقتضي التحريم والمشهور أنه يقتضي التحريم وهو الأصح ويجاب عن هذا بأنه خرج بدليل آخر وقوله في اسناد هذا الحديث ( عن خالد الحذاء عن بن أشوع عن الشعبي عن كاتب المغيرة بن شعبة عن المغيرة )
(12/12)

هذا الحديث فيه أربعة تابعيون يروي بعضهم عن بعض وهم خالد وسعيد بن عمرو بن أشوع وهو تابعي سمع يزيد بن سلمة الجعفي الصحابي رضي الله عنه التابعي الثالث الشعبي والرابع كاتب المغيرة وهو وراد قوله ( كتب المغيرة إلى معاوية سلام عليك أما بعد ) فيه استحباب المكاتبة على هذا الوجه فيبدأ سلام عليك كما كتب النبي صلى الله عليه و سلم إلى هرقل السلام على من اتبع الهدى