باب الأنفال
 
( باب الأنفال [ 1748 ] قوله ( عن مصعب بن سعد عن أبيه قال أخذ أبي من الخمس سيفا فأتى به النبي صلى الله عليه و سلم فقال هب لي هذا فأبى قال فأنزل الله تعالى يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول ) فقوله عن أبيه قال أخذ أبي هو من تلوين الخطابي وتقديره عن مصعب بن سعد أنه حدث عن أبيه بحديث قال فيه قال أبي أخذت حكم الغنائم من الخمس سيفا إلى آخره قال القاضي يحتمل أن يكون هذا الحديث قبل نزول الآية واباحتها قال وهذا هو الصواب وعليه يدل الحديث وقد روى في تمامه ما بينه من كلام النبي صلى الله عليه و سلم لسعد بعد نزول الآية خذ سيفك إنك سألتنيه وليس لي ولا لك وقد جعله الله لي وجعلته لك قال واختلفوا في هذه الآية فقيل هي منسوخة بقوله تعالى واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول وأن مقتضى آية الأنفال والمراد بها أن الغنائم كانت للنبي صلى الله عليه و سلم خاصة كلها ثم جعل الله أربعة أخماسها للغانمين بالآية الأخرى وهذا قول بن عباس وجماعة وقيل هي محكمة وأن التنفيل من الخمس وقيل هي محكمة )
(12/53)

وللإمام أن ينفل من الغنائم ما شاء لمن شاء بحسب ما يراه وقيل محكمة مخصوصة والمراد أنفال السرايا قوله ( عن سعد قال نزلت في أربع آيات أصبت سيفا ) لم يذكر هنا من الأربع إلا هذه الواحدة وقد ذكر مسلم الأربع بعد هذا في كتاب الفضائل وهي بر الوالدين وتحريم الخمر ولا تطرد الذين يدعون ربهم وآية الأنفال قوله ( أأجعل كمن لا غناء له ) هو بفتح الغين وبالمد وهو الكفاية قوله ( فكانت سهمانهم اثنا عشر بعيرا ) هكذا هو في أكثر النسخ اثنا عشر وفي بعضها اثنى عشر وهذا ظاهر والأول أصح على لغة من يجعل المثنى بالألف سواء كان مرفوعا أو منصوبا أو مجرورا وهي لغة أربع قبائل من العرب وقد كثرت في كلام العرب ومنها قوله تعالى إن هذان لساحران [ 1749 ] قوله ( فكانت سهمانهم اثنا عشر بعيرا أو أحد عشر بعيرا ونفلوا بعيرا ) بعيرا وفي رواية ونفلنا رسول الله صلى الله عليه و سلم بعيرا بعيرا فيه اثبات النفل وهو مجمع عليه واختلفوا في محل النفل هل هو من أصل الغنيمة أو من أربعة أخماسها أو من خمس الخمس وهي ثلاثة أقوال للشافعي وبكل منها قال جماعة من
(12/54)

العلماء والأصح عندنا أنه من خمس الخمس وبه قال بن المسيب ومالك وأبو حنيفة رضي الله عنهم وآخرون وممن قال أنه من أصل الغنيمة الحسن البصري والأوزاعي وأحمد وأبو ثور وآخرون وأجاز النخعي أن تنفل السرية جميع ما غنمت دون باقي الجيش وهو خلاف ما قاله العلماء كافة قال أصحابنا ولو نفلهم الإمام من أموال بيت المال العتيد دون الغنيمة جاز والتنفيل إنما يكون لمن صنع صنعا جميلا في الحرب انفرد به وأما قول بن عمر رضي الله عنه نفلوا بعيرا بعيرا معناه أن الذين استحقوا النفل نفلوا بعيرا بعيرا إلا أن كل واحد من السرية نفل قال أهل اللغة والفقهاء الأنفال هي العطايا من الغنيمة غير السهم المستحق بالقسمة وأحدها نفل بفتح الفاء على المشهور وحكى اسكانها وأما قوله فكانت سهمانهم اثنا عشر بعيرا فمعناه سهم كل واحد منهم وقد قيل معناه سهمان جميع الغانمين اثنا عشر وهذا غلط فقد جاء في بعض روايات أبي داود وغيره أن الاثنى عشر بعيرا كانت سهمان كل واحد من الجيش والسرية ونفل السرية سوى هذا بعيرا بعيرا قوله ( ونفلوا بعيرا بعيرا ) وفي رواية نفلوا بعيرا فلم يغيره رسول الله صلى الله عليه و سلم وفي رواية ونفلنا رسول الله صلى الله عليه و سلم بعيرا بعيرا والجمع بين هذه الروايات أن أمير السرية نفلهم فأجازه رسول الله صلى الله عليه و سلم فيجوز نسبته إلى كل واحد منهما
(12/55)

وفي هذا الحديث استحباب بعث السرايا وما غنمت تشترك فيه هي والجيش إن انفردت عن الجيش في بعض الطريق وأما إذا خرجت من البلد وأقام الجيش في البلد فتختص هي بالغنيمة ولا يشاركها الجيش وفيه اثبات التنفيل للترغيب في تحصيل مصالح القتال ثم الجمهور على أن التنفيل يكون في كل غنيمة سواء الأولى وغيرها وسواء غنيمة الذهب والفضة وغيرهما وقال الأوزاعي وجماعة من الشاميين لا ينفل في أول غنيمة
(12/56)

ولا ينفل ذهبا ولا فضة قوله ( أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد كان ينفل بعض من يبعث من السرايا لأنفسهم خاصة سوى قسم عامة الجيش والخمس في ذلك واجب كله ) قوله كله مجرور تأكيد لقوله في ذلك وهذا تصريح بوجوب الخمس في كل الغنائم ورد على من جهل فزعم أنه لا يجب فاغتر به بعض الناس وهذا مخالف للإجماع وقد أوضحت هذا في جزء جمعته في قسمة الغنائم حين دعت الضرورة إليه في أول سنة أربع وسبعين وستمائة والله أعلم