باب جواز قتال من نقض العهد وجواز إنزال أهل الحصن ( على حكم حاكم عدل أهل للحكم )
 
( باب جواز قتال من نقض العهد وجواز إنزال أهل الحصن ( على حكم حاكم عدل أهل للحكم ) [ 1768 ] قوله ( نزل أهل قريظة على حكم سعد بن معاذ ) فيه جواز التحكيم في أمور المسلمين وفي مهماتهم العظام وقد أجمع العلماء عليه ولم يخالف فيه إلا الخوارج فإنهم أنكروا على علي التحكيم وأقام الحجة عليهم وفيه جواز مصالحة أهل قرية أو حصن على حكم حاكم مسلم عدل صالح للحكم أمين على هذا الأمر وعليه الحكم بما فيه مصلحة للمسلمين وإذا حكم بشيء لزم حكمه ولا يجوز للإمام ولا لهم الرجوع عنه ولهم الرجوع قبل الحكم والله أعلم قوله ( فأرسل رسول الله صلى الله عليه و سلم )
(12/92)

إلى سعد فأتاه على حمار فلما دنا قريبا من المسجد ) قال القاضي عياض قال بعضهم قوله دنا من المسجد كذا هو في البخاري ومسلم من رواية شعبة وأراه وهما إن كان أراد مسجد النبي صلى الله عليه و سلم لأن سعد بن معاذ جاء منه فإنه كان فيه كما صرح به في الرواية الثانية وإنما كان النبي صلى الله عليه و سلم حين أرسل إلى سعد نازلا على بني قريظة ومن هناك أرسل إلى سعد ليأتيه فإن كان الراوي أراد مسجدا اختطه النبي صلى الله عليه و سلم هناك كان يصلي فيه مدة مقامه لم يكن وهما قال والصحيح ما جاء في غير صحيح مسلم قال فلما دنا من النبي صلى الله عليه و سلم أو فلما طلع على النبي صلى الله عليه و سلم كذا وقع في كتاب بن أبي شيبة وسنن أبي داود فيحتمل أن المسجد تصحيف من لفظ الراوي والله أعلم قوله صلى الله عليه و سلم ( قوموا إلى سيدكم أو خيركم ) فيه إكرام أهل الفضل وتلقيهم بالقيام لهم إذا أقبلوا هكذا احتج به جماهير العلماء لاستحباب القيام قال القاضي وليس هذا من القيام المنهي عنه وإنما ذلك فيمن يقومون عليه وهو جالس ويمثلون قياما طول جلوسه قلت القيام للقادم من أهل الفضل مستحب وقد جاء فيه أحاديث ولم يصح في النهي عنه شيء صريح وقد جمعت كل ذلك مع كلام العلماء عليه في جزء وأجبت فيه عما توهم النهي عنه والله أعلم قال القاضي واختلفوا في الذين عناهم النبي صلى الله عليه و سلم بقوله قوموا إلى سيدكم هل هم الأنصار خاصة أم جميع من حضر من المهاجرين معهم قوله صلى الله عليه و سلم لسعد بن معاذ ( أن هؤلاء نزلوا على حكمك ) وفي الرواية الأخرى قال فنزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه و سلم فرد رسول الله صلى الله عليه و سلم الحكم فيهم إلى سعد قال القاضي يجمع بين الروايتين بأنهم نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه و سلم فرضوا برد الحكم إلى سعد فنسب إليه قال والأشهر أن الأوس طلبوا من النبي صلى الله عليه و سلم العفو عنهم لأنهم كانوا حلفاءهم فقال لهم النبي صلى الله عليه و سلم أما ترضون أن يحكم فيهم رجل منكم يعني من الأوس يرضيهم بذلك فرضوا به فرده إلى سعد بن معاذ الأوسي قوله ( وسبى ذريتهم ) سبق أن الذرية تطلق على النساء والصبيان معا قوله صلى الله عليه و سلم ( لقد
(12/93)

حكمت بحكم الملك ) الرواية المشهورة الملك بكسر اللام وهو الله سبحانه وتعالى وتؤيدها الروايات التي قال فيها لقد حكمت فيهم بحكم الله قال القاضي رويناه في صحيح مسلم بكسر اللام بغير خلاف قال وضبطه بعضهم في صحيح البخاري بكسرها وفتحها فإن صح الفتح فالمراد به جبريل عليه السلام وتقديره بالحكم الذي جاء به الملك عن الله تعالى [ 1769 ] قوله ( رماه رجل من قريش يقال له بن العرقة ) هو بعين مهملة مفتوحة ومكسورة ثم قاف قال القاضي قال أبو عبيد هي أمه قال بن الكلبي اسم هذا الرجل حبان بكسر الحاء بن أبي قيس بن علقمة بن عبد مناف بن الحارث بن منقذ بن عمرو بن معيص بن عامر بن لؤي بن غالب قال واسم العرقة قلابة بقاف مكسورة وباء موحدة بنت سعد بن سهل بن عبد مناف بن الحارث وسميت بالعرقة لطيب ريحها وكنيتها أم فاطمة والله أعلم قوله ( رماه في الأكحل ) قال العلماء هو عرق معروف قال الخليل إذا قطع في اليد لم يرقأ الدم وهو عرق الحياة في كل عضو منه شعبة لها اسم قوله ( فضرب رسول الله صلى الله عليه و سلم خيمة في المسجد
(12/94)

فيه جواز النوم في المسجد وجواز مكث المريض فيه وإن كان جريحا قوله ( أن سعدا تحجر كلمه للبرء ) الكلم بفتح الكاف الجرح وتحجر أي يبس قوله ( فإن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم فافجرها واجعل موتي فيها ) هذا ليس من تمنى الموت المنهي عنه لأن ذلك فيمن تمناه لضر نزل به وهذا إنما تمنى انفجارها ليكون شهيدا قوله ( فانفجرت من لبته ) هكذا هو في أكثر الأصول المعتمدة لبته بفتح اللام وبعدها باء موحدة مشددة مفتوحة وهي النحر وفي بعض الأصول من ليته بكسر اللام وبعدها ياء مثناة من تحت ساكنة والليت صفحة العنق وفي بعضها من ليلته قال القاضي قالوا وهو الصواب كما اتفقوا عليه في الرواية التي بعد هذه قوله
(12/95)

( فلم يرعهم ) أي لم يفجأهم ويأتيهم بغتة قوله ( فإذا سعد جرحه يغذ دما ) هكذا هو في معظم الأصول المعتمدة يغذ بكسر الغين المعجمة وتشديد الذال المعجمة أيضا ونقله القاضي عن جمهور الرواة وفي بعضها يغذ بإسكان الغين وضم الذال المعجمة وكلاهما صحيح ومعناه يسيل يقال غذ الجرح يغذ إذا دام سيلانه وغذا يغذو سال كما قال في الرواية الأخرى فما زال يسيل حتى مات قوله في الشعر ( ألا يا سعد سعد بني معاذ ... فما فعلت قريظة والنضير ...
( ) هكذا هو في معظم النسخ وكذا حكاه القاضي عن المعظم وفي بعضها لما فعلت باللام بدل الفاء وقال وهو الصواب والمعروف في السير قوله ... ( تركتم قدركم لا شيء فيها ... وقدر القوم حامية تفور )
) هذا مثل لعدم الناصر وأراد بقوله تركتم قدركم الأوس لقلة حلفائهم فإن حلفاءهم قريظة وقد قتلوا وأراد بقوله وقدر القوم حامية تفور الخروج لشفاعتهم في حلفائهم بني قينقاع حتى من عليهم
(12/96)

النبي صلى الله عليه و سلم وتركهم بعبد الله بن أبي بن سلول وهو أبو حباب المذكور في البيت الآخر قوله ( كما ثقلت بميطان الصخور ) هو اسم جبل من أرض أجاز في ديار بني مزينة وهو بفتح الميم على المشهور وقال أبو عبيد البكري وجماعة هو بكسرها وبعدها ياء مثناة تحت وآخره نون هذا هو الصحيح المشهور ووقع في بعض نسخ مسلم بميطار بالراء قال القاضي وفي رواية بن ماهان بحيطان بالحاء مكان الميم والصواب الأول قال وإنما قصد هذا الشاعر تحريض سعد على استبقاء بني قريظة حلفائه ويلومه على حكمه فيهم ويذكره بفعل عبد الله بن أبي ويمدحه بشفاعته في حلفائهم بني قينقاع