باب المبادرة بالغزو وتقديم أهم الأمرين المتعارضين
 
( باب المبادرة بالغزو وتقديم أهم الأمرين المتعارضين قوله [ 1770 ] ( نادى فينا رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم انصرف عن الأحزاب أن لا يصلين أحد الظهر إلا في بني قريظة فتخوف ناس فوت الوقت فصلوا دون بني قريظة وقال آخرون لا نصلي إلا حيث أمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم وإن فاتنا الوقت فما عنف واحدا من الفريقين ) هكذا رواه مسلم لا يصلين أحد الظهر ورواه البخاري في باب صلاة الخوف من رواية بن عمر )
(12/97)

أيضا قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لنا لما رجع من الأحزاب لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة فأدرك بعضهم العصر في الطريق وقال بعضهم لا نصلي حتى نأتيها وقال بعضهم بل نصلي ولم يرد ذلك منا فذكر ذلك النبي صلى الله عليه و سلم فلم يعنف واحدا منهم أما جميعهم بين الروايتين في كونها الظهر والعصر فمحمول على أن هذا الأمر كان بعد دخول وقت الظهر وقد صلى الظهر بالمدينة بعضهم دون بعض فقيل للذين لم يصلوا الظهر لا تصلوا الظهر إلا في بني قريظة وللذين صلوا بالمدينة لا تصلوا العصر إلا في بني قريظة ويحتمل أنه قيل للجميع ولا تصلوا العصر ولا الظهر إلا في بني قريظة ويحتمل أنه قيل للذين ذهبوا أولا لا تصلوا الظهر إلا في بني قريظة وللذين ذهبوا بعدهم لا تصلوا العصر إلا في بني قريظة والله أعلم وأما اختلاف الصحابة رضي الله عنهم في المبادرة بالصلاة عند ضيق وقتها وتأخيرها فسببه أن أدلة الشرع تعارضت عندهم بأن الصلاة مأمور بها في الوقت مع أن المفهوم من قول النبي صلى الله عليه و سلم لا يصلين أحد الظهر أو العصر إلا في بني قريظة المبادرة بالذهاب إليهم وأن لا يشتغل عنه بشيء لا أن تأخير الصلاة مقصود في نفسه من حيث أنه تأخير فأخذ بعض الصحابة بهذا المفهوم نظرا إلى المعنى لا إلى اللفظ فصلوا حين خافوا فوت الوقت وأخذ آخرون بظاهر اللفظ وحقيقته فأخروها ولم يعنف النبي صلى الله عليه و سلم واحدا من الفريقين لأنهم مجتهدون ففيه دلالة لمن يقول بالمفهوم والقياس ومراعاة المعنى ولمن يقول بالظاهر أيضا وفيه أنه لا يعنف المجتهد فيما فعله باجتهاده إذا بذل وسعه في الاجتهاد وقد يستدل به على أن كل مجتهد مصيب وللقائل الآخر أن يقول لم يصرح بإصابة الطائفتين بل ترك تعنيفهم ولا خلاف في ترك تعنيف المجتهد وإن أخطأ إذا بذل وسعه في الاجتهاد والله أعلم