باب رد المهاجرين إلى الأنصار منائحهم من الشجر والثمر ( حين استغنوا عنها بالفتوح )
 
( باب رد المهاجرين إلى الأنصار منائحهم من الشجر والثمر ( حين استغنوا عنها بالفتوح ) قوله [ 1771 ] ( لما قدم المهاجرون من مكة المدينة قدموا وليس بأيديهم شئ وكان الأنصار أهل الأرض )
(12/98)

والعقار فقاسمهم الأنصار على أن أعطوهم أنصاف ثمار أموالهم كل عام ويكفوهم العمل والمؤنة ثم ذكر أن النبي صلى الله عليه و سلم لما فرغ من قتال أهل خيبر وانصرف إلى المدينة رد المهاجرون إلى الأنصار منائحهم التي كانوا منحوهم من ثمارهم قال العلماء لما قدم المهاجرون آثرهم الأنصار بمنائح من أشجارهم فمنهم من قبلها منيحة محضة ومنهم من قبلها بشرط أن يعمل في الشجر والأرض وله نصف الثمار ولم تطب نفسه أن يقبلها منيحة محضة هذا لشرف نفوسهم وكراهتهم أن يكونوا كلا وكان هذا مساقاة وفي معنى المساقاة فلما فتحت عليهم خيبر استغنى المهاجرون بأنصبائهم فيها عن تلك المنائح فردوها إلى الأنصار ففيه فضيلة ظاهرة للأنصار في مواساتهم وإيثارهم وما كانوا عليه من حب الإسلام واكرام أهله وأخلاقهم الجميلة ونفوسهم الطاهرة وقد شهد الله تعالى لهم بذلك فقال تعالى والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم الآية قوله ( وكان الأنصار أهل الأرض والعقار ) أراد بالعقار هنا النخل قال الزجاج العقار كل ماله أصل قال وقيل أن النخل خاصة يقال له العقار قوله ( وكانت أعطت أم أنس رسول الله صلى الله عليه و سلم عذاقا لها ) هو بكسر العين جمع عذق بفتحها وهي النخلة ككلب وكلاب وبئر وبئار قوله ( فأعطاها رسول الله صلى الله عليه و سلم أم أيمن ) هذا دليل لما قدمنا عن العلماء أنه لم يكن كل ما أعطت الأنصار على المساقاة بل كان فيه ما هو منيحة ومواساة
(12/99)

وهذا منه وهو محمول على أنها أعطته صلى الله عليه و سلم ثمارها يفعل فيها ما شاء من أكله بنفسه وعياله وضيفه وإيثاره بذلك لمن شاء فلهذا آثر بها أم أيمن ولو كانت إباحة له خاصة لما أباحها لغيره لأن المباح له بنفسه لا يجوز له أن يبيح ذلك الشيء لغيره بخلاف الموهوب له نفس رقبة الشيء فإنه يتصرف فيه كيف شاء قوله ( رد المهاجرون إلى الأنصار منائحهم التي كانوا منحوهم من ثمارهم ) هذا دليل على أنها كانت منائح ثمار أي إباحة للثمار لا تمليك لا رقاب النخل فإنها لو كانت هبة لرقبة النخل لم يرجعوا فيها فإن الرجوع في الهبة بعد القبض لا يجوز وإنما كانت إباحة كما ذكرنا والإباحة يجوز الرجوع فيها متى شاء ومع هذا لم يرجعوا فيها حتى اتسعت الحال على المهاجرين بفتح خيبر واستغنوا عنها فردوها على الأنصار فقبلوها وقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لهم ذلك قوله ( قال بن شهاب وكان من شأن أم أيمن أم أسامة بن زيد أنها كانت وصيفة لعبد الله بن عبد المطلب وكانت من الحبشة ) هذا تصريح من بن شهاب أن أم أيمن أم أسامة بن زيد حبشية وكذا قاله الواقدي وغيره ويؤيده ما ذكره بعض المؤرخين أنها كانت من سبي الحبشة أصحاب الفيل وقيل أنها لم تكن حبشية وإنما الحبشية امرأة أخرى واسم أم أيمن التي هي أم أسامة بركة كنيت بابنها أيمن بن عبيد الحبشي صحابي استشهد يوم خيبر قاله الشافعي
(12/100)

وغيره وقد سبق ذكر قطعة من أحوال أم أيمن في باب القافة قوله في قصة أم أيمن أنها امتنعت من رد تلك المنائح حتى عوضها عشرة أمثاله إنما فعلت هذا لأنها ظنت أنها كانت هبة مؤبدة وتمليكا لأصل الرقبة وأراد النبي صلى الله عليه و سلم استطابه قلبها في استرداد ذلك فما زال يزيدها في العوض حتى رضيت وكل هذا تبرع منه صلى الله عليه و سلم واكرام لها لما لها من حق الحضانة والتربية قوله ( والله لا نعطيكاهن ) هكذا هو في معظم النسخ نعطيكاهن بالألف بعد الكاف وهو صحيح فكأنه أشبع فتحة الكاف فتولدت منها ألف وفي بعض النسخ والله ما نعطاكهن وفي بعضها لا نعطيكهن والله أعلم
(12/101)