باب غزوة ذي قرد وغيرها
 
( باب غزوة ذي قرد وغيرها قوله [ 1806 ] ( كانت لقاح النبي صلى الله عليه و سلم ترعى بذي قرد ) هو بفتح القاف والراء بالدال المهملة وهو ماء على نحو يوم من المدينة مما يلي بلاد غطفان واللقاح جمع لقحة بكسر اللام وفتحها وهي ذات اللبن قريبة العهد بالولادة وسبق بيانها قوله ( فصرخت ثلاث صرخات يا صباحاه ) فيه جواز مثله للإنذار بالعدو ونحوه قوله ( فجعلت أرميهم وأقول )
(12/173)

أنا بن الأكوع ... واليوم يوم الرضع ...
( ) فيه جواز قول مثل هذا الكلام في القتال وتعريف الإنسان بنفسه إذا كان شجاعا ليرعب خصمه وأما قوله اليوم يوم الرضع قالوا معناه اليوم يوم هلاك اللئام وهم الرضع من قولهم لئيم راضع أي رضع اللؤم في بطن امه وقيل لأنه يمص حلمة الشاة والناقة لئلا يسمع السؤال والضيفان صوت الحلاب فيقصدوه وقيل لأنه يرضع طرف الخلال الذي يخلل به أسنانه ويمص ما يتعلق به وقيل معناه اليوم يعرف من رضع كريمة فأنجبته أو لئيمة فهجنته وقيل معناه اليوم يعرف من أرضعته الحرب من صغره وتدرب بها ويعرف غيره قوله ( حميت القوم الماء ) أي منعتهم إياه قوله صلى الله عليه و سلم ( ملكت فأسجح ) هو بهمزة قطع ثم سين مهملة ساكنة ثم جيم مكسورة ثم حاء مهملة ومعناه فأحسن وارفق والسجاحة السهولة أي لا تأخذ بالشدة بل ارفق فقد حصلت النكابة في العدو ولله الحمد قوله [ 1807 ] ( قدمنا المدينة ونحن أربع عشرة مائة ) هذا هو الأشهر وفي )
(12/174)

رواية ثلاث عشرة مائة وفي رواية خمس عشرة مائة قوله ( فقعد النبي صلى الله عليه و سلم على جبا الركية ) الجبا بفتح الجيم وتخفيف الباء الموحدة مقصور وهي ما حول البئر وأما الركى فهو البئر والمشهور في اللغة ركى بغير هاء ووقع هنا الركية بالهاء وهي لغة حكاها الأصمعي وغيره قوله ( فإما دعا وإما بصق فيها فجاشت فسقينا واستقينا ) هكذا هو في النسخ بسق بالسين وهي صحيحة يقال بزق وبصق وبسق ثلاث لغات بمعنى والسين قليلة الاستعمال وجاشت أي ارتفعت وفاضت يقال جاش الشيء يجيش جيشانا إذا ارتفع وفي هذا معجزة ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه و سلم وقد سبق مرارا كثيرة التنبيه على نظائرها قوله ( ورآني عزلا ) ضبطوه بوجهين أحدهما فتح العين مع كسر الزاي والثاني ضمهما وقد فسره في الكتاب بالذي لا سلاح معه ويقال له أيضا أعزل وهو أشهر استعمالا قوله ( حجفة أو درقة ) هما شبيهتان بالترس قوله ( اللهم
(12/175)

ابغني حبيبا ) أي أعطني قوله ( ثم أن المشركين راسلونا الصلح ) هكذا هو في أكثر النسخ راسلونا من المراسلة وفي بعضها راسونا بضم السين المهملة المشددة وحكى القاضي فتحها أيضا وهما بمعنى راسلونا مأخوذ من قولهم رس الحديث يرسه إذا ابتدأه وقيل من رس بينهم أي أصلح وقيل معناه فاتحونا من قولهم بلغني رس من الخبر أي أوله ووقع في بعض النسخ واسونا بالواو أي اتفقنا نحن وهم على الصلح والواو فيه بدل من الهمزة وهو من الأسوة قوله ( كنت تبعا لطلحة ) أي خادما اتبعه قوله ( أسقى فرسه وأحسه ) أي أحك ظهره بالمحسة لأزيل عنه الغبار ونحوه قوله ( أتيت شجرة فكسحت شوكها ) أي كنست ما تحتها من الشوك قوله ( قتل بن زنيم ) هو بضم الزاي وفتح النون قوله ( فاخترطت سيفي ) أي سللته قوله ( وأخذت سلاحهم فجعلته ضغثا في يدي ) الضغث الحزمة قوله ( جاء رجل من العبلات يقال له مكرز ) هو بميم مكسورة ثم كاف ثم راء مكسورة ثم زاي والعبلات بفتح العين المهملة
(12/176)

والباء الموحدة قال الجوهري في الصحاح العبلات بفتح العين والباء من قريش وهم أمية الصغرى والنسبة إليهم عبلى ترده إلى الواحد قال لأن اسم أمهم عبلة قال القاضي أمية الأصغر وأخواه نوفل وعبد الله بن عبد شمس بن عبد مناف نسبوا إلى أم لهم من بني تميم اسمها عبلة بنت عبيد قوله ( على فرس مجفف ) هو بفتح الجيم وفتح الفاء الأولى المشددة أي عليه تجفاف بكسر التاء وهو ثوب كالجل يلبسه الفرس ليقيه من السلاح وجمعه تجافيف قوله صلى الله عليه و سلم ( دعوهم يكن لهم بدء الفجور وثناه ) أما البدء فبفتح الباء واسكان الدال وبالهمز أي ابتداؤه وأما ثناه فوقع في أكثر النسخ ثناه بثاء مثلثة مكسورة وفي بعضها ثنياه بضم الثاء وبياء مثناة تحت بعد النون ورواهما جميعا القاضي وذكر الثاني عن رواية بن ماهان والأول عن غيره قال وهو الصواب أي عودة ثانية قوله ( بني لحيان ) بكسر اللام وفتحها لغتان قوله ( لمن رقى الجبل وقوله بعده ( فرقيت ) كلاهما بكسر القاف قوله ( فنزلنا منزلا بيننا وبين بني لحيان جبل وهم المشركون ) هذه اللفظة ضبطوها بوجهين ذكرهما القاضي وغيره أحدهما وهم المشركون بضم الهاء على
(12/177)

الابتداء والخبر والثاني بفتح الهاء وتشديد الميم أي هموا النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه وخافوا عائلتهم يقال همني الأمر وأهمني وقيل همني إذا بني وأهمني اغمني قوله ( وخرجت بفرس لطلحة أنديه ) هكذا ضبطناه أنديه بهمزة مضمومة ثم نون مفتوحة ثم دال مكسورة مشددة ولم يذكر القاضي في الشرح عن أحد من رواة مسلم غير هذا ونقله في المشارق عن جماهير الرواة قال ورواه بعضهم عن أبي الحذاء في مسلم أبدية بالباء الموحدة بدل النون وكذا قاله بن قتيبة أي أخرجه إلى البادية وأبرزه إلى موضع الكلأ وكل شيء أظهرته فقد أبديته والصواب رواية الجمهور بالنون وهي رواية جميع المحدثين وقول الأصمعي وأبي عبيد في غريبه والأزهري وجماهير أهل اللغة والغريب ومعناه أن يورد الماشية الماء فتسقى قليلا ثم ترسل في المرعى ثم ترد الماء فترد قليلا ثم ترد إلى المرعى قال الأزهري أنكر بن قتيبة على أبي عبيد والأصمعي كونهما جعلاه بالنون وزعم ان الصواب بالباء قال الأزهري أخطأ بن قتيبة والصواب قول الأصمعي قوله ( فأصك سهما في رحله حتى خلص نصل السهم إلى كتفه ) هكذا هو في معظم الأصول المعتمدة رحلة بالحاء وكتفه بالتاء بعدها فاء وكذا نقله صاحب المشارق والمطالع وكذا هو في أكثر الروايات
(12/178)

والأول هو الأظهر وفي بعضها رجله بالجيم وكعبه بالعين ثم الباء الموحدة قالوا والصحيح الأول لقوله في الرواية الأخرى فأصكه بسهم في نغض كتفه قال القاضي في الشرح هذه رواية شيوخنا وهو أشبه بالمعنى لأنه يمكن أن يصيب أعلى مؤخرة الرحل فيصيب حينئذ إذا أنفذ كتفه ومعنى أصك أضرب قوله ( فما زلت أرميهم وأعقر بهم ) أي أعقر خيلهم ومعنى أرميهم أي بالنبل قال القاضي ورواه بعضهم هنا أرديهم بالدال قوله ( فجعلت أرديهم بالحجارة ) أي أرميهم بالحجارة التي تسقطهم وتنزلهم قوله ( جعلت عليهم آراما من الحجارة ) هو بهمزة ممدودة ثم راء مفتوحة وهي الأعلام وهي حجارة تجمع وتنصب في المفازة يهتدي بها واحدها أرم كعنب وأعناب قوله ( وجلست على رأس قرن ) هو بفتح القاف وإسكان الراء وهو كل جبل صغير منقطع عن الجبل الكبير قوله ( لقينا من هذا البرح ) هو بفتح الباء واسكان الراء أي شدة قوله ( يتخللون الشجر
(12/179)

أي يدخلون من خلالها أي بينها قوله ( ماء يقال له ذا قرد ) كذا هو في أكثر النسخ المعتمدة ذا بالف وفي بعضها ذو قرد بالواو وهو الوجه قوله ( فحليتهم عنه ) هو بحاء مهملة ولام مشددة غير مهموزة أي طردتهم عنه وقد فسره في الحديث بقوله يعني أجليتهم عنه بالجيم قال
(12/180)

القاضي كذا روايتنا فيه هنا غير مهموز قال وأصله الهمز فسهله وقد جاء مهموزا بعد هذا في هذا الحديث قوله ( فأصكه بسهم في نغض كتفه ) هو بنون مضمومة ثم غيرن معجمة ساكنة ثم ضاد معجمة وهو العظم الرقيق على طرف الكتف سمي بذلك لكثرة تحركه وهو الناغض أيضا قوله ( يا ثكلته أمه أكوعه بكرة قلت نعم ) معنى ثكلته أمه فقدته وقوله أكوعه هو برفع العين أي أنت الأكوع الذي كنت بكرة هذا النهار ولهذا قال نعم وبكرة منصوب غير منون قال أهل العربية يقال أتيته بكرة بالتنوين إذا أردت أنك لقيته باكرا في يوم غير معين قالوا وإن أردت بكرة يوم بعينه قلت أتيته بكرة غير مصروف لأنها من الظروف غير المتمكنة قوله ( وأردوا فرسين على ثنية ) قال القاضي رواية الجمهور بالدال المهملة ورواه بعضهم بالمعجمة قال وكلاهما متقارب المعنى فبالمعجمة معناه خلفوهما والرذي الضعيف من كل شيء وبالمهملة معناه أهلكوهما وأتعبوهما حتى أسقطوهما تركوهما ومنه التردية وأردت الفرس الفارس أسقطته قوله ولحقني عامر بسطيحة فيها مذقة من لبن السطيحة اناء من جلود سطح بعضها على بعض والمذقة بفتح الميم واسكان الذال المعجمة قليل من لبن ممزوج بماء قوله ( وهو على الماء الذي حلأتهم عنه ) كذا هو في أكثر النسخ حلأتهم بالحاء المهملة والهمز وفي بعضها حليتهم عنه بلام مشددة غير مهموز وقد سبق بيانه قريبا قوله ( نحر ناقة من
(12/181)

الإبل الذي استنفذت من القوم ) كذا في أكثر النسخ الذي وفي بعضها التي وهو أوجه لأن الإبل مؤنثة وكذا أسماء الجموع من غير الآدميين والأول صحيح أيضا وأعاد الضمير إلى الغنيمة لا إلى لفظ الإبل قوله ( ضحك حتى بدت نواجذه ) بالذال المعجمة أي أنيابه وقيل أضراسه والصحيح الأول وسبق بيانه في كتاب الصيام قوله صلى الله عليه و سلم ( كان خير فرساننا اليوم أبو قتادة وخير رجالتنا سلمة ) هذا فيه استحباب الثناء على الشجعان وسائر أهل الفضائل لا سيما عند صنيعهم الجميل لما فيه من الترغيب لهم ولغيرهم في الاكثار من ذلك الجميل وهذا كله في حق من يأمن الفتنة عليه بإعجاب ونحوه قوله ( ثم أعطاني رسول الله صلى الله عليه و سلم سهمين سهم الفارس وسهم الراجل فجمعهما لي ) هذا محمول على أن الزائد على سهم الراجل كان نفلا
(12/182)

وهو حقيق باستحقاق النفل رضي الله عنه لبديع صنعه في هذه الغزوة قوله ( وكان رجل من الأنصار لا يسبق شدا ) يعني عدوا على الرجلين قوله ( فطفرت ) أي وثبت وقفزت قوله ( فربطت عليه شرفا أو شرفين أستبقي نفسي ) معنى ربطت حبست نفسي عن الجري الشديد والشرف ما ارتفع من الأرض وقوله أستبقي نفسي بفتح الفاء أي لئلا يقطعني البهر وفي هذا دليل لجواز المسابقة على الأقدام وهو جائز بلا خلاف إذا تسابقا بلا عوض فإن تسابقا على عوض ففي صحتها خلاف الأصح عند أصحابنا لا تصح قوله ( فجعل عمي عامر يرتجز بالقوم
(12/183)

هكذا قال هنا عمي وقد سبق في حديث أبي الطاهر عن بن وهب أنه قال أخي فلعله كان أخاه من الرضاعة وكان عمه من النسب قوله ( يخطر بسيفه ) هو بكسر الطاء أي يرفعه مرة ويضعه أخرى ومثله خطر البعير بذنبه يخطر بالكسر إذا رفعه مرة ووضعه مرة قوله ( شاك السلاح ) أي تام السلاح يقال رجل شاكي السلاح وشاك السلاح وشاك في السلاح من الشوكة وهي القوة والشوكة أيضا السلاح ومنه قوله تعالى وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم قوله ( بطل مجرب ) هو بفتح الراء أي مجرب بالشجاعة وقهر الفرسان والبطل الشجاع يقال بطل الرجل بضم الطاء يبطل بطالة وبطولة أي صار شجاعا قوله ( بطل مغامر ) بالغين المعجمة أي يركب غمرات الحرب وشدائدها ويلقي نفسه فيها قوله ( وذهب عامر يسفل له ) أي
(12/184)

يضربه من أسفله هو بفتح الياء واسكان السين وضم الفاء قوله ( وهو أرمد ) قال أهل اللغة يقال رمد الإنسان بكسر الميم يرمد بفتحها رمدا فهو رمد وأرمد إذ هاجت عينه قوله ( أنا الذي سمتني أمي حيدرة ) حيدرة اسم للأسد وكان علي رضي الله عنه قد سمى أسدا في أول ولادته وكان مرحب قد رأى في المنام أن أسدا يقتله فذكره علي رضي الله عنه ذلك ليخيفه ويضعف نفسه قالوا وكانت أم علي سمته أول ولادته أسدا باسم جده لأمه أسد بن هشام بن عبد مناف وكان أبو طالب غائبا فلما قدم سماه عليا وسمي الأسد حيدرة لغلظه والحادر الغليظ القوي ومراده أنا الأسد على جرأته وإقدامه وقوته قوله ( أو فيهم بالصاع كيل السندرة ) معناه
(12/185)

أقتل الأعداء قتلا واسعا ذريعا والسندرة مكيال واسع وقيل هي العجلة أي أقتلهم عاجلا وقيل مأخوذ من السندرة وهي شجرة الصنوبر يعمل منها النبل والقسى قوله ( فضرب رأس مرحب ) يعني عليا فقتله هذا هو الأصح أن عليا هو قاتل مرحب وقيل أن قاتل مرحب هو محمد بن مسلمة قال بن عبد البر في كتابه الدرر في مختصر السير قال محمد بن إسحاق ان محمد بن مسلمة هو قاتله قال وقال غيره إنما كان قاتله عليا قال بن عبد البر هذا هو الصحيح عندنا ثم روى ذلك بإسناده عن سلمة وبريدة قال بن الأثير الصحيح الذي عليه أكثر أهل الحديث وأهل السير أن عليا هو قاتله والله أعلم واعلم أن في هذا الحديث أنواعا من العلم سوى ما سبق التنبيه عليه منها أربع معجزات لرسول الله صلى الله عليه و سلم إحداها تكثير ماء الحديبية والثانية إبراء عين علي رضي الله عنه والثالثة الإخبار بأنه يفتح الله على يديه وقد جاء التصريح به في رواية غير مسلم هذه والرابعة إخباره صلى الله عليه و سلم بأنهم يقرون في غطفان وكان كذلك ومنها جواز الصلح مع العدو ومنها بعث الطلائع وجواز المسابقة على الأرجل بلا عوض وفضيلة الشجاعة والقوة ومنها مناقب سلمة بن الأكوع وأبي قتادة والأحزم الأسعدي رضي الله عنهم ومنها جواز الثناء على من فعل جميلا واستحباب ذلك إذا ترتب عليه مصلحة كما أوضحناه قريبا ومنها جواز عقر خيل العدو في القتال واستحباب الرجز في الحرب وجواز قول الرامي والطاعن والضارب خذها وأنا فلان أو بن فلان ومنها جواز الأكل من الغنيمة واستحباب التنفيل منها لمن صنع صنيعا جميلا في الحرب وجواز الأرداف على الدابة المطيقة وجواز المبارزة بغير إذن الإمام كما بارز عامر ومنها ما كانت الصحابة رضي الله عنهم عليه من حب الشهادة والحرص عليها ومنها القاء
(12/186)

النفس في غمرات القتال وقد اتفقوا على جواز التغرير بالنفس في الجهاد في المبارزة ونحوها ومنها أن من مات في حرب الكفار بسبب القتال يكون شهيدا سواء مات بسلاحهم أو رمته دابة أو غيرها أو عاد عليه سلاحه كما جرى لعامر ومنها تفقد الإمام الجيش ومن رآه بلا سلاح أعطاه سلاحا