باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية ( وتحريمها في المعصية )
 
( باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية ( وتحريمها في المعصية ) أجمع العلماء على وجوبها في غير معصية وعلى تحريمها في المعصية نقل الاجماع على هذا القاضي )
(12/222)

عياض وآخرون [ 1834 ] قوله ( نزل قوله تعالى أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم في عبد الله بن حذافة أمير السرية قال العلماء المراد بأولي الأمر من أوجب الله طاعته من الولاة والأمراء هذا قول جماهير السلف والخلف من المفسرين والفقهاء وغيرهم وقيل هم العلماء وقيل الأمراء والعلماء وأما من قال الصحابة خاصة فقط فقد أخطأ [ 1835 ] قوله صلى الله عليه و سلم ( من أطاعني فقد أطاع الله ومن أطاع أميري فقد
(12/223)

أطاعني ) وقال في المعصية مثله لأن الله تعالى أمر بطاعة رسول الله صلى الله عليه و سلم وأمر هو صلى الله عليه و سلم بطاعة الأمير فتلازمت الطاعة قوله صلى الله عليه و سلم [ 1836 ] ( عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثرة عليك ) قال العلماء معناه تجب طاعة ولاة الأمور فيما يشق وتكرهه النفوس وغيره مما ليس بمعصية فإن كانت لمعصية فلا سمع ولا طاعة كما صرح به في الأحاديث الباقية فتحمل هذه الأحاديث المطلقة لوجوب طاعة ولاة
(12/224)

الأمور على موافقة تلك الأحاديث المصرحة بأنه لا سمع ولا طاعة في المعصية والأثرة بفتح الهمزة والثاء ويقال بضم الهمزة واسكان الثاء وبكسر الهمزة واسكان الثاء ثلاث لغات حكاهن في المشارق وغيره وهي الاستئثار والاختصاص بأمور الدنيا عليكم أي اسمعوا وأطيعوا وإن اختص الأمراء بالدنيا ولم يوصلوكم حقكم مما عندهم وهذه الأحاديث في الحث على السمع والطاعة في جميع الأحوال وسببها اجتماع كلمة المسلمين فإن الخلاف سبب لفساد أجوالهم في دينهم ودنياهم قوله [ 1837 ] ( إن خليلي صلى الله عليه و سلم أوصاني أن أسمع وأطيع وإن كان عبدا مجدع الأطراف ) يعني مقطوعها والمراد أخس العبيد أي أسمع وأطيع للأمير وإن كان دنيء النسب حتى لو كان عبدا أسود مقطوع الأطراف فطاعته واجبة وتتصور إمارة العبد إذا ولاه بعض الأئمة أو إذا تغلب على البلاد بشوكته وأتباعه ولا يجوز ابتداء عقد الولاية له مع الاختيار بل شرطها
(12/225)

الحرية قوله [ 1840 ] ( إن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث جيشا وأمر عليهم رجلا فأوقد نارا وقال
(12/226)

ادخلوها إلى قوله لا طاعة في معصية إنما الطاعة في المعروف ) هذا موافق للأحاديث الباقية أنه لا طاعة في معصية إنما هي في المعروف وهذا الذي فعله هذا الأمير قيل أراد امتحانهم وقيل كان مازحا قيل إن هذا الرجل عبد الله بن حذافة السهمي وهذا ضعيف لأنه قال في الرواية التي بعدها أنه رجل من الأنصار فدل على أنه غيره قوله صلى الله عليه و سلم ( لو دخلتموها لم تزالوا فيها إلى يوم القيامة ) هذا مما علمه صلى الله عليه و سلم بالوحي وهذا التقييد بيوم القيامة مبين
(12/227)

للرواية المطلقة بأنهم لا يخرجون منها لو دخلوها قوله صلى الله عليه و سلم ( إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان ) هكذا هو لمعظم الرواة وفي معظم النسخ بواحا بالواو وفي بعضها
(12/228)

براحا والباء مفتوحة فيهما ومعناهما كفرا ظاهرا والمراد بالكفر هنا المعاصي ومعنى عندكم من الله فيه برهان أي تعلمونه من دين الله تعالى ومعنى الحديث لا تنازعوا ولاة الأمور في ولايتهم ولا تعترضوا عليهم إلا أن تروا منهم منكرا محققا تعلمونه من قواعد الإسلام فإذا رأيتم ذلك فأنكروه عليهم وقولوا بالحق حيث ما كنتم وأما الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين وإن كانوا فسقة ظالمين وقد تظاهرت الأحاديث بمعنى ما ذكرته وأجمع أهل السنة أنه لا ينعزل السلطان بالفسق وأما الوجه المذكور في كتب الفقه لبعض أصحابنا أنه ينعزل وحكى عن المعتزلة أيضا فغلط من قائله مخالف للإجماع قال العلماء وسبب عدم انعزاله وتحريم الخروج عليه ما يترتب على ذلك من الفتن واراقة الدماء وفساد ذات البين فتكون المفسدة في عزله أكثر منها في بقائه قال القاضي عياض أجمع العلماء على أن الإمامة لا تنعقد لكافر وعلى أنه لو طرأ عليه الكفر انعزل قال وكذا لو ترك إقامة الصلوات والدعاء إليها قال وكذلك عند جمهورهم البدعة قال وقال بعض البصريين تنعقد له وتستدام له لأنه متأول قال القاضي فلو طرأ عليه كفر وتغيير للشرع أو بدعة خرج عن حكم الولاية وسقطت طاعته ووجب على المسلمين القيام عليه وخلعه ونصب أمام عادل أن أمكنهم ذلك فإن لم يقع ذلك الا لطائفة وجب عليهم القيام بخلع الكافر ولا يجب في المبتدع إلا إذا ظنوا القدرة عليه فإن تحققوا العجز لم يجب القيام وليهاجر المسلم عن أرضه إلى غيرها ويفر بدينه قال ولا تنعقد لفاسق ابتداء فلو طرأ على الخليفة فسق قال بعضهم يجب خلعه إلا أن تترتب عليه فتنة وحرب وقال جماهير أهل السنة من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين لا ينعزل بالفسق والظلم وتعطيل الحقوق ولا يخلع ولا يجوز الخروج عليه بذلك بل يجب وعظه وتخويفه للأحاديث الواردة في ذلك قال القاضي وقد ادعى أبو بكر بن مجاهد في هذا الاجماع وقد رد عليه بعضهم هذا بقيام الحسن وبن الزبير وأهل المدينة على بني أمية وبقيام جماعة عظيمة من التابعين والصدر الأول على الحجاج مع بن الأشعث وتأول هذا القائل قوله أن لا ننازع الأمر أهله في أئمة العدل وحجة الجمهور أن قيامهم على الحجاج ليس بمجرد الفسق بل لما غير من الشرع وظاهر من الكفر قال القاضي وقيل أن هذا الخلاف كان أولا ثم حصل الإجماع على منع الخروج عليهم والله اعلم [ 1709 ] قوله ( بايعنا على السمع ) المراد بالمبايعة المعاهدة وهي مأخوذة من البيع لأن كل واحد من المتبايعين كان يمد يده إلى صاحبه وكذا هذه البيعة
(12/229)

تكون بأخذ الكف وقيل سميت مبايعة لما فيها من المعاوضة لما وعدهم الله تعالى من عظيم الجزاء قال الله تعالى إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة الآية قوله ( وعلى أن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم معناه نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر في كل زمان ومكان الكبار والصفار لا نداهن فيه أحدا ولا نخافه هو ولا نلتفت إلى الأئمة ففيه القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأجمع العلماء على أنه فرض كفاية فإن خاف من ذلك على نفسه أو ماله أو على غيره سقط الانكار بيده ولسانه ووجبت كراهته بقلبه هذا مذهبنا ومذهب الجماهير وحكى القاضي هنا في بعضهم أنه ذهب إلى الإنكار مطلقا في هذه الحالة وغيرها وقد سبق في باب الأمر بالمعروف في كتاب الإيمان وبسطته بسطا شافيا