( باب فى بيان أن أرواح الشهداء فى الجنة وأنهم احياء عند ربهم يرزقون )
 
[ 1887 ] قوله ( حدثنى يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة وذكر اسناده إلى مسروق قال سألنا عبد الله
(13/30)

عن هذه الآية ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون قال أما انا قد سألنا عن ذلك فقال أرواحهم فى جوف طير خضر ) قال المازرى كذا جاء عبد الله غير منسوب قال أبو على الغسانى ومن الناس من ينسبه فيقول عبد الله بن عمرو وذكره أبومسعود الدمشقى فى مسند بن مسعود قال القاضي عياض ووقع فى بعض النسخ من صحيح مسلم عبد الله بن مسعود قلت وكذا وقع فى بعض نسخ بلادنا المعتمدة ولكن لم يقع منسوبا فى معظمها وذكره خلف الواسطى والحميدى وغيرهما فى مسند بن مسعود وهوالصواب وهذا الحديث مرفوع لقوله انا قد سألنا عن ذلك فقال يعنى النبى صلى الله عليه و سلم قوله صلى الله عليه و سلم فى الشهداء ( أرواحهم فى جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تاوى إلى تلك القناديل ) فيه بيان أن الجنة مخلوقة موجودة وهو مذهب أهل السنة وهى التى أهبط منها آدم وهى التى ينعم فيها المؤمنون فى الآخرة هذا إجماع أهل السنة وقالت المعتزلة وطائفة من المبتدعة أيضا وغيرهم انها ليست موجودة وانما توجد بعد البعث فى القيامة قالوا والجنة التى أخرج منها آدم غيرها وظواهر القرآن والسنة تدل لمذهب أهل الحق وفيه إثبات مجازاة الأموات بالثواب والعقاب قبل القيامة قال القاضي وفيه أن الأرواح باقية لاتفنى فينعم المحسن ويعذب المسىء وقد جاء به القرآن والآثار وهو مذهب أهل السنة خلافا لطائفة من المبتدعة قالت تفنى قال القاضي وقال هنا أرواح الشهداء وقال فى حديث مالك انما نسمة المؤمن والنسمة تطلق على ذات الانسان جسما وروحا وتطلق على الروح مفردة وهو المراد بها فى هذا التفسير فى الحديث الآخر بالروح ولعلمنا بأن الجسم يفنى ويأكله التراب ولقوله فى الحديث حتى
(13/31)

يرجعه الله تعالى إلى جسده يوم القيامة قال القاضي وذكر فى حديث مالك رحمه الله تعالى نسمة المؤمن وقال هنا الشهداء لأن هذه صفتهم لقوله تعالى أحياء عند ربهم يرزقون وكما فسره فى هذا الحديث وأما غيرهم فأنما يعرض عليه مقعده بالغداة والعشى كما جاء فى حديث بن عمر وكما قال فى آل فرعون النار يعرضون عليها غدوا وعشيا قال القاضي وقيل بل المراد جميع المؤمنين الذين يدخلون الجنة بغير عذاب فيدخلونها الآن بدليل عموم الحديث وقيل بل أرواح المؤمنين على أفنية قبورهم والله أعلم قوله صلى الله عليه و سلم فى هذا الحديث فى جوف طير خضر وفى غير مسلم بطير خضر وفى حديث آخر بحواصل طير وفى الموطأ إنما نسمة المؤمن طير وفى حديث آخر عن قتادة فى صورة طير أبيض قال القاضي قال بعض المتكلمين على هذا الأشبه صحة قول من قال طير أو صورة طير وهو أكثر ما جاءت به الرواية لاسيما مع قوله تأوى إلى قناديل تحت العرش قال القاضي واستبعد بعضهم هذا ولم ينكره آخرون وليس فيه ما ينكر ولا فرق بين الأمرين بل رواية طير أو جوف طير أصح معنى وليس للأقيسة والعقول فى هذا حكم وكله من المجوزات فاذا أراد الله أن يجعل هذه الروح اذا خرجت من المؤمن أوالشهيد فى قناديل أو أجواف طير أو حيث يشاء كان ذلك ووقع ولم يبعد لاسيما مع القول بأن الأرواح أجسام قال القاضي وقيل ان هذا المنعم أو المعذب من الأرواح جزء من الجسد تبقى فيه الروح وهو الذى يتألم ويعذب ويلتذ وينعم وهو الذى يقول رب ارجعون وهو الذى يسرح فى شجر الجنة فغير مستحيل أن يصور هذا الجزء طائرا أو يجعل فى جوف طائر وفى قناديل تحت العرش وغير ذلك مما يريد الله عز و جل قال القاضي وقد اختلف الناس فى الروح ما هي اختلافا لايكاد يحصر فقال كثير من أرباب المعانى وعلم الباطن المتكلمين لاتعرف حقيقته ولايصح وصفه وهو مما جهل العباد علمه واستدلوا بقوله تعالى قل الروح من أمر ربى وغلت الفلاسفة فقالت بعدم الروح وقال جمهور الأطباء هو البخار اللطيف السارى فى البدن وقال كثيرون من شيوخنا هو الحياة وقال آخرون هي أجسام لطيفة مشابكة للجسم يحيى لحياته أجرى الله تعالى العادة بموت الجسم عند فراقه وقيل هو بعض الجسم ولهذا وصف بالخروج والقبض وبلوغ الحلقوم وهذه صفة الأجسام لاالمعانى وقال بعض مقدمي أئمتنا هو جسم لطيف متصور على صورة الإنسان داخل الجسم وقال بعض مشايخنا وغيرهم إنه النفس الداخل
(13/32)

والخارج وقال آخرون هو الدم هذا ما نقله القاضي والأصح عند أصحابنا أن الروح أجسام لطيفة متخللة فى البدن فاذا فارقته مات قال القاضي واختلفوا فى النفس والروح فقيل هما بمعني وهما لفظان لمسمى واحد وقيل ان النفس هي النفس الداخل والخارج وقيل هي الدم وقيل هي الحياة والله أعلم قال القاضي وقد تعلق بحديثنا هذا وشبهه بعض الملاحدة القائلين بالتناسخ وانتقال الأرواح وتنعيمها فى الصور الحسان المرفهة وتعذيبها فى الصور القبيحة المسخرة وزعموا أن هذا هو الثواب والعقاب وهذا ضلال بين وإبطال لما جاءت به الشرائع من الحشر والنشر والجنة والنار ولهذا قال فى الحديث حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه يعنى يوم يجيء بجميع الخلق والله أعلم قوله صلى الله عليه و سلم ( فقال لهم الله تعالى هل تشتهون شيئا الخ ) هذا مبالغة فى اكرامهم وتنعيمهم إذ قد أعطاهم الله ما لايخطر على قلب بشر ثم رغبهم فى سؤال الزيادة فلم يجدوا مزيدا على ما أعطاهم فسألوه حين رأوه أنه لابد من سؤال أن يرجع أرواحهم إلى أجسادهم ليجاهدوا ويبذلوا أنفسهم فى سبيل الله تعالى ويستلذوا بالقتل فى سبيل الله والله أعلم