( باب بيان قدر ثواب من غزا فغنم ومن لم يغنم )
 
[ 1906 ] قوله صلى الله عليه و سلم ( ما من غازية تغزو فى سبيل الله فيصيبون الغنيمة إلا تعجلوا ثلثى
(13/51)

أجرهم من الآخرة ويبقى لهم الثلث وإن لم يصيبوا غنيمة تم لهم أجرهم ) وفى الرواية الثانية ما من غازية أو سرية تغزو فتغنم وتسلم الا كانوا قد تعجلوا ثلثى أجورهم وما من غازية أو سرية تخفق وتصاب إلا تم أجورهم قال أهل اللغة الاخفاق أن يغزو فلا يغنموا شيئا وكذلك كل طالب حاجة اذا لم تحصل فقد أخفق ومنه أخفق الصائد اذا لم يقع له صيد وأما معنى الحديث فالصواب الذى لا يجوز غيره أن الغزاة اذا سلموا أو غنموا يكون أجرهم أقل من أجر من لم يسلم أو سلم ولم يغنم وأن الغنيمة هي فى مقابلة جزء من أجر غزوهم فاذا حصلت لهم فقد تعجلوا ثلثى أجرهم المترتب على الغزو وتكون هذه الغنيمة من جملة الأجر وهذا موافق للأحاديث الصحيحة المشهورة عن الصحابة كقوله منا من مات ولم يأكل من أجره شيئا ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها أى يجتنيها فهذا الذى ذكرنا هو الصواب وهو ظاهر الحديث ولم يأت حديث صريح صحيح يخالف هذا فتعين حمله على ما ذكرنا وقد اختار القاضي عياض معنى هذا الذى ذكرناه بعد حكايته فى تفسيره أقوالا فاسدة منها قول من زعم أن هذا الحديث ليس بصحيح ولايجوز أن ينقص ثوابهم بالغنيمة كما لم ينقص ثواب أهل بدر وهم أفضل المجاهدين وهى أفضل غنيمة قال وزعم بعض هؤلاء أن أبا هانئ حميد بن هانئ راوية مجهول ورجحوا الحديث السابق فى أن المجاهد يرجع بما نال من أجر وغنيمة فرجحوه على هذا الحديث لشهرته وشهرة رجاله ولأنه فى الصحيحين وهذا فى مسلم خاصة وهذا القول باطل من أوجه فانه لا تعارض بينه وبين هذا الحديث المذكور فان الذى فى الحديث السابق رجوعه بما نال من أجر وغنيمة ولم يقل أن الغنيمة تنقص الاجر أم لا ولا قال أجره كأجر من لم يغنم فهو مطلق وهذا مقيد فوجب حمله عليه وأما قولهم أبو هانئ مجهول فغلط فاحش بل هو ثقة مشهور روى عنه الليث بن سعد وحيوة وبن وهب وخلائق من الأئمة ويكفى فى توثيقه احتجاج مسلم به فى صحيحه وأما قولهم أنه
(13/52)

ليس فى الصحيحين فليس لازما فى صحة الحديث كونه فى الصحيحين ولا فى أحدهما وأما قولهم فى غنيمة بدر فليس فى غنيمة بدر نص أنهم لو لم يغنموا لكان أجرهم على قدر أجرهم وقد غنموا فقط وكونهم مغفورا لهم مرضيا عنهم ومن أهل الجنة لا يلزم ألا تكون وراء هذا مرتبة أخرى هي أفضل منه مع أنه شديد الفضل عظيم القدر ومن الأقوال الباطلة ما حكاه القاضي عن بعضهم أنه قال لعل الذى تعجل ثلثى أجره انما هو فى غنيمة أخذت على غير وجهها وهذا غلط فاحش اذ لو كانت على خلاف وجهها لم يكن ثلث الأجر وزعم بعضهم أن المراد أن التى أخفقت يكون لها أجر بالأسف على ما فاتها من الغنيمة فيضاعف ثوابها كما يضاعف لمن أصيب فى ماله وأهله وهذا القول فاسد مباين لصريح الحديث وزعم بعضهم أن الحديث محمول على من خرج بنية الغزو والغنيمة معا فنقص ثوابه وهذا أيضا ضعيف والصواب ما قدمناه والله أعلم