( باب قوله صلى الله عليه و سلم إنما الأعمال بالنية وأنه يدخل فيه الغزو وغيره من الأعمال )
 
[ 1907 ] قوله صلى الله عليه و سلم ( إنما الأعمال بالنية ) الحديث أجمع المسلمون على عظم موقع هذا الحديث وكثرة فوائده وصحته قال الشافعى وآخرون هو ثلث الاسلام وقال الشافعى يدخل فى سبعين بابا من الفقه وقال آخرون هو ربع الاسلام وقال عبد الرحمن بن مهدى وغيره ينبغى لمن صنف كتابا أن يبدأ فيه بهذا الحديث تنبيها للطالب على تصحيح النية ونقل الخطابى هذا
(13/53)

عن الأئمة مطلقا وقد فعل ذلك البخارى وغيره فابتدؤا به قبل كل شئ وذكره البخارى فى سبعة مواضع من كتابه قال الحفاظ ولم يصح هذا الحديث عن النبى صلى الله عليه و سلم الا من رواية عمر بن الخطاب ولا عن عمر إلا من رواية علقمة بن وقاص ولا عن علقمة الا من رواية محمد بن إبراهيم التيمي ولا عن محمد الا من رواية يحيى بن سعيد الانصارى وعن يحيى انتشر فرواه عنه أكثر من مائتى انسان أكثرهم أئمة ولهذا قال الأئمة ليس هو متواترا وان كان مشهورا عند الخاصة والعامة لأنه فقد شرط التواتر فى أوله وفيه طرفة من طرف الاسناد فانه رواه ثلاثة تابعيون بعضهم عن بعض يحيى ومحمد وعلقمة قال جماهير العلماء من أهل العربية والأصول وغيرهم لفظة انما موضوعة للحصر تثبت المذكور وتنفى ما سواه فتقدير هذا الحديث أن الأعمال تحسب بنية ولاتحسب اذا كانت بلا نية وفيه دليل على أن الطهارة وهى الوضوء والغسل والتيمم لاتصح الا بالنية وكذلك الصلوة والزكوة والصوم والحج والاعتكاف وسائر العبادات وأما ازالة النجاسة فالمشهور عندنا أنها لاتفتقر إلى نية لأنها من باب التروك والترك لايحتاج إلى نية وقد نقلوا الاجماع فيها وشذ بعض أصحابنا فأوجبها وهو باطل وتدخل النية فى الطلاق والعتاق والقذف ومعنى دخولها أنها اذا قارنت كناية صارت كالصريح وان أتى بصريح طلاق ونوى طلقتين أوثلاثا وقع ما نوى وان نوى بصريح غير مقتضاه دين فيما بينه وبين الله تعالى ولايقبل منه فى الظاهر قوله صلى الله عليه و سلم ( وانما لامرىء ما نوى ) قالوا فائدة ذكره بعد انما الأعمال بالنية بيان أن تعيين المنوى شرط فلو كان على انسان صلوة مقضية لايكفيه أن ينوى الصلوة الفائتة بل يشترط أن ينوى كونها ظهرا أو غيرها ولولا اللفظ الثانى لاقتضى الأول صحة النية بلا تعيين أو أوهم ذلك قوله صلى الله عليه و سلم ( فمن كان هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله
(13/54)

معناه من قصد بهجرته وجه الله وقع أجره على الله ومن قصد بها دنيا أو امرأة فهي حظه ولا نصيب له فى الآخرة بسبب هذه الهجرة وأصل الهجرة ) 55 الترك والمراد هنا ترك الوطن وذكر المرأة مع الدنيا يحتمل وجهين أحدهما أنه جاء أن سبب هذا الحديث أن رجلا هاجر ليتزوج امرأة يقال لها أم قيس فقيل له مهاجر أم قيس والثانى أنه للتنبية على زيادة التحذير من ذلك وهو من باب ذكر الخاص بعد العام تنبيها على مزيته والله أعلم