( باب فضل الغزو فى البحر )
 
[ 1912 ] قوله ( ان النبى صلى الله عليه و سلم كان يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه وتفلى رأسه وينام عندها ) اتفق العلماء على أنها كانت محرما له صلى الله عليه و سلم واختلفوا فى كيفية ذلك فقال بن عبدالبر وغيره كانت احدى خالاته من الرضاعة وقال آخرون بل كانت خالة لابيه
(13/57)

أو لجده لان عبد المطلب كانت أمه من بنى النجار قوله ( تفلى ) بفتح التاء واسكان الفاء فيه جواز فلى الرأس وقتل القمل منه ومن غيره قال أصحابنا قتل القمل وغيره من المؤذيات مستحب وفيه جواز ملامسة المحرم فى الرأس وغيره مما ليس بعورة وجواز الخلوة بالمحرم والنوم عندها وهذا كله مجمع عليه وفيه جواز أكل الضيف عند المرأة المزوجة مما قدمته له الا أن يعلم أنه من مال الزوج ويعلم أنه يكره أكله من طعامه قولها ( فاستيقظ وهو يضحك ) هذا الضحك فرحا وسرورا بكون أمته تبقى بعده متظاهرة بأمور الاسلام قائمة بالجهاد حتى في البحر قوله صلى الله عليه و سلم ( يركبون ثبج هذا البحر ) الثبج بثاء مثلثة ثم باء موحدة مفتوحتين ثم جيم وهو ظهره ووسطه وفى الرواية الأخرى يركبون ظهر البحر قوله صلى الله عليه و سلم ( كالملوك على الأسرة ) قيل هو صفة لهم فى الأخرة اذا دخلوا الجنة والاصح أنه صفة لهم فى الدنيا أى يركبون مراكب الملوك لسعة حالهم واستقامة أمرهم وكثرة عددهم قولها فى المرة الثانية ( ادع الله أن يجعلنى منهم وكان دعا لها فى الأولى قال أنت من الأولين ) هذا دليل على أن رؤياه الثانية غير الأولى وأنه عرض فيها غير الأولين وفيه معجزات للنبى صلى الله عليه و سلم منها اخباره ببقاء أمته بعده وأنه تكون لهم شوكة وقوة وعدد وانهم يغزون وأنهم يركبون البحر وأن أم حرام تعيش إلى ذلك الزمان وأنها تكون معهم وقد وجد بحمد الله تعالى كل ذلك وفيه فضيلة
(13/58)

لتلك الجيوش وأنهم غزاة فى سبيل الله واختلف العلماء متى جرت الغزوة التى توفيت فيها أم حرام فى البحر وقد ذكر فى هذه الرواية فى مسلم أنها ركبت البحر فى زمان معاوية فصرعت عن دابتها فهلكت قال القاضي قال أكثر أهل السير والأخبار أن ذلك كان فى خلافة عثمان بن عفان رضى الله عنه وأن فيها ركبت أم حرام وزوجها إلى قبرص فصرعت عن دابتها هناك فتوفيت ودفنت هناك وعلى هذا يكون قوله فى زمان معاوية معناه فى زمان غزوة فى البحر لا فى أيام خلافته قال وقيل بل كان ذلك فى خلافته قال وهو أظهر فى دلالة قوله فى زمانه وفى هذا الحديث جواز ركوب البحر للرجال والنساء وكذا قاله الجمهور وكره مالك ركوبه للنساء لأنه لا يمكنهن غالبا التستر فيه ولا غض البصر عن المتصرفين فيه ولايؤمن انكشاف عوراتهن فى تصرفهن لا سيما فيما صغر من السفيان مع ضرورتهن إلى قضاء الحاجة بحضرة الرجال قال القاضي رحمه الله تعالى وروى عن عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز رضى الله عنهما منع ركوبه وقيل انما منعه العمران للتجارة وطلب الدنيا لا للطاعات وقد روى عن بن عمر عن النبى صلى الله عليه و سلم النهى عن ركوب البحر الا لحاج أو معتمر أو غاز وضعف أبو داود هذا الحديث وقال رواته مجهولون واستدل بعض العلماء بهذا الحديث على أن القتال
(13/59)

فى سبيل الله تعالى والموت فيه سواء فى الاجر لان أم حرام ماتت ولم تقتل ولا دلالة فيه لذلك لانه صلى الله عليه و سلم لم يقل انهم شهداء انما يغزون فى سبيل الله ولكن قد ذكر مسلم فى الحديث الذى بعد هذا بقليل حديث زهير بن حرب من رواية أبى هريرة من قتل فى سبيل الله فهو شهيد ومن مات فى سبيل الله فهو شهيد وهو موافق لمعنى قول الله تعالى ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله قوله فى الرواية الأولى ( وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه و سلم فأطعمته ) وقال فى الرواية الأخرى فتزوجها عبادة بن الصامت بعد فظاهر الرواية الأولى أنها كانت زوجة لعبادة حال دخول النبى صلى الله عليه و سلم اليها ولكن الرواية الثانية صريحة فى أنه إنما تزوجها بعد ذلك فتحمل الأولى على موافقة الثانية ويكون قد أخبر عما صار حالا لها بعد ذلك قوله ( وحدثناه محمد بن رمح بن المهاجر أخبرنا الليث عن يحيى بن سعيد ) هكذا
(13/60)

هو فى نسخ بلادنا ونقل القاضي عن بعض نسخهم حدثنا محمد بن رمح ويحيى بن يحيى اخبرنا الليث فزاد يحيى بن يحيى مع محمد بن رمح