( باب وقتها )
 
قال الجوهرى قال الأصمعى فيها أربع لغات أضحية وأضحية بضم الهمزة وكسرها وجمعها أضاحى بتشديد الياء وتخفيفها واللغة الثالثة ضحية وجمعها ضحايا والرابعة أضحاة بفتح الهمزة والجمع أضحى كأرطاة وأرطى وبها سمى يوم الأضحى قال القاضي وقيل سميت بذلك لأنها تفعل فى الأضحى وهو ارتفاع النهار وفى الأضحى لغتان التذكير لغة قيس والتأنيث لغة تميم قوله
(13/109)

صلى الله عليه و سلم [ 1960 ] ( من كان ذبح أضحيته قبل أن يصلى أو نصلى فليذبح مكانها أخرى ومن كان لم يذبح فليذبح باسم الله ) وفى رواية على اسم الله قال الكتاب من أهل العربية اذا قيل باسم الله تعين كتبه بالألف وانما تحذف الألف اذا كتب بسم الله الرحمن الرحيم بكمالها وقوله قبل أن يصلى أو نصلى الأول بالياء والثانى بالنون والظاهر أنه شك من الراوى واختلف العلماء فى وجوب الأضحية على الموسر فقال جمهورهم هي سنة فى حقه أن تركها بلا عذر لم يأثم ولم يلزمه القضاء وممن قال بهذا أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وبلال وأبو مسعود البدرى وسعيد بن المسيب وعلقمة والأسود وعطاء ومالك وأحمد وأبو يوسف واسحاق وأبو ثور والمزنى وبن المنذر وداود وغيرهم وقال ربيعة والأوزاعي وأبو حنيفة والليث هي واجبة على الموسر وبه قال بعض المالكية وقال النخعى واجبة على الموسر إلا الحاج بمنى وقال محمد بن الحسن واجبة على المقيم بالأمصار والمشهور عن أبى حنيفة أنه انما يوجبها على مقيم يملك نصابا والله أعلم وأما وقت الأضحية فينبغى أن يذبحها بعد صلاته مع الامام وحينئذ تجزيه بالاجماع قال بن المنذر وأجمعوا أنها لاتجوز قبل طلوع الفجر يوم النحر واختلفوا فيما بعد ذلك فقال الشافعى وداود وبن المنذر وآخرون يدخل وقتها اذا طلعت الشمس ومضى قدر صلاة العيد وخطبتين فان ذبح بعد هذا الوقت أجزأه سواء صلى الامام أم لا وسواء صلى الضحى أم لا وسواء كان من أهل الأمصار أو من أهل القرى والبوادى والمسافرين وسواء ذبح الامام أضحيته أم لا وقال عطاء وأبو حنيفة يدخل وقتها فى حق أهل القرى والبوادى اذا طلع الفجر الثانى ولا يدخل فى حق أهل الأمصار حتى يصلى الامام ويخطب فان ذبح قبل ذلك لم يجزه وقال مالك لا يجوز ذبحها إلا بعد صلاة الامام وخطبته وذبحه وقال أحمد لا يجوز قبل صلاة الامام ويجوز بعدها قبل ذبح الامام وسواء عنده أهل الأمصار والقرى ونحوه عن الحسن
(13/110)

والأوزاعى واسحق بن راهويه وقال الثورى لا يجوز بعد صلاة الامام قبل خطبته وفى أثنائها وقال ربيعة فيمن لا امام له ان ذبح قبل طلوع الشمس لا يجزيه وبعد طلوعها يجزيه وأما آخر وقت التضحية فقال الشافعى تجوز فى يوم النحر وأيام التشريق الثلاثة بعده وممن قال بهذا على بن أبى طالب وجبير بن مطعم وبن عباس وعطاء والحسن البصرى وعمر بن عبد العزيز وسليمان بن موسى الأسدى فقيه أهل الشام ومكحول وداود الظاهرى وغيرهم وقال أبو حنيفة ومالك وأحمد تختص بيوم النحر ويومين بعده وروى هذا عن عمر بن الخطاب وعلى وبن عمر وأنس رضى الله عنهم وقال سعيد بن جبير تجوز لأهل الأمصار يوم النحر خاصة ولأهل القرى يوم النحر وأيام التشريق وقال محمد بن سيرين لا تجوز لأحد إلا فى يوم النحر خاصة وحكى القاضي عن بعض العلماء أنها تجوز فى جميع ذى الحجة واختلفوا فى جواز التضحية فى ليالى أيام الذبح فقال الشافعى تجوز ليلا مع الكراهة وبه قال أبو حنيفة وأحمد واسحاق وأبو ثور والجمهور وقال مالك فى المشهور عنه وعامة أصحابه ورواية عن أحمد لا تجزيه فى الليل بل تكون شاة لحم قوله صلى الله عليه و سلم ( فليذبح على اسم الله ) هو بمعنى رواية فليذبح باسم الله أى قائلا باسم الله هذا هو الصحيح فى معناه وقال القاضي يحتمل أربعة أوجه أحدها أن يكون معناه فليذبح لله والباء بمعنى اللام والثانى معناه فليذبح بسنة الله والثالث بتسمية الله
(13/111)

على ذبيحته إظهارا للإسلام ومخالفة لمن يذبح لغيره وقمعا للشيطان والرابع تبركا باسمه وتيمنا بذكره كما يقال سر على بركة الله وسر باسم الله وكره بعض العلماء أن يقال افعل كذا على اسم الله قال لأن اسمه سبحانه على كل شئ قال القاضي هذا ليس بشئ قال وهذا الحديث يرد على هذا القائل قوله ( شهدت رسول الله صلى الله عليه و سلم صلى يوم أضحى ثم خطب ) قوله أضحى مصروف وفى هذا أن الخطبة للعيد بعد الصلاة وهو اجماع الناس اليوم وقد سبق بيانه واضحا فى كتاب الايمان ثم فى كتاب الصلاة [ 1961 ] قوله صلى الله عليه و سلم ( تلك شاة لحم ) معناه أى ليست ضحية ولا ثواب فيها بل هي لحم لك تنتفع به كما فى الرواية الأخرى انما هو لحم قدمته لأهلك قوله ( إن عندى جذعة من المعز فقال ضح بها ولا تصلح لغيرك ) وفى رواية ولا تجزى جذعة عن أحد بعدك أما قوله صلى الله عليه و سلم ولا تجزى فهو بفتح التاء هكذا الرواية فيه في جميع الطرق والكتب ومعناه لا تكفى من نحو قوله تعالى واخشوا يوما لا يجزى
(13/112)

والد عن ولده وفيه أن جذعة المعز لا تجزى فى الأضحية وهذا متفق عليه قوله ( يارسول الله إن هذا يوم اللحم فيه مكروه ) قال القاضي كذا رويناه فى مسلم مكروه بالكاف والهاء من طريق السنجري والفارسي وكذا ذكره الترمذي قال رويناه في مسلم من طريق العذرى مقروم بالقاف والميم قال وصوب بعضهم هذه الرواية وقال معناه يشتهى فيه اللحم يقال قرمت إلى اللحم وقرمته اذا اشتهيته قال وهى بمعنى قوله فى غير مسلم عرفت أنه يوم أكل وشرب فتعجلت وأكلت وأطعمت أهلى وجيرانى وكما جاء فى الرواية الأخرى إن هذا يوم يشتهى فيه اللحم وكذا رواه البخارى قال القاضي وأما رواية مكروه فقال بعض شيوخنا صوابه اللحم فيه مكروه بفتح الحاء أي ترك الذبح والتضحية وبقاء أهله فيه بلا لحم حتى يشتهوه مكروه واللحم بفتح الحاء اشتهاء اللحم قال القاضي وقال لى الأستاذ أبو عبد الله بن سليمان معناه ذبح ما لا يجزى فى الأضحية مما هو لحم مكروه لمخالفة السنة هذا آخر ما ذكره القاضي وقال الحافظ أبو موسى الأصبهانى معناه هذا يوم طلب اللحم فيه مكروه شاق وهذا حسن والله أعلم قوله ( عندى عناق لبن ) العناق بفتح العين وهى الأنثى من المعز اذا قويت ما لم تستكمل سنة وجمعها أعنق وعنوق وأما قوله عناق لبن فمعناه صغيرة قريبة مما ترضع قوله ( عندى عناق لبن هي خير من شاتى لحم ) أى أطيب لحما وأنفع لسمنها ونفاستها وفيه اشارة إلى أن المقصود فى الضحايا طيب اللحم لا كثرته فشاة نفيسة أفضل من شاتين غير سمينتين بقيمتها وقد سبقت المسألة فى كتاب الايمان مع الفرق بين الأضحية والعق ومختصرة أن تكثير العدد فى العق مقصود فهو الأفضل بخلاف الأضحية قوله صلى الله عليه و سلم ( هي خير نسيكتيك ) معناه أنك ذبحت صورة نسيكتين وهما هذه والتى ذبحها قبل الصلاة وهذه أفضل لأن هذه حصلت بها التضحية والأولى وقعت شاة لحم لكن له فيها ثواب لا بسبب التضحية فإنها لم تقع أضحية بل لكونه
(13/113)

قصد بها الخير وأخرجها فى طاعة الله فلهذا دخلهما أفعل التفضيل فقال هذه خير النسيكتين فإن هذه الصيغة تتضمن أن فى الأولى خيرا أيضا قوله صلى الله عليه و سلم ( ولا تجزى جذعة عن أحد بعدك ) معناه جذعة المعز وهو مقتضى سياق الكلام وإلا فجذعة الضأن تجزى قوله ( عندى جذعة خير من مسنة ) المسنة هي الثنية وهى أكبر من الجذعة بسنة فكانت هذه
(13/114)

الجذعة أجود لطيب لحمها وسمنها [ 1962 ] قوله ( وذكر هنة من جيرانه ) أى حاجة قوله فى حديث أنس فى الذى رخص له فى جذعة المعز ( لا أدري أبلغت رخصته من سواه أم لا ) هذا الشك بالنسبة إلى علم أنس رضى الله عنه وقد صرح النبى صلى الله عليه و سلم فى حديث البراء بن عازب السابق بأنها لا تبلغ غيره ولا تجزى أحدا بعده قوله ( وانكفأ رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى كبشين فذبحهما ) انكفأ مهموز أى مال وانعطف وفيه إجزاء الذكر فى الأضحية وأن الأفضل أن يذبحها بنفسه وهما مجمع عليهما وفيه جواز التضحية بحيوانين قوله ( فقام الناس إلى غنيمة فتوزعوها أو قال فتجزعوها ) هما بمعنى وهذا شك من الراوي فى أحد اللفظتين وقوله غنيمة بضم الغين تصغير الغنم قوله فى حديث محمد بن عبيد الغبرى ( ثم خطب فأمر من كان ذبح قبل الصلاة أن يعيد ذبحا ) أما ذبحا فاتفقوا على ضبطه بكسر الذال أى حيوانا يذبح كقول الله تعالى وفديناه بذبح وأما قوله أن يعيد فكذا هو فى بعض الأصول المعتمدة بالياء من الإعادة
(13/116)

وفى كثير منها أن يعد بحذف الياء ولكن بتشديد الدال من الاعداد وهو التهيئة والله أعلم