( باب جواز الذبح بكل ما أنهر الدم الاالسن والظفر وسائرالعظام )
 
[ 1968 ] قوله ( قلت يارسول الله إنا لاقو العدو غدا وليس معنا مدى قال أعجل أوأرن ) أما أعجل فهو بكسر
(13/122)

الجيم وأما أرن فبفتح الهمزة وكسر الراء وإسكان النون وروي بإسكان الراء وكسر النون وروى أرنى باسكان الراء وزيادة ياء وكذا وقع هنا فى أكثر النسخ قال الخطابى صوابه أرن على وزن أعجل وهو بمعناه وهومن النشاط والخفة أى أعجل ذبحها لئلاتموت خنقا قال وقد يكون أرن على وزن أطع أى أهلكها ذبحا من أران القوم اذا هلكت مواشيهم قال ويكون أرن على وزن أعط بمعنى أدم الحز ولاتفتر من قولهم رنوت اذاأدمت النظر وفى الصحيح أرن بمعنى أعجل وأن هذا شك من الراوي هل قال أرن أو قال أعجل قال القاضي عياض وقد رد بعضهم على الخطابى قوله انه من أران القوم اذا هلكت مواشيهم لأن هذا لايتعدى والمذكور فى الحديث متعد على ما فسره ورد عليه أيضا قوله انه أأرن إذ لا تجتمع همزتان إحداهما ساكنة فى كلمة واحدة وإنما يقال فى هذا أيرن بالياء قال القاضي وقال بعضهم معنى أرني بالياء سيلان الدم وقال بعض أهل اللغة صواب اللفظة بالهمزة والمشهور بلاهمز والله أعلم قوله صلى الله عليه و سلم ( ما أنهر الدم وذكر اسم الله فكل ليس السن والظفر ) أما السن والظفر فمنصوبان بالاستثناء بليس وأما أنهره فمعناه أساله وصبه بكثرة وهو مشبه بجرى الماء فى النهر يقال نهر الدم وأنهرته قوله صلى الله عليه و سلم ( وذكر اسم الله ) هكذا هو فى النسخ كلها وفيه محذوف أى وذكر اسم الله عليه أومعه ووقع فى رواية أبى داود وغيره وذكر اسم الله عليه قال العلماء ففي هذا الحديث تصريح بأنه يشترط فى الذكاة ما يقطع ويجرى الدم ولايكفى رضها ودمغها بما لايجرى الدم قال القاضي وذكر الخشنى فى شرح هذا الحديث ما أنهز بالزاى والنهز بمعنى الدفع قال وهذا غريب والمشهور بالراء المهملة وكذا ذكره ابراهيم الحربى والعلماء كافة بالراء المهملة قال بعض العلماء والحكمة فى اشتراط الذبح وانهار الدم تميز حلال اللحم والشحم من حرامهما وتنبيه على أن تحريم الميتة لبقاء دمها وفى هذا الحديث تصريح بجواز الذبح بكل محدد يقطع إلا الظفر والسن وسائر العظام فيدخل فى ذلك السيف والسكين والسنان والحجر والخشب والزجاج والقصب والخزف والنحاس وسائر الأشياء المحددة فكلها تحصل بها الذكاة الاالسن والظفر والعظام كلها أما الظفر فيدخل فيه ظفر الآدمى وغيره من كل الحيوانات وسواء المتصل والمنفصل الطاهر والنجس فكله لاتجوز الذكاة به للحديث وأما السن فيدخل فيه سن الآدمى وغيره الطاهر والنجس والمتصل والمنفصل ويلحق به سائر العظام من كل الحيوان المتصل منها والمنفصل الطاهر والنجس فكله لاتجوز الذكاة
(13/123)

بشيء منه قال أصحابنا وفهمنا العظام من بيان النبى صلى الله عليه و سلم العلة فى قوله إما السن فعظم أى نهيتكم عنه لكونه عظما فهذا تصريح بأن العلة كونه عظما فكل ما صدق عليه اسم العظم لاتجوز الذكاة بهوقد قال الشافعى وأصحابه بهذا الحديث فى كل ما تضمنه على ما شرحته وبهذا قال النخعى والحسن بن صالح والليث وأحمد واسحاق وأبوثور وداود وفقهاء الحديث وجمهور العلماء وقال أبو حنيفة وصاحباه لايجوز بالسن والعظم المتصلين ويجوز بالمنفصلين وعن مالك روايات أشهرها جوازه بالعظم دون السن كيف كانا والثانية كمذهب الجمهور والثالثة كأبى حنيفة والرابعة حكاها عنه بن المنذر يجوز بكل شيء حتى بالسن والظفر وعن بن جريح جواز الذكاة بعظم الحمار دون القرد وهذا مع ماقبله باطلان منابذان للسنة قال الشافعى وأصحابه وموافقوهم لاتحصل الذكاة إلابقطع الحلقوم والمرئ بكمالهما ويستحب قطع الودجين ولايشترط وهذا أصح الروايتين عن أحمد وقال بن المنذر أجمع العلماء على أنه اذا قطع الحلقوم والمرئ والودجين وأسال الدم حصلت الذكاة قال واختلفوا فى قطع بعض هذا فقال الشافعى يشترط قطع الحلقوم والمرئ ويستحب الودجان وقال الليث وأبو ثور وداود وبن المنذر يشترط الجميع وقال أبو حنيفة اذا قطع ثلاثة من هذه الأربعة أجزأه وقال مالك يجب قطع الحلقوم والودجين ولايشترط المرئ وهذه رواية عن الليث أيضا وعن مالك رواية أنه يكفى قطع الودجين وعنه اشتراط قطع الاربعة كما قال الليث وأبو ثور وعن أبى يوسف ثلاث روايات إحدها كأبى حنيفة والثانية إن قطع الحلقوم واثنين من الثلاثة الباقية حلت وإلا فلا والثالثة يشترط قطع الحلقوم والمرئ وأحد الودجين وقال محمد بن الحسن ان قطع من كل واحد من الأربعة أكثره حل وإلا فلا والله أعلم قال بعض العلماء وفى قوله صلى الله عليه و سلم ما أنهر الدم فكل دليل على جواز ذبح المنحور ونحر المذبوح وقد جوزه العلماء كافة إلاداود فمنعهما وكرهه مالك كراهة تنزيه وفى رواية كراهة تحريم وفى رواية عنه إباحة ذبح المنحور دون نحر المذبوح وأجمعوا أن السنة فى الابل النحر وفى الغنم الذبح والبقر كالغنم عندنا وعند الجمهور وقيل يتخيربين ذبحها ونحرها قوله صلى الله عليه و سلم ( أما السن فعظم ) معناه فلا تذبحوا به فإنه يتنجس
(13/124)

بالدم وقد نهيتم عن الاستنجاء بالعظام لئلا تنجس لكونها زاد إخوانكم من الجن وأما قوله صلى الله عليه و سلم وأما الظفر فمدى الحبشة فمعناه أنهم كفار وقد نهيتم عن التشبيه بالكفار وهذا شعار لهم قوله ( فأصبنا نهب ابل وغنم فندمنها بعير فرماهرجل بسهم فحبسه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ان لهذه الابل أوابد كأوابد الوحش فإذا غلبكم منها شيء فاصنعوا به هكذا ) أما النهب بفتح النون فهو المنهوب وكان هذا النهب غنيمة وقوله ( فندمنها بعير ) أى شرد وهرب نافرا والأوابد النفور والتوحش وهو جمع آبدة بالمد وكسر الباء المخففة ويقال منه أبدت بفتح الباء تأبد بضمها وتأبد بكسرها وتأبدت ومعناه نفرت من الانس وتوحشت وفى هذا الحديث
(13/125)

دليل لاباحة عقر الحيوان الذى يند ويعجز عن ذبحه ونحره قال أصحابنا وغيرهم الحيوانالمأكول الذى لاتحل ميتته ضربان مقدور على ذبحه ومتوحش فالمقدور عليه لا يحل إلا بالذبح فى الحلق واللبة كما سبق وهذا مجمع عليه وسواء فى هذا الانسى والوحشى اذا قدر على ذبحه بأن أمسك الصيد أو كان متأنسا فلا يحل إلا بالذبح فى الحلق واللبة وأما المتوحش كالصيد فجميع أجزائه يذبح مادام متوحشا فإذا رماه بسهم أو أرسل عليه جارحة فأصاب شيئا منه ومات به حل بالاجماع وأما اذا توحش انسى بأن ند بعير أو بقرة أو فرس أوشردت شاة أو غيرها فهو كالصيد فيحل بالرمى إلى غير مذبحه وبإرسال الكلب وغيره من الجوارح عليه وكذا لوتردى بعير أوغيره فى بئر ولم يمكن قطع حلقومه ومريئه فهو كالبعير الناد فى حله بالرمى بلاخلاف عندنا وفى حله بإرسال الكلب وجهان أصحهما لايحل قال أصحابنا وليس المراد بالتوحش مجرد الافلات بل متى تيسر لحوقه بعد ولوباستعانة بمن يمسكه ونحوذلك فليس متوحشا ولايحل حينئذ الابالذبح فى المذبح وان تحقق العجز فى الحال جاز رميه ولايكلف الصبر إلى القدرة عليه وسواء كانت الجراحة فى فخذه أو خاصرته أو غيرهما من بدنه فيحل هذا تفصيل مذهبنا وممن قال بإباحة عقر الناد كما ذكرنا على بن أبى طالب وبن مسعود وبن عمر وبن عباس وطاوس وعطاء والشعبى والحسن البصرى والأسود بن يزيد والحكم وحماد والنخعى والثورى وأبو حنيفة وأحمد وإسحاقوأبو ثور والمزنى وداود والجمهوروقال سعيد بن المسيب وربيعة والليث ومالك لا يحل إلا بذكاة فى حلقه كغيره دليل الجمهور حديث رافع المذكور والله أعلم قوله ( كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم بذى الحليفة من تهامة ) قال العلماء الحليفة هذه مكان من تهامة بين حاذة وذات عرق وليست بذى الحليفة التى هي ميقات أهل المدينة هكذا ذكره الحازمى فى كتابه المؤتلف فى أسماء الأماكن لكنه قال الحليفة من غير لفظ ذى والذى فى صحيح البخارى ومسلم بذى الحليفة فكأنه يقال بالوجهين قوله ( فأصبنا غنما وابلا فعجل القوم فاغلوا بها القدور فأمر بها فكفئت ) معنى كفئت أى قلبت وأريق ما فيها وانما أمر باراقتها لأنهم كانوا قد انتهوا إلى دار الاسلام والمحل الذى لايجوز فيه الأكل من مال الغنيمة المشتركة فان الأكل من الغنائم قبل القسمة انما يباح فى دار الحرب وقال المهلب بن أبى صفرة المالكى انما أمروا بإكفاء القدور عقوبة لهم لاستعجالهم فى السير وتركهم النبى صلى الله عليه و سلم
(13/126)

فى أخريات القوم متعرضا لمن يقصده من عدو ونحوه والأول أصح واعلم أن المأمور به من اراقة القدور انما هو اتلاف لنفس المرق عقوبة لهم وأما نفس اللحم فلم يتلفوه بل يحمل على أنه جمع ورد إلى المغنم ولايظن أنه صلى الله عليه و سلم أمر باتلافه لأنه مال للغانمين وقد نهى عن اضاعة المال مع أن الجناية بطبخه لم تقع من جميع مستحقى الغنيمة اذمن جملتهم أصحاب الخمس ومن الغانمين من لم يطبخ فإن قيل فلم ينقل أنهم حملوا اللحم إلى المغنم قلنا ولم ينقل أيضا أنهم أحرقوه وأتلفوه واذا لم يأت فيه نقل صريح وجب تأويله على وفق القواعد الشرعية وهو ما ذكرناه وهذا بخلاف اكفاء قدور لحم الحمر الأهلية يوم خيبر فإنه أتلف ما فيها من لحم ومرق لأنها صارت نجسه ولهذا قال النبى صلى الله عليه و سلم فيها انها رجس أو نجس كما سبق فى بابه وأما هذه اللحوم فكانت طاهرة منتفعا بها بلاشك فلايظن اتلافها والله أعلم قوله ( ثم عدل عشرا من الغنم بجزور ) هذا محمول على أن هذه كانت قيمة هذه الغنم والابل فكانت الابل نفيسة دون الغنم بحيث كانت قيمة البعير عشر شياه ولايكون هذا مخالفالقاعدة الشرع فى باب الأضحية فى اقامة البعير مقام سبع شياه لأن هذا هو الغالب فى قيمة الشياه والابل المعتدلة وأما هذه القسمة فكانت قضية اتفق فيها ماذكرناه من نفاسة الابل دون الغنم وفيه أن قسمة الغنيمة لايشترط فيها قسمة كل نوع على حدة قوله ( فنذكى بالليط ) هو بلام مكسورة ثم ياء مثناة تحت ساكنة ثم طاء مهملة وهى قشور القصب وليط كل شيء قشوره والواحدة ليطة وهو معنى قوله فى الرواية الثانية أفنذبح بالقصب وفى رواية أبى داود وغيره أفنذبح بالمروة فهو محمول على أنهم قالوا هذا وهذا فأجابهم صلى الله عليه و سلم بجواب جامع لما سألوه ولغيره نفيا واثباتا فقال كل ماأنهر الدم وذكر اسم الله فكل ليس السن والظفر قوله ( فرميناه بالنبل حتى وهصناه ) هو بهاء مفتوحة مخففة ثم صاد مهملة ساكنة ثم نون
(13/127)

ومعناه رميناه رميا شديدا وقيل أسقطناه إلى الارض ووقع فى غير مسلم رهصناه بالراء أى حبسناه