( باب بيان ما كان من النهى عن أكل لحوم الأضاحى بعد ثلاث فى الاسلام وبيان نسخه وإباحته إلى متى شاء )
 
[ 1969 ] قوله ( حدثنى عبد الجبار بن العلاء حدثنا سفيان حدثنا الزهري عن أبى عبيد قال شهدت العيد مع على بن أبى طالب رضى الله عنه وذكر الحديث ) قال القاضي لهذا الحديث من رواية سفيان عند أهل الحديث علة فى رفعه لأن الحفاظ من أصحاب سفيان لم يرفعوه ولهذا لم يروه البخارى من رواية سفيان ورواه من غير طريقة قال الدارقطنى هذا مما وهم فيه عبد الجبار بن العلاء لأن علي بن المدينى وأحمد بن حنبل والقعنبى وأبا خيثمة واسحاق وغيرهم رووه عن بن عيينة موقوفا قال ورفع الحديث عن الزهري صحيح من غير طريق سفيان فقد رفعه صالح ويونس ومعمر والزبيدى ومالك من رواية جويرية كلهم رووه عن الزهري مرفوعا هذا كلام الدارقطنى والمتن صحيح بكل حال والله أعلم قوله فى حديث على رضى الله عنه أنه خطب فقال ( إن رسول الله
(13/128)

صلى الله عليه و سلم قد نهاكم أن تأكلوا لحوم نسككم فوق ثلاث ليال فلاتأكلوا ) [ 1970 ] وفى حديث بن عمر عن النبى صلى الله عليه و سلم قال لايأكل أحدكم من أضحيته فوق ثلاثة أيام قال سالم وكان بن عمر لايأكل لحوم الأضاحى بعد ثلاث وذكر [ 1972 ] حديث جابر مثله فى النهى ثم قال كلوا بعد وادخروا وتزودوا [ 1971 ] وحديث عائشة أنه دف ناس من أهل البادية حضرة الأضحى فقال النبى صلى الله عليه و سلم ادخروا ثلاثة أيام ثم تصدقوا ثم ذكر الحديث انما كنت نهيتكم من أجل الدافة التى دفت فكلوا وادخروا وتصدقوا وذكر معناه من حديث جابر وسلمة بن الاكوع وأبى سعيد وثوبان وبريدة قال القاضي واختلف العلماء فى الأخذ بهذه الأحاديث فقال قوم يحرم امساك لحوم الأضاحى والأكل منها بعد ثلاث وان حكم التحريم باق كما قاله على وبن عمر وقال جماهير العلماءيباح الأكل والامساك بعد الثلاث والنهى منسوخ بهذه الأحاديث المصرحة بالنسخ لاسيما حديث بريدة وهذامن نسخ السنة بالسنة وقال بعضهم ليس هو نسخا بل كان التحريم لعلة فلما زالت زال لحديث سلمة وعائشة وقيل كان النهى الأول للكراهة لاللتحريم قال هؤلاء والكراهة باقية إلى اليوم ولكن لا يحرم قالوا ولو وقع مثل تلك العلة اليوم فدفت دافة واساهم الناس وحملوا على هذا مذهب على وبن عمر والصحيح نسخ النهى مطلقا وأنه لم يبق تحريم ولاكراهة فيباح
(13/129)

اليوم الادخار فوق ثلاث والاكل إلى متى شاء لصريح حديث بريدة وغيره والله أعلم قوله صلى الله عليه و سلم ( بعد ثلاث ) قال القاضي يحتمل أن يكون ابتداء الثلاث من يوم ذبحها ويحتمل من يوم النحر وان تأخر ذبحها إلى أيام التشريق قال وهذا أظهر قوله صلى الله عليه و سلم ( انما نهيتكم من أجل الدافة التى دفت ) قال أهل اللغة الدافة بتشديد الفاء قوم يسيرون جميعا سيرا خفيفا ودف يدف بكسر الدال ودافة الأعراب من يردمنهم المصر والمراد هنا من ورد من ضعفاء الاعراب للمواساة قوله ( دف ابيات من أهل البادية حضرة الأضحى ) هي بفتح الحاء وضمها وكسرها والضاد ساكنة فيها كلها وحكى فتحها وهو ضعيف وانما تفتح اذا حذفت الهاء فيقال بحضر فلان قوله ( ان الناس يتخذون
(13/130)

الاسقية من ضحاياهم ويجملون منها الودك ) قوله يجملون بفتح الياء مع كسر الميم وضمها ويقال بضم الياء مع كسر الميم يقال جملت الدهن أجمله بكسر الميم وأجمله بضمها جملا وأجملته إجمالا أي أذبته وهو بالجيم قوله صلى الله عليه و سلم ( انما نهيتكم من أجل الدافة التى دفت فكلوا وادخروا وتصدقوا ) هذا تصريح بزوال النهى عن ادخارها فوق ثلاث وفيه الأمر بالصدقة منها والأمر بالأكل فاما الصدقة منها اذا كانت أضحية تطوع فواجبه على الصحيح عند أصحابنا بما يقع عليه الاسم منها ويستحب أن يكون بمعظمها قالوا وأدنى الكمال أن يأكل الثلث ويتصدق بالثلث ويهدى الثلث وفيه قول أنه ياكل النصف ويتصدق بالنصف وهذا الخلاف في قدر أدني الكمال فى الاستحباب فأما الاجزاء فيجزيه الصدقة بما يقع عليه الاسم كماذكرنا ولنا وجه أنه لاتجب الصدقة بشيء منها وأماالأكل منها فيستحب ولايجب هذا مذهبنا ومذهب العلماء كافة إلاما حكى عن بعض السلف أنه أوجب الأكل منها وهو قول أبى الطيب بن سلمة من أصحابنا حكاه عنه الماوردىلظاهر هذا الحديث فى الأمر بالأكل مع قوله تعالى فكلوا منها وحمل الجمهور هذا الأمر على الندب أو الاباحة لا سيما وقد ورد بعد الحظر كقوله تعالى وإذا حللتم فاصطادوا وقد اختلف الأصوليون المتكلمون فى الأمر الوارد بعد الحظر
(13/131)

فالجمهور من أصحابنا وغيرهم على أنه للوجوب كما لوورد ابتداء وقال جماعة منهم من أصحابنا وغيرهم أنه للاباحة قوله فى حديث أبى بكر بن أبى شيبة عن على بن مسهر ( قلت لعطاء قال جابر حتى جئنا المدينة قال نعم ) ووقع فى البخارى لابدل قوله هنا نعم فيحتمل أنه نسى في وقت فقال لاوذكر فى وقت فقال نعم [ 1973 ] قوله ( وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الأعلى حدثنا سعيد عن قتادة عن أبى نضرة عن أبى سعيد الخدرى ) هكذا وقع فى نسخ بلادنا سعيد عن قتادة عن أبى نضرة وكذا ذكره أبوعلى الغسانى والقاضى عن نسخة الجلودى والكسائي قالا وفى نسخة بن ماهان سعيد عن أبى نضرة من غير ذكر قتادة وكذا ذكره أبو مسعود الدمشقى في الاطراف وخلف الواسطى قال أبو على الغسانى وهذا هو الصواب عندى والله أعلم قوله فى طريق بن أبى شيبة وبن المثنى ( عن أبى نضرة عن أبى سعيد ) هذا خلاف عادة مسلم فى الاقتصاروكان مقتضى عادته حذف أبى سعيد فى الطريق الأول ويقتصر على أبى نضرة ثم يقول ح ويتحول
(13/132)

فان مدار الطريقين على أبى نضرة والعبارة فيهما عن أبى سعيد الخدرى بلفظ واحد وكان ينبغى تركه فى الأولى قوله ( ان لهم عيالا وحشما وخدما ) قال أهل اللغة الحشم بفتح الحاء والشين هم اللائذون بالانسان يخدمونه ويقومون بأموره وقال الجوهري هم خدم الرجل ومن يغضب له سموا بذلك لأنهم يغضبون له والحشمة الغضب ويطلق على الاستحياء أيضا ومنه قولهم فلان لايحتشم أى لا يستحي ويقال حشمته وأحشمته اذا أغضبته واذا أخجلته فاستحيى الخجلة وكأن الحشم أعم من الخدم فلهذا جمع بينهما فى هذا الحديث وهو من باب ذكر الخاص بعد العام والله أعلم قوله صلى الله عليه و سلم [ 1974 ] ( ان ذلك عام كان الناس فيه بجهد فأردت أن يفشوا فيهم ) هكذا هو فى جميع نسخ مسلم يفشو بالفاء والشين أى يشيع لحم الأضاحى فى الناس وينتفع به المحتاجون ووقع فى البخارى يعينوا بالعين من الاعانة قال القاضي فى شرح مسلم الذى فى مسلم أشبه وقال فى المشارق كلاهما صحيح والذى فى البخارى أوجه والله أعلم والجهد هنا بفتح الجيم وهو المشقة والفاقة [ 1975 ] قوله ( عن ثوبان قال ذبح رسول الله صلى الله عليه و سلم
(13/133)

ضحيته ثم قال يا ثوبان أصلح هذه فلم أزل أطعمه منها حتى قدم المدينة هذا فيه تصريح بجواز ادخار لحم الأضحية فوق ثلاث وجواز التزود منه وفيه أن الادخار والتزود فى الأسفار لايقدح فى التوكل ولا يخرج صاحبه عن التوكل وفيه أن الضحية مشروعة للمسافر كما هي مشروعة للمقيم وهذا مذهبنا وبه قال جماهير العلماء وقال النخعي وأبو حنيفة لا ضحية على المسافر وروى هذا عن على رضى الله تعالى عنه وقال مالك وجماعة لاتشرع للمسافر بمنى ومكة [ 1977 ] قوله صلى الله عليه و سلم ( نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ونهيتكم
(13/134)

عن لحوم الأضاحى فوق ثلاث فأمسكوا ما بدا لكم ونهيتكم عن النبيذ إلا فى سقاء فاشربوا فى الأسقية كلها ولا تشربوا مسكرا ) هذا الحديث مماصرح فيه بالناسخ والمنسوخ جميعا قال العلماء يعرف نسخ الحديث تارة بنص كهذا وتارة باخبار الصحابى ككان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه و سلم ترك الوضوء مما مست النار وتارة بالتاريخ اذا تعذر الجمع وتارة بالاجماع كترك قتل شارب الخمر فى المرة الرابعة والاجماع لاينسخ لكن يدل على وجود ناسخ أما زيارة القبور فسبق بيانها فى كتاب الجنائز وأما الانتباذ فى الأسقية فسبق شرحه فى كتاب الايمان وسنعيده قريبا فى كتاب الأشربة إن شاء الله تعالى ونذكر هناك اختلاف ألفاظ هذا الحديث وتأويل المؤول منها وأما لحوم الأضاحى فذكرنا حكمها والله أعلم