( باب تحريم الخمر وبيان أنها تكون من عصير العنب ومن التمر والبسر والزبيب وغيرها مما يسكر )
 
[ 1979 ] قوله ( أصبت شارفا ) هي بالشين المعجمة وبالفاء وهى الناقة المسنة وجمعها شرف بضم الراء واسكانها قوله ( أريد أن أحمل عليها اذخرا لأبيعه ومعي صائغ من بنى قينقاع فأستعين به على وليمة فاطمة ) أما قينقاع فبضم النون وكسرها وفتحها وهم طائفة من يهود المدينة فيجوز صرفه على ارادة الحى وترك صرفه على ارادة القبيلة أو الطائفة وفيه اتخاذ الوليمة للعرس سواء فى ذلك من له مال كثير ومن دونه وقد سبقت المسألة فى كتاب النكاح وفيه جواز الاستعانة فى الاعمال والاكتساب باليهودي وفيه جواز الاحتشاش للتكسب وبيعه وأنه لاينقص المروءة وفيه جواز بيع الوقود للصواغين ومعاملتهم قوله ( معه قينة تغنيه ) القينة بفتح القاف الجارية المغنية قوله ( ألا يا حمز للشرف النواء ) الشرف بضم الشين والراء وتسكين الراء أيضا كما سبق جمع
(13/143)

شارف والنواء بكسر النون وتخفيف الواو وبالمد أى السمانجمع ناوية بالتخفيف وهى السمينة وقد نوت الناقة تنوى كرمت ترمى يقال لها ذلك اذا سمنت هذا الذى ذكرناه فى النواء أنها بكسر النون وبالمد هو الصواب المشهور فى الروايات فى الصحيحين وغيرهما ويقع فى بعض النسخ النوى بالياء وهو تحريف وقال الخطابى رواه بن جرير ذا الشرف النوى بفتح الشين والراء وبفتح النون مقصورا قال وفسره بالبعد قال الخطابى وكذا رواه أكثر المحققين قال وهو غلط فى الرواية والتفسير وقد جاء فى غير مسلم تمام هذا الشعر ... ألا يا حمز للشرف النواء ... وهن معقلات بالفناء ... ... ضع السكين فى اللبات منها ... وضرجهن حمزة بالدماء ... وعجل من أطايبها لشرب ... قديدا من طبيخ أو شواء ...
قوله ( فجب أسمنتهما ) وفى الرواية الأخرى اجتب وفى رواية للبخاري أجب وهذه غريبة فى اللغة والمعنى قطع قوله ( وبقر خواصرهما ) أى شقها وهذا الفعل الذى جرى من حمزة رضى الله عنه من شربه الخمر وقطع أسنمة الناقتين وبقر خواصرهما وأكل لحمهما وغير ذلك لااثم عليه فى شيء منه أما أصل الشرب والسكر فكان مباحا لأنه قبل تحريم الخمر وأما ما قد يقوله بعض من لاتحصيل له أن السكر لم يزل محرما فباطل لاأصل له ولايعرف أصلا وأما باقى الأمور فجرت منه فى حال عدم التكليف فلااثم عليه فيها كمن شرب دواء لحاجة فزال به عقله أو شرب شيئا يظنه خلا فكان خمرا أو أكره على شرب الخمر فشربها وسكر فهو فى حال السكر غير مكلف ولااثم عليه فيما يقع منه فى تلك الحال بلا خلاف وأما غرامة ما أتلفه فيجب فى ماله
(13/144)

فلعل عليا رضى الله تعالى عنه أبرأه من ذلك بعد معرفته بقيمة ما أتلفه أو أنه أداه إليه حمزة بعد ذلك أو أن النبى صلى الله عليه و سلم أداه عنه لحرمته عنده وكمال حقه ومحبته اياه وقرابته وقد جاء فى كتاب عمر بن شيبة من رواية أبى بكر بن عياش أن النبى صلى الله عليه و سلم غرم حمزة الناقتين وقد أجمع العلماء أن ما أتلفه السكران من الأموال يلزمه ضمانة كالمجنون فان الضمان لايشترط فيه التكليف ولهذا أوجب اللهتعالى فى كتابه فى قتل الخطأ الدية والكفارة وأما هذا السنام المقطوع فإن لم يكن تقدم نحرهما فهو حرام باجماع المسلمين لأن ما أبين منحى فهو ميت وفيه حديث مشهور فى كتب السنن ويحتمل أنه ذكاهما ويدل عليه الشعر الذى قدمناه فإن كان ذكاهما فلحمهما حلال باتفاق العلماء إلاما حكى عن عكرمة واسحاق وداود أنه لايحل ماذبحه سارق أو غاصب أو متعد والصواب الذى عليه الجمهور حله وان لم يكن ذكاهما وثبت أنه أكل منهما فهو أكل فى حالة السكر المباح ولااثم فيه كما سبق والله أعلم قوله ( فرجع رسول الله صلى الله عليه و سلم يقهقر ) وفى الرواية الأخرى فنكص على عقبيه القهقري قال جمهور أهل اللغة وغيرهم القهقري الرجوع إلى وراءووجهه اليك اذا ذهب عنك وقال أبو عمر وهو الاخصار فى الرجوع أى الاسراع فعلى هذا معناه خرج مسرعا والأول هو المشهور المعروف وانما رجع القهقري خوفا من أن يبدو من حمزة رضى الله تعالى
(13/145)

عنه امر يكرهه لو ولاه ظهره لكونه مغلوبا بالسكر قوله ( أردت أن أبيعه من الصواغين ) هكذا هو فى جميع نسخ مسلم وفى بعض الأبواب من البخارى من الصواغين ففيه دليل لصحة استعمال الفقهاء فى قولهم بعت منه ثوبا وزوجت منه ووهبت منه جارية وشبه ذلك والفصيح حذف من فإن الفعل متعد بنفسه ولكن استعمال من فى هذا صحيح وقد كثر ذلك فى كلام العرب وقد جمعت من ذلك نظائر كثيرة فى تهذيب اللغات فى حرف الميم مع النون وتكون من زائدة على مذهب الاخفش ومن وافقه فى زيادتها فى الواجب قوله ( وشارفاى مناخان ) هكذا فى معظم النسخ مناخان وفى بعضها مناختان بزيادة التاء وكذلك اختلف فيه نسخ البخارى وهما صحيحان فأنث باعتبار المعنى وذكر باعتبار اللفظ قوله ( فبينا أنا أجمع لشار فى متاعا من الأقتاب والغرائر والحبال وشارفاى مناخان إلى جنب حجرة رجل من الأنصار وجمعت حين جمعت ما جمعت فإذا شارفى قد اجتبت أسنمتهما ) هكذا فى بعض نسخ بلادنا ونقله القاضي عن أكثر نسخهم وسقطت لفظة وجمعت التى عقب قوله رجل من الأنصار من أكثر نسخ بلادنا ووقع فى بعض النسخ حتى جمعت مكان حين جمعت قوله ( فاذا شار فى قد أجتبت أسنمتهما ) هكذا هو فى معظم النسخ فاذا شارفى وفى بعضها فاذاشارفاى وهذا هو الصواب أو يقول فإذا شارفتاى إلا أن يقرأ فإذا شارفى بتخفيف الياء على لفظ الافراد ويكون المراد جنس الشارف فيدخل فيه الشارفان والله أعلم قوله ( فلم أملك عينى حين رأيت ذلك المنظر منهما ) هذا البكاء والحزن الذى أصابه سببه ما خافه من تقصيره فى حق فاطمة رضى الله عنها وجهازها والاهتمام بأمرها تقصيره أيضا بذلك فى حق النبى صلى الله عليه و سلم ولم يكن لمجرد الشارفين من حيث هما من متاع الدنيابل لما قدمناه
(13/146)

والله أعلم قوله ( هو فى هذا البيت فى شرب من الأنصار ) والشرب بفتح الشين واسكان الراء وهم الجماعة الشاربون قوله ( فدعا رسول الله صلى الله عليه و سلم بردائه فارتداه ) هكذا هوفى النسخ كلها فارتداه وفيه جواز لباس الرداء وترجم له البخارى بابا وفيه أن الكبير اذا خرج من منزله تجمل بثيابه ولايقتصر على مايكون عليه فى خلوته فى بيته وهذا من المروءات والأداب المحبوبة قوله ( فطفق يلوم حمزة ) أى جعل يلومه يقال بكسر الفاء وفتحها حكاه القاضي وغيره والمشهور الكسر وبه جاء القرآن قال الله تعالى فطفق مسحا بالسوق والأعناق
قوله ( انه ثمل ) بفتح
(13/147)

الثاء المثلثة وكسر الميم أي سكران [ 1980 ] قوله ( وما شرابهم إلاالفضيخ البسر والتمر ) قال ابراهيم الحربى الفضيخ أن يفضخ البسر ويصب عليه الماء ويتركه حتى يغلى وقال أبو عبيد هو ما فضخ من البسر من غير أن تمسه نار فان كان معه تمر فهو خليط وفى هذه الأحاديث التى ذكرها مسلم تصريح بتحريم جميع الأنبذة المسكرة وأنها كلها تسمى خمرا وسواء فى ذلك الفضيخ ونبيذ التمر والرطب والبسر والزبيب والشعير والذرة والعسل وغيرها وكلها محرمة وتسمى خمرا هذا مذهبنا وبه قال مالك وأحمد والجماهير من السلف والخلف وقال قوم من أهل البصرة انما يحرم عصير العنب ونقيع الزبيب النئ فأما المطبوخ منهما والنئ والمطبوخ مما سواهما فحلال مالم يشرب ويسكر وقال أبو حنيفة انما يحرم عصير ثمرات النخل والعنب قال فسلافة العنب يحرم قليلها وكثيرها إلا أن يطبخ حتى ينقص ثلثاها وأما نقيع التمر والزبيب فقال يحل مطبوخهما وان مسته النار شيئا قليلا من غير اعتبار لحد كما اعتبر فى سلافة العنب قال والنئ منه حرام قال ولكنه لايحد شاربه هذا كله مالم يشرب ويسكر فان أسكر فهو حرام باجماع المسلمين واحتج الجمهور بالقرآن والسنة أما القرآن فهو أن الله تعالى نبه على أن علة تحريم الخمر كونها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة وهذه العلة موجودة فى جميع المسكرات فوجب طرد الحكم فى الجميع فان قيل انما يحصل هذا المعنى فى الاسكار وذلك مجمع على تحريمه قلنا قد أجمعوا على تحريم عصير العنب وان لم
(13/148)

يسكر وقد علل الله سبحانه تحريمه كما سبق فإذا كان ما سواه فى معناه وجب طرد الحكم فى الجميع ويكون التحريم للجنس المسكر وعلل بما يحصل من الجنس فى العادة قال المازنى هذا الاستدلال آكد من كل ما يستدل به فى هذه المسألة قال ولنا فى الاستدلال طريق آخر وهو أن يقول اذا شرب سلافة العنب عند اعتصارها وهى حلوة لم تسكر فهي حلال بالاجماع وان اشتدت وأسكرت حرمت بالاجماع فان تخللت من غير تخليل آدمى حلت فنظرنا إلى مستبدل هذه الأحكام وتجددها عند تجدد الصفات وتبدلها فأشعرنا ذلك بارتباط هذه الأحكام بهذه الصفة وقام ذلك مقام التصريح بذلك بالنطق فوجب جعل الجميع سواء فى الحكم وأن الاسكار هو علة التحريم هذه إحدى الطريقتين فى الاستدلال لمذهب الجمهور والثانية الأحاديث الصحيحة الكثيرة التى ذكرها مسلم وغيره كقوله صلى الله عليه و سلم كل مسكر حرام وقوله نهى عن كل مسكر وحديث كل مسكر خمر وحديث بن عمر رضى الله عنهما الذى ذكره مسلم هنا فى آخر كتاب الأشربة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال كل مسكر خمر وكل مسكر حرام وفى رواية له كل مسكر خمر وكل خمر حرام وحديث النهى عن كل مسكر أسكر عن الصلاة والله أعلم قوله
(13/149)

فى حديث أنس ( أنهم أراقوها بحبر الرجل الواحد ) فيه العمل بخبر الواحد وأن هذا كان معروفا عندهم قوله ( فجرت فى سكك المدينة ) أى طرقها وفى هذه الأحاديث أنها لاتطهر بالتخليل وهو مذهبنا ومذهب الجمهور وجوزه أبوحنيفة وفيه أنه لايجوز امساكها وقد اتفق عليه الجمهور قوله ( انى لقائم أسقيهم وأنا أصغرهم ) فيه أنه يستحب لصغير السن خدمة الكبار هذا اذا
(13/150)

تتساووا فى الفضل أو تقاربوا [ 1980 ] قوله ( فقمت إلى مهراس لنا فضربتها بأسفله حتى تكسرت ) المهراس بكسر الميم وهو حجر منقور وهذا الكسر محمول على أنهم ظنوا أنه يجب كسرها واتلافها كما يجب اتلاف الخمر وان لم يكن فى نفس الأمر هذا واجبا فلما ظنوه كسروها ولهذا لم ينكر عليهم النبى صلى الله عليه و سلم وعذرهم لعدم معرفتهم الحكم وهو غسلهامن غير كسر وهكذا الحكم اليوم فى أوانى الخمر وجميع ظروفه سواء الفخار والزجاج والنحاس والحديد والخشب والجلود فكلها تطهر بالغسل ولايجوز كسرها
(13/151)