( باب جواز شرب اللبن )
 
[ 2009 ] فيه أبو بكر الصديق رضى الله عنه ( قال لماخرجنا مع النبى صلى الله عليه و سلم من مكة إلى المدينة مررنا براع وقد عطش رسول الله صلى الله عليه و سلم فحلبت له كثبة من لبن فأتيته بها فشرب حتى رضيت ) وفيه الرواية الأخرى وحديث أبى هريرة الكثبة بضم الكاف واسكان الثاء المثلثة وبعدها موحدة وهو الشيء القليل وقوله فشرب حتى رضيت معناه شرب حتى علمت أنه شرب حاجته وكفايته وقوله
(13/179)

مررنا براعى هكذا هو فى الأصول براعى بالياء وهى لغة قليلة والأشهر براع وأما شربه صلى الله عليه و سلم من هذا اللبن وليس صاحبه حاضرا لأنه كان راعيا لرجل من أهل المدينة كما جاء فى الرواية الأخرى وقد ذكرها مسلم فى آخر الكتاب والمراد بالمدينة هنامكة وفى رواية لرجل من قريش فالجواب عنه من أوجه أحدهما أن هذا كان رجلا حربيا لاأمان له فيجوز الاستيلاء على ماله والثانى يحتمل أنه كان رجلايدل عليه النبى صلى الله عليه و سلم ولايكره شربه صلى الله عليه و سلم من لبنه والثالث لعله كان فى عرفهم مما يتسامحون به لكل أحد ويأذنون لرعاتهم ليسقوا من يمر بهم والرابع أنه كان مضطرا قوله ( سراقة بن مالك بن جعشم ) هو بضم الجيم والشين المعجمة واسكان العين بينهما ويقال بفتح الشين حكاه الجوهرى فى الصحاح عن الفراء والصحيح المشهور ضمها قوله ( فساخت فرسه ) هو بالسين المهملة وبالخاء المعجمة ومعناه نزلت فى الأرض وقبضتها الأرض وكان فى جلد من الأرض كما جاء فى الرواية الأخرى وقوله ( فقال ادعوا الله لى ولاأضرك فدعا له ) هكذا وقع فى بعض الأصول ادعوا الله بلفظ التثنية للنبى صلى الله عليه و سلم وأبى بكر رضى الله عنه وفى بعضها ادع بلفظ الواحد وكلاهما ظاهر وقوله فدعا له ثمامة فانطلق كما جاء فى غير هذه الرواية وفيه معجزة ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه و سلم [ 168 ] قوله ( ان
(13/180)

النبى صلى الله عليه و سلم أتى ليلة أسرى به بايلياءبقدحين من خمر ولبن فنظر اليهما فأخذ اللبن فقال له جبريل الحمد لله الذى هداك للفطرة لو أخذت الخمر غوت أمتك ) قوله بايلياء هو بيت المقدس وهو بالمد ويقال بالقصر ويقال إلياء بحذف الياء الأولى وقدسبق بيانه وفى هذه الرواية محذوف تقديره أتى بقدحين فقيل له اخترأيهما شئت كما جاء مصرحا به فى البخارى وقد ذكره مسلم فى كتاب الايمان فى أول الكتاب فألهمه الله تعالى اختيار اللبن لما أراده سبحانه وتعالى من توفيق هذه الأمة واللطف بها فلله الحمد والمنة وقول جبريل عليه السلام أصبت الفطرة قيل فى معناه أقوال المختار منها أن الله تعالى أعلم جبريل أن النبى صلى الله عليه و سلم ان اختار اللبن كان كذا وان اختار الخمر كان كذا وأما الفطرة فالمراد بها هنا الاسلام والاستقامة وقد
(13/181)

قدمنا شرح هذا كله وبيان الفطرة وسبب اختيار اللبن فى أول الكتاب فى باب الاسراء من كتاب الايمان وقوله الحمد لله فيه استحباب حمد الله عند تجدد النعم وحصول ما كان الانسان يتوقع حصوله واندفاع ماكان يخاف وقوعه قوله غوت أمتك معناه ضلت وانهمكت فى الشر والله أعلم