( باب فى الشرب قائما )
 
[ 2024 ] فيه حديث قتادة ( عن أنس رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه و سلم زجر عن الشرب قائما ) وفى
(13/194)

رواية نهى عن الشرب قائما قال قتادة قلنا فالأكل قال أشر أو أخبث [ 2025 ] وفى رواية عن قتادة عن أبى عيسى الأسوارى عن أبى سعيد الخدرى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم زجر عن الشرب قائما وفى رواية عنهم نهى عن الشرب قائما [ 2026 ] وفى رواية عن عمر بن حمزة قال أخبرنى أبو غطفان المرى أنه سمع أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لايشربن أحدكم قائما فمن نسى فليستقيء [ 2027 ] وعن بن عباس سقيت رسول الله صلى الله عليه و سلم من زمزم فشرب وهو قائم وفى الرواية الأخرى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم شرب من زمزم وهو قائم وفى صحيح البخارى أن عليا رضى الله عنه شرب قائما وقال رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم فعل كما رأيتمونى فعلت على أن هذه الأحاديث أشكل معناها على بعض العلماء حتى قال فيها أقوالاباطلة وزاد حتى تجاسر ورام أن يضعف بعضها وادعى فيها دعاوى باطلة لاغرض لنا فى ذكرها ولاوجه لاشاعة الأباطيل والغلطات في تفسير السنن بل نذكر الصواب ويشار إلى التحذير من الاغترار بما خالفه وليس فى هذه الأحاديث بحمد الله تعالى اشكال ولافيها ضعف بل كلها صحيحة والصواب فيها أن النهى فيها محمول على كراهة التنزيه وأما شربه صلى الله عليه و سلم قائما فبيان للجواز فلا اشكال ولاتعارض وهذا الذى ذكرناه يتعين المصير إليه وأما من زعم نسخا أو غيره فقد غلط غلطا فاحشا وكيف يصار إلى النسخ مع امكان الجمع بين الأحاديث لو ثبت التاريخ وأنى له بذلك والله أعلم فان قيل كيف يكون الشرب قائما مكروها وقد فعله النبى صلى الله عليه و سلم فالجواب أن فعله صلى الله عليه و سلم اذا كان بيانا للجواز لايكون مكروها بل البيان واجب عليه صلى الله عليه و سلم فكيف يكون مكروها وقد ثبت عنه أنه صلى الله عليه و سلم توضأ مرة مرة وطاف على بعير مع أن الاجماع على أن الوضوء ثلاثا والطواف ماشيا أكمل ونظائر هذا غير منحصرة فكان صلى الله عليه و سلم ينبه على جواز الشئ مرة أو مرات ويواظب على الأفضل منه وهكذا كان أكثر وضوئه صلى الله عليه و سلم ثلاثا ثلاثا وأكثر طوافه ماشيا وأكثر شربه جالسا وهذا واضح لايتشكك فيه من له أدنى نسبة إلى علم والله أعلم وأما قوله صلى الله عليه و سلم ( فمن نسى فليستقىء ) فمحمول على الاستحباب والندب فيستحب لمن شرب قائما أن يتقايأه لهذا الحديث الصحيح الصريح فان الأمر اذاتعذر حمله على الوجوب حمل على الاستحباب وأما قول القاضي عياض لاخلاف بين أهل العلم أن من شرب ناسيا ليس عليه ان يتقيأه فأشار بذلك إلى تضعيف الحديث فلايلتفت إلى إشارته وكون أهل العلم لم يوجبوا
(13/195)

الاستقاءة لايمنع كونها مستحبة فان ادعى مدع منع الاستحباب فهو مجازف لايلتفت إليه فمن أين له الاجماع على منع الاستحباب وكيف تترك هذه السنة الصحيحة الصريحة بالتوهمات والدعاوى والترهات ثم اعلم أنه تستحب الاستقاءة لمن شرب قائما ناسيا أو متعمدا وذكر الناسى فى الحديث ليس المراد به أن القاصد يخالفه بل للتنبيه به على غيره بطريق الأولى لأنه اذا أمر به الناسى وهو غير مخاطب فالعامد المخاطب المكلف أولى وهذا واضح لاشك فيه لاسيما على مذهب الشافعى والجمهور فى أن القاتل عمدا تلزمه الكفارة وأن قوله تعالى ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة لايمنع وجوبها على العامد بل للتنبيه والله أعلم وأما ما يتعلق بأسانيد الباب وألفاظه فقال مسلم حدثنا هداب بن خالد حدثنا همام حدثنا قتادة عن أنس رضى الله تعالى عنه أن النبى صلى الله عليه و سلم قال وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الأعلى حدثنا سعيد عن قتادة عن أنس هذان الاسنادان بصريون كلهم وقد سبق مرات أن هدابا يقال فيه هدبة وأن أحدهما اسم والآخر لقب واختلف فيهما وسعيد هذا هو بن أبى عروبة وقوله ( قال قتادة قلنا يعنى لأنس فالأكل قال أشر وأخبث ) هكذا وقع فى الأصول أشر بالألف والمعروف فى العربية شر بغير ألف وكذلك خير قال الله تعالى أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وقال تعالى فسيعلمون من هو شر مكانا ولكن هذه اللفظة وقعت هنا على الشك فانه قال أشر وأخبث فشك قتادة فى أن أنسا قال أشر أو قال أخبث فلا يثبت عن أنس أشر بهذه الرواية فان جائت هذه اللفظة بلاشك وثبتت عن أنس فهو عربى فصيح فهي لغة وان كانت قليلة الاستعمال ولهذا نظائر مما لايكون معروفا عند النحويين وجاريا على قواعدهم وقد صحت به الأحاديث فلاينبغى رده اذا ثبت بل يقال هذه لغة قليلة الاستعمال ونحو هذا من العبارات وسببه أن النحويين لم يحيطوا إحاطة قطعية بجميع كلام العرب ولهذا يمنع بعضهم ما ينقله غيره
(13/196)

عن العرب كما هو معروف والله أعلم وقوله ( عن أبى عيسى الأسوارى ) هو بضم الهمزة وحكى كسرها والذى ذكره السمعانى وصاحبا المشارق والمطالع هو الضم فقط قال أبو على الغسانى والسمعانى وغيرهما لايعرف اسمه قال الامام أحمد بن حنبل لانعلم أحدا روى عنه غير قتادة وقال الطبرانى هو بصرى ثقة وهو منسوب إلى الأسوار وهو الواحد من أساورة الفرس قال الجوهرى قال أبو عبيدة هو الفرسان قال والأساورة أيضا قوم من العجم بالبصرة نزولها قديما كالأخامرة بالكوفة قوله ( أبوغطفان المرى ) هو بضم الميم وتشديد الراء
(13/197)

ولايعرف اسمه وفيه سريج بن يونس تقدم معناه مرات أنه بالمهملة والجيم قوله ( واستسقى وهو عند البيت ) معناه طلب وهو عند البيت ما يشربه والمراد بالبيت الكعبة زادها الله شرفا